أكبر حزب أنساني ـ للتاريخ والعبرة ح 19

                                    

                           مثنى عبيدة

      

أكبر حزب أنساني ـ للتاريخ والعبرة ح 19
 
تنويه

في هذه الحقبة من التاريخ وما تلاها سوف نأتي على ذكر شخصيات وجهات عامة كان لنا ومعها تواصل أو حوار او لقاء أو موقف ومن باب الامانة التاريخية سيتم ذكرها وليس معنى هذا أبداً هو تزكية أو تسقيط هذه الجهات العامة أو موافقتها على مجمل تصرفاتها ومواقفها ،
إنما هي مقتضيات الأمانة والسرد التاريخي  ...لذا أقتضى التنويه مع التقدير
*****
 
في التحولات الكبرى التي تشهدها الأوطان والشعوب وما تحدثه تلك المتغيرات الكبيرة على مجمل مناحي الحياة يعدو نقلة نوعية مهمة في حياة الأمم والأفراد والذين عادة ما يكونون وقوداً أو دافعاً أو منتجاً لصناعة حدثٍ قد يغير وجه التاريخ ولكن السؤال الذي يشغل البال دوما هو إلى متى نبقى نتفرج على الإحداث ونتلقى ضرباتها ومعاولها والى متى نبقى نتلقى الأوامر دون أن نشارك في صنع الغد ؟ نسأل أنفسنا ونجيب أين مكاني من الإعراب ؟؟ أين أنا من هذه المتغيرات وهل بإمكاني أن أفعل شيئاً إزاءها ؟؟؟
 
في 9 / 4 / 2003 وتداعيات هذا اليوم في تاريخ العراق حاضراً ومستقبلاً انطلقت جموع غفيرة باتجاه القصور والمؤسسات والدوائر والمستشفيات والمدارس لا لكي تعبر عن فرحتها أو حزنها ، ولا لكي تحميها أو تغلقها ، ولا لكي تعمل بها أو تسد أبوابها أنما انطلقت تلك المجاميع للنهب والسرقة وتدمير كل تلك المؤسسات والعناوين تحت مسمى الحاجة والجوع والانتقام من نظام قد زال ... وليس في الأفق إلا سُحب الدخان المنبعث من الحرائق مخلفاً صورة سوداوية في السماء وواقع مخجل مهين على الأرض نقلته وسائل الإعلام نقلاً حياً مباشراً لكي تتحقق الرؤيا التاريخية لصورة علي بابا والأربعين حرامي .
 
في تلك الأيام المبكرة شغلني شاغل كبير وسط حالة من الألم والهم والحزن نتيجة لما أراه من مشاهد وصور وأحداث حزناً على بلد ٍ رائع كريم لا حزناً على نظام ٍ متهالك سار إلى حتفه بيديه..
 
في هذه الإثناء سألت نفسي ليلاً ونهار أين أنا ؟ ماذا عساني أفعل ؟ أين حقي ؟ وكيف أخذ حقي ؟ هل أكتفي بالتفرج على ما يجري ؟ أذا كان السراق قد فعلوا فعلهم فأين أبناء البلد وأين البناة الحقيقيون ؟ هل الانزواء والانطواء سيجدي نفعاً ؟
كل تلك الأسئلة وغيرها الكثير كانت تهاجمني بكل ضراوة تسألني أين ما قراءته عن العدل والحقوق والنهوض لأجلها ؟؟ أين كل كلامك عن الحرية والمبادئ الإنسانية والقيم الحضارية ؟ أين أنت من سيرة الصالحين ودعاة الحقوق الإنسانية وقادة التحرر الفكري والذين كنت تصاحبهم على الورق ؟ ألم يحن الوقت لترجمة كل ذلك على الواقع ؟
 
نعم حان الوقت أو هكذا اجتهدت وهكذا سعيت والله يعلم السر والنجوى وهو تعالى من وراء القصد ..
 
بينما أنا على هذا الحال خرجتُ إلى الشارع لكي أرى بقية فصول المأساة حيث الدواب تجر المرسيدس والخيول الأصيلة تخترق الشوارع بيد الصبية والكبار بل أن شيخاً كبيراً رأيته يحمل بيديه علبة شاي مسروقة من أحدى السفارات وسألت ُ نفسي ما الذي حمله على سرقة علبة الشاي . وبين شك ٍ ويقين وبكاءٍ وأنين حسب رائعة أم كلثوم جاءنا صديقي محمد بنوان اللامي وجلسنا سوية بجوار محل أخي سعد عبيدة فقالت لهما ما يدور في رأسي من أسئلة وما يختلط في روحي من مشاعر ووجدت إنهما يشعران بالأسى والخجل مما يمر به العراق من فضائح نشرت على العلن وقالا وما العمل قلت لدي مشروع طموح يخص قضيتنا الإنسانية والوطنية والتي ربما ستذهب تحت أقدام المنتصرين ولن يلتفت لها احد بعد ذلك وأني أريد عونكما ومساندتكما لما أفكر فيه وأخطط له قالا وما هو قلت :ـ
 
تشكيل أكبر حزب أنساني في العراق
 
وقبل أن يذهب الفكر بعيداً أكملت لدي فكرة تتضمن تأسيس جمعية إنسانية خاصة بالمعاقين وضحايا الحروب والمصائب والكوارث وكل من لديه إعاقة ، علينا العمل بدلاً من انتظار من يقدم لنا كرسياً متحركاً مغمساً بالذل وجرح كرامتنا ومشاعرنا الإنسانية ، نحن أصحاب حق وعلينا المطالبة به ...
 
هنا يجب أن أقول وللأمانة التاريخية بان الأخ والصديق محمد بنوان اللامي قال وأنا معك فيما تفكر فيه وستجدني أمامك فقلت له مازحاً حتماً ستكون أمامي وهذا ما أريده فأنت لديك إعاقة ( فتح جمجمة )  وأنا إعاقتي في ساقي فأنت أسرع مني خطوة فقال أذا أنت العقل وأنا الحركة فقلت له على بركة الله ...
 
لكن كيف السبيل لتحقيق هذه الفكرة والأرض محترقة والجيوب خاوية والأجساد متعبة والبلاد مستباحة ولا سلطة ولا قانون ، حيث السلاح يباع على الأرصفة والمعدات الثقيلة تفكك ويتم تهريبها للخارج وكل شيء يحدث في بلد الحضارات والخراب ؟ بلد القلم والبندقية والكوارث ؟ بلد كان التاريخ عنده حاضراً فأمسى منهوباً فيه المتحف و الوثائق ؟
 
قلت علينا أن نجمع أصحاب القضية أخواننا المعاقين ، وفعلاً توجهنا إلى عقد لقاء في بيت الأخ خالد جبر وهو معاق مصاب بشلل الأطراف السفلى وهناك التئم الشمل على السادة المدرجة أسمائهم وإعاقاتهم  وهم :ـ
 
( حامد القرغولي ـ بتر الطرف السفلي ـ خليل الجبوري ـ بتر الطرف السفلي ـ سعد عبيدة ـ بتر الطرف السفلي ـ
عزيز ـ بتر الطرف العلوي ـ عاصف عامر ـ سقوط الطرف السفلي ـ خالد جبر ـ شلل الأطراف السفلى ـ محمد بنوان ـ فتح جمجمة ـ مثنى عبيدة حسين ـ تخثر الأوردة العميقة ووووووو ) طبعاً الجميع معاقي حرب ...
 
بعد كلمات الترحيب وأستعرض الواقع المؤلم في البلد وتبادل الأخبار باشرت في طرح الفكرة وقلت مستعرضاً واقعنا نحن المعاقين والحرمان الذي طالنا أسوة بكل العراقيين وأن قضيتنا تتطلب النهوض بها والمناداة بحقوقنا ونحن أولى بها والأقدر على شرح أبعادها الإنسانية والوطنية وقلت لهم أخوتي نحن ربع العراق ونحن أكبر حزب فيه ( طبعاً بعد الشهداء وعائلاتهم ) فقالوا وكيف ذلك ؟؟ قلت أن عددنا يقدر بنحو مليون معاق ولو كان كل معاق لديه أربعة أطفال أو أخوة في أقل تقدير سوف يكون المجموع خمسة مليون إنسان عراقي ولن يأتي حاكم جديد إلا ويأخذ بنظر الاعتبار كسب ود هذه الملايين وأن قضيتنا يجب أن تتصدر المشهد قبل أن يتم تغيبها من القادمين الجدد للحكم في العراق في زحمة تقاسمهم للسلطة والكعكة العراقية الشهية ، كما قلت لهم نحن ضحايا حروب ومن حقنا على البلد ومن يحكمه أن يتم أنصافنا ومن خيرات العراق وليس منة من أحد أو مكرمة من قائد ..
 
هنا أجد لزاماً علي أن أقول بان ما طرحته وجد تجاوباً من البعض وتخوفاً وإحباطا لدى الآخرين الذين قالوا ومن أين لنا الإمكانيات والقدرات للنهوض بهذه القضية الكبيرة وتوقعوا لنا الفشل من أول خطوة مع تفهمهم للفكرة لكنهم لن يشاركون المشي في هذا المشوار حتى تتضح الصورة ، وبعد حوار معمق ومكثف بين الجميع اتفقنا على تأسيس جمعية إنسانية اجتماعية بعيدة كل البعد عن الحزبية والقومية والمذهبية وكل شعارات الأحزاب والقوى السياسية وأن يكون كفاحنا ونضالنا من أجل نيل حقوقنا بالوسائل السلمية والمتاحة لنا من خلال طاقاتنا وقدراتنا التي تضمها الكراسي المتحركة والعكاز وكل أنواع الإعاقة الأخرى وأطلقنا عليها اسماً مؤقتاً هو ( جمعية ضحايا الحرب )
 
كان هذا اليوم الرائع والذي لن أنساه ولن ينساه معاقي العراق هو يوم 12 / 4 / 2003 ليكون لنا عيداً نحتفل به حيث انطلقت مسيرة الألف ميل والتي بدأت بخطوة قد تحملها الكراسي والعكازات لكنها خطوة تحمل إرادة وتصميم وروح إنسان ...
 
وكان السؤال من أين نبدأ؟؟
 
بعد أن تعبنا من النقاش أقامت لنا الحاجة أم صديقنا خالد جبر وليمة من الطعام العراقي اللذيذ وأذكر انه كان سمك ورز وما لذ وطاب اتفقنا على ما يلي :ـ
ـ غداً نتوجه إلى منطقة اليرموك حيث هناك مركز خاص بتأهيل المعاقين يحمل أسم مركز عكرمة لتأهيل المعاقين لكي يكون منطلقاً لدعوتنا الإنسانية .
 
هنا اسمحوا لي أن أستعرض سريعاً ماذا يعني مركز التأهيل والى من يتبع ومن هي الجهة التي كانت مسئولة عنا أيام النظام السابق ...
 
أثناء الحرب العراقية الإيرانية تم تشكيل هيئة عسكرية طبية سميت بـــ ( هيئة رعاية مقاتلي  القادسية  ) كانت تضم كل معاق ينال درجة إعاقة وعجز يسمح له بالانضمام للهيئة وهنا السؤال هل كل معاقي وجرحى الحرب منتسبين للهيئة الجواب
كلا ذلك لأن الهيئة تضم فقط ممن يملكون تقريراً طبياً يصف إعاقته إعاقة كاملة أو جزئية ومن ممن درجة إعاقتهم 60 % بالمائة فما أكثر أما كل جرحى المعارك ممن لا ينال هذه الدرجة فلن يتم ضمه للهيئة وإنما يسمى جريح حرب وله راتب تقاعدي أقل من راتب المعاق ولا يتم شموله ببقية الحقوق للمعاقين .
 
ما هي الحقوق التي ينالها المعاق
 
حسب القانون كان له راتب تقاعدي مع منحه قطعة أرض وسيارة ( والتي ألغيت في 1988 ) طبعاً هذه الحقوق تنالها بعد مسيرة حافلة بين الدوائر الرسمية وخصوصاً بعد عام 1986م وقد طال أمد الحرب ..
 
كانت للهيئة مراكز تاهيلية يتم فيها تأهيل المعاقين من الناحية الطبية وتعليمهم بعض الحرف التي تتلأئم مع طبيعة إعاقتهم  ، هذه المراكز التاهيلية هي بالحقيقة كانت تسمى مراكز الشباب الرياضية وكنا نمارس فيها الألعاب الرياضية قبل الحرب .
 
كما للهيئة مستشفى خاص هو مستشفى أبن القف للعلاج والتأهيل وهو يخص المعاقين بشلل الأطراف السفلى وكذلك في نفس بناية الهيئة ( والتي تقع في منطقة الكرادة قريبة من شارع أبو نؤاس ) كان هناك طابقين يرقد فيهما المعاقين بالشلل والذين لا يوجد من يعيلهم أو حالتهم الصحية حرجة ويصعب إخراجهم للبيت
طبعاً كذلك لللهيئة معمل للأطراف الصناعية والمسمى معمل بغداد للأطراف الصناعية وبعض الورش الخاصة بتصليح الطرف الصناعي والذي له عمر زمني محدد لا يتم أستبداله قبل إنقضاء المدة حاله حال الكراسي المتحركة وغيرها من مستلزمات طبية مساعدة لحركة المعاق ...
 
أما عدد المراكز التاهيلية فهو أحد عشر مركزاً تاهيلياً في عموم العراق كله وكان هناك من المعاقين في عدة محافظات يتوجهون إلى مركز واحد محدد له مثلاً معاقي ديالى كانوا يتوجهون إلى بغداد لعدم وجود مركز خاص بهم في محافظتهم كلها وهكذا ولكم أن تتصور حجم المعاناة الإنسانية للمعاق وأهله ......
 
كذلك كانت الهيئة تشرف على منطقتين سكنيتين الأولى أسمها مدينة الذرى في البياع والثانية مدينة الشموخ في الزعفرانية وكانت كل مدينة تضم 155 بيتاً مجهزاً للمعاقين الذين يقطنون تلك البيوت ( طبعاً تم الاستفادة من هذه المدينتين إعلامياً بشكل كبير حتى يخيل للغريب عن البلد والقضية بأنها تضم كل المعاقين والحقيقة عكس ذلك تماماً وللعلم فان بيوت هاتين المدينتين ليست ملكاً صرف للمعاق بل في حال وفاة المعاق يتم إخراج عائلته من الدار )
 
هذه الهيئة تم تغير أسمها بعد ذلك بسبب الحروب المتعددة والغزوات المتعاقبة إلى ( هيئة رعاية معوقي الحرب ) كان للهيئة جهوداً كريمة وخصوصاً من قبل الأطباء والكوادر الخيرة وأيضاً كانت هناك أخطاء جسيمة أضرت بمجمل عملها الإنساني ، كما أن الهيئة تابعة بموجب القانون إلى ديوان الرئاسة وليس إلى وزارة الدفاع أو الصحة لذا تجد بان أعضاء الهيئة ورئيسها يتم تعينهم بأمر ديواني وله كل الحقوق التي ينالها موظفو الرئاسة بينما المعاق المنتسب للهيئة لا ينال تلك الحقوق ...
وألان السؤال المهم كم عدد المعاقين المنتسبين للهيئة رسمياً ؟؟؟؟؟؟
 
43.600 ألف معاق فقط هو عدد المعاقين المنتسبين للهيئة وسؤالي هو هل هذا الرقم يتطابق مع الواقع الذي عشناه كلنا كعراقيين نعرف بان المعاقين أعدادهم فاقت المليون معاق ؟؟
 
بالمناسبة الهيئة ومن أسمها غير معنية بالمعاقين المدنيين والذين تشرف عليهم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ( طبعاً من يستحق راتب تقاعدي تجد راتبه أقل من معوق الحرب بكثير ) أي أن هناك طبقات وفئات داخل الفئة الاجتماعية الواحدة في العراق وهذا ما كان احد أسباب النقمة والنفور والتباغض بين تلك الفئات الاجتماعية والوظيفية والكل يعلم عن حقيقة هذه الأمور في البلد الواحد ولا داعي لشرحها تفصيلياً ...
 
أعود إلى أصحابي وإخواني المعاقين الذين توجهنا معهم سوية  إلى منطقة اليرموك حيث مركز عكرمة لتأهيل المعاقين .  
 
والأمل يحدونا في وضع اللبنة الأولى لتحقيق وبناء الحلم الذي يراودنا وهو تأسيس جمعيتنا المعبرة عنا وان ننال حقوقنا كاملة وأن نحيى حياة كريمة وتغير الصورة النمطية عنا لدى الكثير من أبناء المجتمع العراقي ؟؟؟
 
ولكن ماذا وجدنا في مركز عكرمة للمعاقين في منطقة اليرموك البغدادية وهو ما لم يكن بالحسبان ؟؟؟ ...
 وللحديث بقية أن كان بالعمر بقية بإذن رب البرية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

865 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع