د.عبدالقادر محمد القيسي
ما الذي يمكن أن يحققه مبدأ الاختصاص في الإجراءات القضائية المعتمدة وكيف لها أن توفر السبل اللازمة لسير العدالة في تلك الإجراءات ؟
ان الاختصاص اعتمد في القانون العراقي وضمنه المشرع بوصفه احد العوامل الأساسية في الإجراءات المذكورة؛ لان من شأنه أن يعطي التأثير الفعال في انجاز المتطلبات التحقيقية والخطوات المطلوبة في المواجهة القضائية للجنح والجنايات والقضايا الأخرى.
ويأخذ الاختصاص إبعاده القانونية من خلال مصادر أساسية .
المصدر الأول هو قانون أصول المحاكمات الجزائية والتقيد في ذلك يحقق الصورة المشرقة للتطبيقات وهنا ينبغي اخذ الاختصاص في جوانبه التحقيقية والإجراءات القضائية اللاحقة .
المصدر الثاني للاختصاص هو العرف العدلي المتأسس من النشاطات القانونية اليومية لتحقيق حصانة المجتمع والدفاع عن نيته الاجتماعية وأعرافه وتقاليده وما يترتب على ذلك من تقاليد عمل داخل المؤسسة القضائية اذ لا يمكن للإجراء القانوني أن يكون مكتملا ما لم يكن التحقيق قد جرى على يدي قاضي التحقيق، وحتى في المناطق او الأماكن التي لا يوجد فيها قاضي تحقيق ويعتمد فيها بالأساس على ضابط الشرطة في الإجراءات المعتمدة؛ فان على الجهة القضائية المسئولة عن فحص أوراق التحقيق ان تسال ومن خلال الدراسة الدقيقة للأوراق: هل إن ضابط الشرطة الذي قام بالتحقيق اعتمد الشروط القانونية الاختصاصية في الكشف وضبط الادلة والقرائن والتعامل مع إطراف القضية في ضوء الاختصاص المحدد لنوع الجريمة ؟
وكم من قضايا ردت لكي يعاد التحقيق فيها في ضوء الاختصاص القانوني ومن اجل ضمان حقوق أطراف القضية، والمشرع هنا وفي الإطار القانوني أعطى للاختصاص أهميته الواضحة في جميع أنواعه منها العيني والشخصي والشامل كما أعطى أهمية خاصة للتفريق بين اختصاص الجنايات والجنح وهو الاختصاص الوظيفي.
ان التقييد بالاختصاص النوعي والمكاني عند اجراء التحقيق الابتدائي والقضائي المقرر في المواد(53،54) من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ ورفع حالة التشابك والتداخل في الاختصاصات والصلاحيات الامنية لأفراد الاجهزة التنفيذية، حتى لا يبقى المتهم وقضيته يتنقلان بين عدة محاكم دون حسم قضيته من قبل جهة واحدة .
وتشير الأدبيات القضائية إلى نوع أخر من الاختصاص إلا وهو الاختصاص المكاني أي إن قاضي التحقيق يكون مختصا ًبرقعة جغرافية معلومة تكون من اختصاصه حصرا ًوليس من اختصاص أخر، وقد اكدت المادة (53) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على ضرورة مراعاة الاختصاص المكاني لكنها في نفس الوقت، لا تبطل اي اجراء يتخذه قاضي التحقيق خارج الاختصاص المكاني، واصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الامر 13 لسنة 2003 وتعديلاته لعام 2004 والذي بموجبه انشات المحكمة الجنائية المركزية، ووفق هذا الامر تم مصادرة الاختصاص المكاني واصبحت هذه المحكمة تتمتع بصلاحيات مطلقة وتنظر باي جريمة تم ارتكابها باي بقعة من ارض العراق، ولا يخفى على الجميع، خطورة هذا القانون من ناحية اسقاط الاختصاص المكاني لمحاكم التحقيق والجنايات مما يؤدي الى تعقيد الاجراءات وصعوبة تحقيق المتطلبات التحقيقية، فمثلا اذا كانت الجريمة، واقعة في البصرة او الموصل واجراءات التحقيق فيها تتم في بغداد في مقر المحكمة الجنائية المركزية، لكم ان تقدرون كم يستغرق ارسال كتاب ووصول اجابته او تدوين افادات لشهود او مدعين بالحق الشخصي او ممثل قانوني وغيرها من الاجراءات المهمة لتكملة التحقيق الاصولي.
لذا فان الاختصاص المكاني جوهري في سرعة ودقة اجراءات التحقيق في الجرائم، وفي ذلك يتحقق عدد من الأهداف المطلوبة للعدالة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود معرفة اختصاصية لكل من الأطراف المعنية في تحقيقها ابتدءا ًمن رجل الشرطة الذي يجب أن يعرف بدقة مسؤوليته الاختصاصية إلى قاضي التحقيق إلى الحلقات الأخرى.
ولنا هنا ان نتوقف عند الشرطة بالدرجة الأساس بوصفهم حلقة الوصل في تحقيق هذا الاختصاص وإشاعة ضروراته بل هم الحلقة المهمة في ذلك فمنهم تبدأ المسيرة التحقيقية حيث لا يتأتى ذلك إلا من خلال توضيح أمر الاختصاص على جهتين جهة جهاز الشرطة من ضباط ومفوضين والذين في إمرتهم لكي لا يقوموا بالفعل المناقض للإجراء القانوني وكذلك لقضاة التحقيق في رسم صورة دقيقة للحادث من حيث المكان والأطراف المشاركة وهذا الوضوح في ترتيب الأوليات المذكورة هو المدخل لتحقيق فرص الاختصاص لان كل واحد من هذه الأطراف يعرف مسؤوليته.
وعلى الصعيد نفسه فان شعور الأطراف الأخرى بالقضية يصبح شعورا ًمطمئنا إذا أدركوا إن القوى التي تدير هذه القضية تعرف بالدقة القانونية المطلوبة ما يجب أن تفعله.
إن الاطمئنان بوجود مختصين في تولي هذه القضية أو تلك لابد من أن يدفع الجميع إلى التعاون في انجاز ما يدونه مناسبا ًكما انه يقطع دابر التأويل ويوفر الوضوح التام ويضمن الانسيابية الإجرائية ويدفع بالقضية بعيدا إجراءات البطلان، ولاشك أيضا في أن من شأن محاكم الجنايات بصفتها التمييزية او الأصلية ومحاكم الاستئناف ومحكمة التمييز أن تضمن تعزيزا على درجات الاختصاص في الطعون القانونية التي تعتمدها بين الحين والأخر لقضايا معينة تجد إنها ناقصة في تأشير متطلبات الاختصاص من خلال المرافعات التي يعتمدها المحامون في دفاعهم أمام القضاة, لكن ذلك يبقى ناقصا ًما لم تجد المؤسسة العدلية إطارا ًثقافيا وإعلاميا أساسيا لتوضيح فكرة الاختصاص وأهميتها.
الدكتور
عبدالقادر القيسي
662 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع