الإله العربي ارصو أو روضى في شمال الجزيرة العربية

الأستاذ الدكتور

صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2025

 

الإله العربي ارصو أو روضى في شمال الجزيرة العربية

الإله العربي ارصو أو ارسو (Arsu) أو روضى (Ruḍā) يمتطي جملا ويقترب من مذبح
لوح من الحجر الجيري، الأبعاد: الارتفاع (33) سم، الطول (44.5) سم، السمك (7) سم، عثر على اللوح عام (1935) خلال تنقيبات جامعة ييل (Yale)، (الولايات المتحدة الامريكية) في الموقع الاثري دورا أوربوس.في سورية.
موقع دورا اوربوس (Dura-Europos)
تقع مدينة دورا اوروبوس الاُثرية (حاليا موقع الصالحية المطلة على الفرات) في بادية الشام قرب دير الزور في سورية، وكانت مدينة بابلية، ولكن مع سقوط دولة بابل (Babylon) الحديثة عام (539) ق.م بيد الفرس الاخمينيين بقيادة كورش الكبير، تشكلت الإمبراطورية الاخمينية (Achaemenid) الفارسية على أنقاض الإمبراطورية البابلية الحديثة فاتسعت دولتهم لتشمل كل الهلال الخصيب، وبالتدريج استطاعت أن تضم العالم المتمدن آنذاك من مصر والمدن الأيونية (Ionian) في آسيا الصغرى غربا إلى البنجاب (Punjab) في الهند شرقا، وكانت اللغة الرسمية للإمبراطورية الفارسية هي اللغة الآرامية حيث اعتبرت اللغة العالمية آنذاك، وبعد انتصار المقدونيين بقيادة الإسكندر المقدوني على الدولة الاخمينية عام (333) ق.م بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المشرق العربي تحت الحكم اليوناني، حيث أعيد بناء مدينة دورا أوربوس من قبل السلوقيين (Seleucid)عام (300) ق.م وسموها (أوروبوس) نسبة إلى مدينة في مقدونيا (Macedonia) تحمل نفس الاسم، ومن بعد ضمها الرومان إلى امبراطوريتهم عام (165) ميلادي، وقاموا بتحصينها فأصبحت دورا اوربوس حامية عسكرية رومانية قبل أن يحتلها الساسانيون (Sasanian) الفرس ويدمروها عام (256) ميلادي، ورغم أن تاريخ هذه المدينة تراوح بالانتماء بين البابلية والسلوقية والرومانية إلا أن ثقافة أهلها بقيت متأثرة بالحضارة السريانية والتدمرية المحيطة بها، فاصبحت المحطة السورية الأولى لطريق الحرير القادم من الصين ومن ثم إلى حمص (Homs‎) وإلى الساحل السوري على البحر المتوسط
وصف اللوح
يُرجح أن عبادة الإله العربي أرصو أو أرسو (Arsu)، قد دخل إلى دورا أوربوس في عهد المملكة الفرثية أو البارثية (Parthian) (126 ق.م – 227 ميلادي) عن طريق القوافل والبدو، ويعتبر اللوح من ضمن أقدم نقشين بارزين لأرصو (أو أرسو)، حيث صور الإله جالسا على ظهر جمل يقترب من المذبح عليه شكل يرمز إلى الإله، وممسكا بأسلحة الصحراء: درع صغير مستدير، ورمح، وسيف، أما تسريحة الشعر فهي تشيه المنحوتات في موقع الحضر (Hatra) (في العراق)، وتدمر (Palmyra) (في سورية)، ونجد الرموز الدينية في اللوح هي: الهلال (إله القمر) وارتباطه بنجمة المساء، والوردة وقد ترمز الزهرة إلى الإلهة عشتار (Ištar)، أو زهرة البيبون المقدسة (البابونج) التي نرى نظيرها بجلاء في أساور ملوك آشور، كما زيّنت الزهرة باب عشتار، وجدران شارع الموكب في بابل، وزهرة بيبون (البابونج) هي نبات طبيعي يكثر في مدينة الموصل وفي شمال العراق وشمال سورية في فصل الربيع، بينما شكل السعفة يرمزا للسلام (وهو معنى يمكن أن يكون في الإسلام ايضا حيث يرتبط غالبا بالجنة)، وتنتشر زراعة النخيل في واحات الصحراء ومناطق الشبه صحراوية حيث يوفر الإله ارصو أو روضا الأمان والحماية للمسافرين عبر الصحراء.
الإله ارصو أو روضا
هذا الإله معروف في سورية وشمال الجزيرة العربية، ويتم تمثيله إما مذكر أو أنثى، وكان أرصو (عند بقلب حرف (ص) إلى حرف (ض) يصبح ارضو) مرتبطا بنجمة المساء، وكثيرا ما يتم تصويره على أنه يمتطي جملا ويرافقه شقيقه التوأم عزيزوس (Azizos)، فكلاهما كانا يعتبران حماة القوافل، ويعود أقدم ذكر الإله ارصو أو روضا في حوليات أسرحدون (Aššur-ahhe-Iddina) الملك الاشوري (680-669) ق.م، وكان بمثابة إله قمري للحماية، وأصل اسمه يعطي معنى (الرضا، وحسن التصرف) إشارة إلى وظيفته كإله للحماية، وتمت ترجمة الاسم حرفيا إلى النص اللاتيني من النص الأكدي الأصلي باسم روضاو (Ru-u-da-a-a-ú) كما ذكر بانه من آلهة العرب، وهناك ايضا نقش آرامي (Aramaic) لاحق نجد اقتران أرصو/ روضا بالإله ريشف (Resheph) ، وهو من آلهة الحماية ايضا، ويورخ إلى الألفية الثالثة ق.م.
تم تأكيد عبادته أيضا من خلال الأدلة المادية الموجودة في معبد أدونيس (Adonis) في دورا يوربوس، ففي مجمع المعابد كان هناك نقش يصور ارصو (أرسو) على ظهر جمل، ويقول النقش الموجود أسفل الشكل: (لقد صنع النحات أوجا (Oga) لوح أرصو راكب الجمل، من أجل حياة ابنه)، ومن المحتمل أن الإله كان مرتبطًا بكوكب عطارد في وقت مبكر في أماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية، وكان ارصو مساوياً للإله رضى أو روضا (Ruḍā) يُشير أصل اسمه إلى معنى (حسن الخلق) كدلالةٍ على وظيفته كإلهٍ حامي ، وفي النقوش الصفائية كتب رضو (rḍw) وهو إله بارز في مجمع الآلهة العربية التي تعبدها قبائل شمال الجزيرة العربية قبل الإسلام.
الإله روضا في صدر الاسلام
تشير النقوش من شمال الجزيرة العربية في منطقة نجد (Najd) إلى الإله روضا وآلهة أخرى في البانثيون العربي، مما يقدم دليلا على كيفية نسب كل خير وشر إلى الآلهة، ومن أمثلة هذه النقوش التي تُشير إلى روضا بعبارة: (برضى نحن) (by Ruda are we) و(برضى ننتحب) (by Ruda is weeping) .
كما ورد ذكر الإله رضى في كتاب الأصنام لهشام بن الكلبي (المتوفي 204 هجرية)، وذكر أن اسم (عبد الرضى) كان معروفا في ذلك الوقت، كما ذكر الكلبي عن بَعض الروَاةِ : (أَنَ ‌رِضى كَان بَيْتا لِبَنِي ربِيعةَ بن كعب بن سعد بن زَيد منَاةَ. ثم جرى هدمه في صدر الإسلام).
الإله عزيزو شقيق ارصو
كان الإله عزيزو، أو عزيز، أو عزو، وباللفظ اليوناني عزيزوس (azizos) شقيق الإله ارصو(ارسو)، وفي الأساطير العربية هو إله نجمة الصباح التدمرية، والإله ارصو نجمة المساء، ويرمز عزيزو لكوكب الزهرة الذي تسمى بنجمة الصباح، وتُعرف لدى البعض حاليا باسم (نجمة الراعي)، وتُشاهد عند الغروب في جهة الغرب متلألئة في السماء، وكثيرا ما كان يصور عزيزو ممتطيا ظهر الجمل برفقة أخيه التوأم أرصو، ويقترن اسمه (بالخير)، وكان عزيز إلهاً مقدسا ومعبودا في سورية القديمة والجزيرة العربية وعرف في مكة باسم (العزى) (ورد اسم الإله العزى في القران الكريم)، وإلى جانب الإله ارصو والإله عزيزو هناك الإله منعم (Mun'im) باللفظ اليوناني مونيموس (Monimos)، والإله منعم (Mun'im) إله عربي يرمز إلى نجمة المساء، وهو نظير عزيزوس نجمة الصباح، وكان كلاهما الإلهين رفيقَي الإله هيليوس (الشمس)، وعرف الإله منعم أو مونيموس بأنه إله تدمر كما هو الحال في الإله أرسو أو ارصو في دورا اوربوس.
اما الامبراطور الروماني جوليان المرتد (Julian) (361-363) ميلادي الذي عرف بلقب (قيصر العرب)، فقد كان فيلسوفا ومؤلفا بارزا في الأدب اليوناني ذكر الإله مونيموس (Monimos) بأنه الإله هرميس(Hermes) وهو (إله يوناني) كما ورد في (ترنيمة الملك) إلى الإله هيليوس (Helios) (الشمس): (يقول، الذي أخذت منه هذا وكل ما عداه، وهو جزء صغير من مخزون كبير، إن المعنى السري الذي يجب تفسيره هو أن مونيموس (Monimos) هو الإله هرميس (Hermes)، وأن الإله عزيزوس (Azizos) هو الإله آريس (Ares) (إله الحرب عند اليونانين) رفيقي الإله هيليوس (الشمس)، وهما قناة بركات كثيرة لأرضنا)، يبدو أن جوليان يقدم مقارنة بين آلهة العرب في شمال الجزيرة العربية مع الآلهة اليونانية، وهذه المقارنة لم تكن قائمة على (دلالات كوكبية)، بل على صفاتهم، فاسم الإله منعم (Mun'im) أو باليوناني مونيموس (Monimos) يعني (المحسن) حامي القوافل، كما ارتبط الإله هرميس اليوناني كحامي للقوافل والمسافرين.
التفسيرات العلمية
كتب الباحث (Dirk Lange) أن الإله روضا كان جزءا من ثالوث الآلهة الذي عبد ضمن الاتحاد من عدة قبائل عربية شمالية ومنهم قبيلة بنو إسماعيل، وبحسب رأي الباحث (Dirk Lange)، كان روضى إله القمر، ونهى إلهة الشمس، وعشتار سمين (عشتار السماء) الإلهة المرتبطة بكوكب الزهرة، كما تم العثور على ثالوث من الآلهة يمثل (الشمس، والقمر، والزهرة) عند شعوب ممالك جنوب الجزيرة العربية (أوسان، ومعين، وقتبان، وحضرموت) بين القرنين التاسع والرابع ق.م، حيث كانت الإلهة المرتبط بالزهرة هي عشتار ، وإله الشمس (يمثل الشمس)، وإله القمر يسمى ود، أو عم، أو شهر، أو رحمن.
فقد ارتبطت عبادة العرب قبل الاسلام بالمظاهر الطبيعة فاتخذوا من النجوم والكواكب آلهة يعبدونها، وكان الإله ارصو/ روضى يمثل أعمال الخير والطيبة والمسامحة، وعثر له عدة منحوتات في تدمر (Palmyra) بسورية، كما تم الكشف عن معبده في الوادي الواقع جنوب الآغورا (السوق)، ونقل الجنود التدمريون رماة النبال عبادته إلى روما قبل الفين عام، وتاكدت عبادته أيضا من خلال الأدلة المادية التي عُثر عليها في دورا أورپوس، وفي أماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، وكانت الآلهة ارصو (Arsu)، و روضا (Ruḍā)، و منعم (Mun'im)، و عزيز (azizos) وان اختلفت الاسماء لكنهم جميعا حماة القوافل والمسافرين في صحراء شمال الجزيرة العربية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع