الصورة والذات في الأدب

عائشة سلطان

الصورة والذات في الأدب

أقرأ في كتاب «صراعي»، للنرويجي كارل أوفه كناوسغارد، المقسم إلى ستة أجزاء، وقد تُرجم إلى العربية تحت عنوان «كفاحي» عبر دار التنوير اللبنانية، وهو بالمناسبة واحد من أضخم الأعمال الأدبية للكاتب، الذي سرد فيه سيرته الذاتية وتفاصيل التفاصيل حول حياته، ما يذكر بكتاب «البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، وتتبعه لتفاصيل طفولته وشبابه عبر سبعة أجزاء ضخمة.
جاء الجزء الأول من الكتاب تحت عنوان «موت في العائلة» كانت صفحاته الأولى التقاطات وصوراً قد لا تبدو غريبة أو جديدة، لكنني على ثقة بأن أي قارئ - ومنذ الأسطر الأولى - سيشعر بتلك الألفة الحتمية مع موضوع الكتاب، وإن كان سيتساءل كيف لم أفكر بهذا من قبل؟
ففي الوقت الذي يقول فيه كثير منا، إننا مؤمنون بحتمية الموت، وإنه النهاية الحتمية والمنطقية، فإن أحداً منا لن ينكر أننا نتعامل معه كأمر مخيف ومرفوض، لا نريد أن نراه أو نتقاطع معه أو تكون لنا صلة به، فالميت يُنقل في سيارات معتمة، وينزل من غرفته في المستشفى عبر مصاعد خاصة، وبمجرد أن تفارقه الحياة يُسدل عليه غطاء كامل، وكأن لا أحد يريد أن ينظر إليه، تحت مبرر حرمة الميت! يبدأ بروست عمله، انطلاقاً من ذكرى طعم الكعك والشاي بالياسمين في منزل خالته، في حين يبدأ كناوسغارد بموت والده، الموت من حيث هو موضوع وجودي توقف عنده جميع الكتاب والشعراء والفلاسفة والروائيين، وهنا يحضر كتاب «اختراع العزلة» لـ«بول أوستر» الذي يروي فيه التفاصيل التي أعقبت وفاة والده، ومروره بتلك الخبرة القاسية المتمثلة في اكتشافه المباغت أنه لا يعرف ذلك الأب الذي مات للتو، ومن هنا يحاول أوستر أن يتتبع ما تبقى من والده ليعيد ترميم صورته الغائبة أو المجهولة! تأتي الهوية، الذكورة، الأبوة، وتناقضات الحياة المعاصرة، مواضيع رئيسية في الكتاب، حيث يناقش الكاتب مفهوم «الرجولة» كما تربى عليه في طفولته؛ الصلابة، السكوت عن المشاعر، الصورة الصلبة.. ثم يصطدم بمشاعره ومعاناته الداخلية. هذا الصدام بين «الصورة» و«الذات» يخلق عنده إحساساً بالخجل والاغتراب، وهو أمر يتردد كثيراً في مجمل أجزاء الكتاب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

655 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع