سهر كوسا
سقراط كيف هي حالك في هذه الدنيا لايهمك فالدنيا تدور ولاتترك وراءها سوى الخالد من الاشياء والخالد لايطلب الرحمة لانه قوي ينبت في الجذر ولاتزعزعه عاصفة .
اما انا فمثلك اؤمن بأن الطبيعة وفي كل تحولاتها مادة من التحولات تستدير حول نفسها عمياء او مدركة لكنها تسير في اتجاه واحد وكلانا يبحث عن اتجاه اخر غير الذي يستدرج الدنيا اليه لقد مضى زمن ونحن غائبان عن الجدل المشترك في شؤون قوانين الطبيعة او الحال وكنا نخطئ في ذلك لأن الحياة بدون جدل او شيء منه ليست جديرة بأن نألفها ألفة الغصن الى الشجرة اما لماذا عدت اليك بعد هذه الغيبة فمرد ذلك الى أن سيفالوس عاد يثرثر بالفضيلة والنصح لمناقضته تعالميك في الفضيلة والنصح وكان لابد لي ان اكشف عن اقنعته فوق رؤوس الاشهاد هل توافقني على ذلك . واذا كان سكوتك هو الصمت البليغ فليكن كلانا متعاونا في تحليل طبيعة سيفالوس وتشريح قوانينها ليس لأنه من طبيعة شاذة انما هو في كل سائحة يزداد تأثراً بأنحطاط قانون الحياة فتقضي اللياقة التاريخية منا ان نطوق هذه الظاهرة في حدودها الدنيا حسب اذ لايمكننا غير ذلك لان ليس من قانون في الدنيا بقادر على الغاة الظاهرة الانسانية الشاذة بالتمام وقد ساءت الطبيعة او قوانين الخلق ان تجعل لكل نقيض نقيضاً له متساوياً او متكافئاً له في الالغاء الموقت وسيفالوس لايدرك جملة معنى الصراع في هذه الحقيقة يدرك فقط ان ظاهرة السلبية هي المنتصرة في كل حال وقد تمثلها على الدوام في المال مرة وفي النفاق الاجتماعي حيناً وفي الادعائية حيناً اطول
نعم .. ياسقراط ان سيفالوس ولد ميتاً منذ فطرته الاولى فقد ادعى في انه كاتب حواش على رسائل المفكرين فضحك من جمهور المثقفين وادعى في يوم اخر انه شاعر يقرظ الالفاظ في معابد اثينا فضحك منه جمهور المصلين لانه ماكان يتقن سر الوهج في القصائد الحرة وكان يشرك نفسهُ في كل ندوة فيها منبر بغياب المنبريين المبدعين حتى اذا غاب كل مبدعً .
مشى في الجو مزهوا كطواويس الغابة وفي لحظة عبثية وجد نفسه في لجنة الجرالين يعاقر الخمرة بأسمها ويتفكه على الماضي العقول الحية انظر ياسقراط انه جلس مرة الى مائدتي ( بالصدفة ) وراح يلعنك لانك قلت في المعبد الكبير ان الحرية بثمن وهو لايريد الحرية لان الحرية تكشف عن موقف فكري وهو عراء , لاتنم حياته عن موقف يريد ان يأكد بعافية ويكرع الخمرة بدون طائل فلذلك ياسقراط المحبة صار وجهه اعرض من عقلهِ وكرشهُ اضخم من ادراكهِ دميم البطن متجعد النظرات واذا مشى يحسبه الناظر كأنهُ طير مثخن الجراح والادهى من كل ذلك توسوس في صدره الشكوك فكل مايكتبه شك في شك .
وكل ما يذيعه في المعابد هرطقة بلا مقولة ومقولات بلا مفاهيم صغيرة , أذانه تجاور جبهته العريضة بلا طائل فأذا جلس في مجلس النميمة هرف وخرف ومنذ ابتليت به المعابد كأن ديدنه التقول بالمثاليات سيفالوس هو نطفة من اللامثاليات ينقل اقوالاً بلا سند والأغرب في الامر انه يدعى صداقة افلاطون تلميذك الوفي لكن المهذب عرفهُ منذ البداية عرف فيه اللدغة والاحتقان ثم عراه امام جمع الكتبة وسدنة المعبد الكبير وقال له ( صه .. أنت اعرج في كل شيء ) اي بلا تاريخ يؤهله لأن يكون متكلماً او شاعراً أو اشبه بذلك , انه كما سرني افلاطون عبارة عن كتلة من اللحم تتحرك وفق قوانين الغريزة الصماء العمياء التائهة في بحر من النزوات وانك ياسقراط .. ابتليت بسيفالوس او شبيه بهِ يتكرر بين اثينا وبغداد او بين الماضي و الحاضر يتكرر على خلق مجبول بالازدواج الفكري المطبوع على صورة جوقة الطبول منهوك من الداخل يُشتم آلهة المدن لانها لم تستجب الى ادعائهِ المضلل بينما هذه الآلهة تطالب الفرد بأن يكون سوياً لامضللاً محتقناً فَتعساً للولادات حينما تولد وفي افواهها اللعنة الابدية وتعساً لكل مخلوق يلوك النميمة وراء ظهر الاحرار وتعساً للمهرجين في المعابد والمجالس أولئك يطلبون النذور بلا تضحيات وكم مرة خطبت الناس في المعابد عن اولئك وقلت ( اتركوهم يتضرورن في الخطيئة ) نعم ياسقراط .. كنت تصدق في حدسك فسيفالوس واحد من هؤلاء او اولئك نشأ على غفلة من التاريخ يترنح في مشيته اذا لفظ لفظاً واللفظ فيه مسموم ويتباكى في حبهِ والحب فيه مضغة فكيف تريد ياسقراط من انسان ان يقول صحيحاً ويكتب صحيحاً ويتنفس من نقاء وهذا تكوينه نصفه من عجائب الغرائب ونصف من خطأ الولادة فأتركه على حالهِ يثرثر على موائد الشياطين , فما من ثرثرة كسبت فضيلة وانت أعرف بمصادر الفضيلة لاتريد نكراناً للجميل ولاتريد خنجراً من ذهب ان بيت الفضيبة يسكنه نبيل مثلك ياسقراط , نبيل عندما تجادل فيلسوفاً كما انت نبيل حين تجادل عياراً ومن صفاتك التي احببتها ابتعادك عن مجادلة الكروش المتهرئة واصحاب النقل النفاقي او الذين يجرحون كبرياء الاحرار وكل التاريخ الذي عشت جزءاً منه صيرك مثالاً وسطاً بين العالم العلوي وعالم الاموات فكرهت المال عن طوية طاهرة ورفضت الشيء السهل المألوف ورفضت ان تكون عيناً على غيرك وما طلبت سوى مايشدك الى السلام سلام القلب وسلام الالقاب ولهذا بأجمعهِ يكرهك سيفالوس ومن على جوقته ويلدغونك جهاراً في الضحى او في الاصائل واظن انك ستقول لي (عش بكرة واصيلا واستلهم نفسك حيثما انتشرت )
وشكراً على جميل ايقاعك فهذهِ نفسي ياسقراط .. تلمذتُ على تاريخ نفسي ولما اكتشفت انني انا فرحت بمعاناتي وانا جزءً من معاناتي فأنت وحدك تعرفها تعرف ان القليل عندي كثير وان الكثير الفائض لا لزوم لهُ وماذنبي سوى اني ولدت كبيراً في صحوتي الأولى اقيس الاشياء على قياس ارادتي واقيس الرجال كما تقاس الأرادات فأن اخطأت طاردت الحقيقة بحثاً عنها في قانون التنافر حيث يرفضهُ سيفالوس ذو المشية المترنحة ذات اليمين وذات الشمال ....!
674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع