
فارس حامد عبد الكريم
نظرية النافذة المكسورة
نظرية سلوكية تغطي جميع مظاهر النشاط الإنساني ذات صلة بعلم الإجتماع وعلم النفس وعلم الإجرام.
تفسر اسباب الإنحدار نحو السلوكيات الخاطئة وعدم الانضباط الاجتماعي وتحلل القيم الاجتماعية والمرفقية نتيجة الإهمال البسيط.
وضعها عالما الاجتماع جيمس كيو ويلسون وجورج إل. كيلينج عام 1982، بناءً على تجربة نفسية شهيرة لعالم النفس فيليب زيمباردو*. (انظر الهامش)
وجوهر النظرية مبني على مبادئ علم النفس وتفرعاته الذي يرى بأن الإنسان لديه القابلية على الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك، وسرعان ما يتحلل من هذا الإلتزام متى ما رأى الانفلات من حوله.
ويقول الباحثين في هذا المجال ان "مبدأ النظرية بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله أُنموذجاً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع"
ومفاد ذلك أن المظاهر البصرية للفوضى والإهمال والتقاعس وغض النظر ، مثل النوافذ المكسورة او الأبواب المفتوحة التي تترك بلا إصلاح أو ترك العناية بالأموال العامة او الخاصة وعدم الرقابة عليها او ضعفها، أو غض النظر عن اخطاء المرافق العامة او اهمال معالجة الفساد المالي والإداري وغض النظر عن الرشاوى البسيطة او المقنعة تشجع على المزيد من الجرائم والسلوكيات السيئة وتفاقمها تدريجياً لأنها توحي بغياب النظام والقانون وعدم الإهتمام ممن يتولاها،مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل الصغيرة إلى جرائم أكبر، على خلاف ذلك يؤدي إصلاح هذه المظاهر السلوكية الصغيرة إلى خلق بيئة صحية تشجع على السلوك الإيجابي.
النظرية يمكن تعريفها ببساطة بأمثال تذهب الى (أن الكبائر تبدأ بالصغائر)، أو (أن عظيم النار من مستصغَر الشرر) او ( المال السائب يعلم الناس السرقة)
ويرى المنظّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية.
يقول واضعو النظرية انه إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون إصلاح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، وستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال من باب العبث، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.
لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة التي هي اساس فكرة النظرية، فهي تشمل جميع مظاهر الإهمال البسيط الذي يتطور لاحقاً ليصبح ظاهرة اجرامية عامة
ومن امثلة ذلك على سبيل التعداد لا الحصر:
*انتشار الفساد المالي والإداري وخاصة الرشوة والاختلاس، اذا لم تكافح مظاهرهما البسيطة الأولى فوراً وبحزم.
*خذلان الشعور الوطني العام اذا فشل الساسة في ضبط النظام وفرضه على الجميع بدون استثناء ولو بشكل محدود والفشل في تحقيق الآماني والرغبات الوطنية المشروعة في الحياة الحرة الكريمة فإن هذا الفشل سينتقل الى جميع مرافق الدولة وتعم الفوضى فيها، وتصبح الأنانية الشخصية هي السائدة بدل الشعور الوطني.
*عدم تطبيق القوانين العقابية على الجرائم والتي تشمل المخالفات التي تبدو بسيطة فان الامر سيتطور تدريحياً الى انواع اخرى من الجرائم الخطيرة
من ذلك ظاهرة (شخط) سيارات المواطنين من قبل عابثين وحاقدين فإنها انتشرت على مستوى الدولة نتيجة تهاون اصحاب تلك العجلات في تقديم شكاوى للسلطات.
وكذلك افتعال الحرائق والفرهود وغير ذلك
*التهاون في محاسبة الموظفين المهملين او المتقاعسين عن اداء واجباتهم او المتغيبين بحجة (خطية) يقود في النهاية الى اشاعة الفوضى في نظام الوظيفة العامة على مستوى عموم البلد.
*التهاون في تطبيق الضوابط في المدارس والجامعات ولو على امور بسيطة يؤدي في النهاية الى انخفاض مستوى التربية والتعليم بل وتدهورهما وتكرار الغياب وانخفاض رغبات الطلاب بالتفوق وانجرار الطلبة نحو سلوكيات منحرفة تتسع لاحقاً نتيجة ضعف الرقابة والمحاسبة والتهاون في التقييم العلمي والوساطة والتمييز.
*انخفاض مستوى الرعاية الطبية وعدم الثقة بالمستشفيات العامة لأسباب تتعلق بالتهاون في الرقابة والإهمال وعدم الإهتمام الجدي وإنعدم النظافة مما يجعل من هذه الأمور تتوسع تدريجياً لتعم عموم البلد
والتشجيع على التوجه للمستشفيات والعيادات الخاصة التي بدروها قد تنعدم فيها الضوابط وتحقق مستويات من الجشع والاتفاقات غير المشروعة، التي تنمو وتعم جميع انحاء الدولة.
*عدم الإلتزم بالتعليمات البلدية قد يتطور الى كارثة بيئية فقد يقوم احدهم برمي القمامة في غير محلها المخصص لها او بجانبها او ترك مخلفات الأطعمة والأكياس في الحدائق العامة فيتبعه اخرون فتصبح ظاهرة عامة تحتاج الى جهود قوية لمعالجتها وإعادة الوضع الى نصابه.
*اهمال تصحيح الوالدين لسلوكيات اطفالهم العدوانية ولو بدت بسيطة ترتب اثار واسعة على سلوكهم المستقبلي وتؤثر على نموهم الاجتماعي والنفسي، وصعوبة تكوينهم لعلاقات صحية مثل التنمر على الأقران، مشاكل أكاديمية، بالإضافة إلى احتمالية تطور مشاكل سلوكية أكبر في المستقبل، مثل الانخراط في سلوكيات إجرامية، مع عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع.
وهناك أمثلة كثيرة اخرى تتعلق بقوانين المرور والبناء والنقل وإحترام الجيرة ومراقبة الاسعار والموازين والمظاهر غير المحتشمة في الاماكن العامة ونشر المحتوى الهابط وعدم الرقابة الدقيقة على التجار واصحاب المصانع والمحلات التجارية التي تمارس احتيالاً على المواطنين من حيث انخفاض الجودة وادعاء الضمان ...
فقد تكون البداية هي مشكلات بسيطة نسبياً تركت دون معالجة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من المخالفات والجرائم الخطيرة.
فكم من شئ بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها الى عدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فيجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها
آثار هذه النظرية
هذه النظرية قلبت الموازين في العقد الماضي، وغيرت في قوانين الإدارة عموماً وفي الإدارة المدنية خصوصاً، فعلى مستوى المدن الأمريكية مثلا فُرضت الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها، ونُظفت الجدران يوميا من كل مايكتب عليها، وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري، وعلى مستوى المرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث،
وعلى المستوى الأمني تحوّلت نيويورك تلك المدينة المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى في حقبة الثمانينيات - بعد تطبيق هذه النظرية - إلى مدينة أكثر أمناً ونظافة وترتيباً ..
ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج"
التطبيق العملي: تم تطبيقها بنجاح في مدينة نيويورك في التسعينيات، حيث أدت معالجة المخالفات البسيطة (مثل التسول، والتخريب، وعدم دفع أجرة المواصلات) إلى انخفاض كبير في الجريمة بشكل عام، بعد أن ركزت الشرطة على هذه "النوافذ المكسورة".
التطبيقات في مجالات أخرى
الإدارة: تستخدم لتطوير بيئات العمل، حيث إن معالجة المشاكل الصغيرة ترفع الإنتاجية وتحسن الأداء.
التعليم: تطبيقها يركز على بيئة المدرسة لمنع السلوكيات المنحرفة بين الطلاب.
الحياة الشخصية: يمكن تطبيقها على المشاكل اليومية، حيث إن تجاهل الخلافات الصغيرة قد يؤدي إلى مشاكل أكبر.
-----
قام فيليب زيمباردو بوضع عجلتين متشابهتين احدهما في حي فقير واخر حي اغنياء وترك ابوابهما مفتوحة الى جانب سيارات المواطنين الاخرى المغلقة ابوابها
في الحي الفقير لاحظ ان السيارة سرقت جميع محتوياتها وتحولت الى هيكل خلال ثلاث ايام
اما في حي الاغنياء فقد بدأ المارة بالتوقف والنظر بتردد فقام العالم بإجراء اضافي هو كسر احد زجاج نافذة السيارة بعدها تحولت الى هيكل خلال ثلاث ايام ايضاً.

1158 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع