بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو
عزيزي القارئ
لو : زُرعت وما حصدت ، ولغوياً هي اداة شرط تستعمل في الأمتناع او في غير الإمكان ، مثلاً : لو كنت غنياً لساعدت الفقراء ، وهي ايضاً حرف للتمني ، لو تحضر فتفرحني .. الخ ، هنا نستخدم لو في الأمتناع وغير الإمكان ، فرغم استحالة هذه الـ ( لو )، لكن الكاتب ينبغي ان يكون له حرية مطلقة في التعبير عن رأيه وأن يكون له حق التعبير عن الأفكار بصوت عال ، وهذه نعمة نتمتع بها في دنيا الخيال ونعلن عنها عبر المواقع وهذا جل ما نستطيع فعله ، وربما يحقق هذا المقال فائدة لأصحاب القرار الذين يؤهلهم انتماؤهم الديني تبوأ هذا المنصب ، فسوف لن يخسروا شيئاً إن صرفوا دقائق معدودة لقراءة الموضوع .
وهكذا عزيزي القارئ رغم قناعتي وقناعتك باستحالة ذلك ، لكن ماذا يضرك لو امهلتني قليلاً لأعرب لك عمّا يجول في خاطري من امنيات لو تحققت هذه الـ ( الو ) المستحيلة ، وإن خلت المسألة من الضرر ، فما هو المانع من تسجيل هذه الأفكار على هذا الورق الأبيض ، وقد يستفيد منه او من بعضه من هو مؤهل لنيل هذه الوظيفة السامية ، في بلدنا العزيز الذي تحولنا فيه الى مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة ، وهذا البلد الذي نحمل جنسيته يبدو اليوم ممزقاً ، وعلى مدار زمني يقارب قرن من السنين لم يتطور ، فقد نشأ ممزقاً واستمر على حاله الى اليوم ، إن لم يكن أسوأ حالاً .
في بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة وتوحيده بعد ان كان يشكل ثلاث ولايات مستقلة تابعة الى الباب العالي في الدولة العثمانية ، وبعد ان ساعدنا الأنكليز في توحيد الولايات الثلاث ، الموصل وبغداد والبصرة ، وفي تأسيس هذه الدولة العراقية الحديثة ، فقد كتب المرحوم الملك فيصل الأول الذي حكم في سنين ( 1921 ـ 1933 ) عن معاناته والصعوبات التي اعترت سبيل تكوين تلك الدولة ، لا سيما في تخطي الصعوبات الناجمة عن العوامل الذاتية ، فكتب في مذكرة سرية له يقول فيها <حنا بطاطو " العراق " ج1 ، ص44 ، ط1 ، ترجمة د. عفيف الرزاز ، ايران ، منشورات فرصاد ، قم 2005 م > .
يكتب :
أقول وقلبي ملآن أسى ، إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية ، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى ، مستعدون دائماً للإنتفاض على اي حكومة كانت ، نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه ، وندربه ، ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف ، يجب ان يعلم ايضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل .
اجل كتب ذلك في وقت تأسيس الدولة العراقية حيث كانت الحكومة ضعيفة ففي سنة 1933 إذ كانت الحكومة تملك 15 ألف بندقية بينما كان الشعب يملك اكثر من 100 الف بندقية ، ولهذا سعى الملك فيصل الأول الى تأسيس جيش قوي يتمكن من بسط الأمن والأستقرار في ربوع الوطن كما انتبه الى مشكلتين رئيسيتين وهي وضع الشيعة ووضع الأكراد ، ففي شأن المكون الشيعي ، كان يجري تداول مقولة مفادها ( المصدر السابق نفسه ) :
الضرائب للشيعة ، والموت للشيعة ، والمناصب للسنة ، فقد بادر الملك فيصل الأول على فتح الأبواب امام الشيعة لتسلم المناصب ويشغلوا الوظائف ، كما حرص على ان يتسلم الأكراد على حصة ملائمة من التعيينات ، ولا ننسى ان اول وزير مالية في الدولة العراقية كان يهودي ، وكان هنالك ايضاً وزير مسيحي ، وبشكل عام كان هنالك صفحة واضحة لأنصاف كل المكونات العراقية بقدر كبير من العدالة والمساواة .
اليوم ونحن نقترب من عتبة القرن الكامل من السنين على ذلك التأسيس الصعب ، وننظر الى اليوم بأدوات اليوم ، فنتعمد النظر من الأعلى الى الأسفل ،سنجد قاعدة شعبية اكثر تمزقاً ، في هذه القاعدة الشعبية جميعها تتكلم عن وحدة الصف ، لكن في الواقع لا احد يلتزم بتلك الوحدة ، الخلافات القائمة هي خلافات طائفية ودينية ثأرية ، انها صراعات دموية بكل المقاييس ، يجري على ارض الواقع فصل طائفي وعنصري ، الكل ينأى بنفسه من هذا الواقع ، لكن الكل يساهم بهذا الصراع ، في عراق اليوم إما انت قاتل او مقتول وفي حالة افضل إما مشرد او مهاجر او خائف مرتعد لا تنام ليلاً لأنك لا تؤمن على حياتك في الوصول الى عملك او في العودة منه سالماً . وأنت في هذا الطريق ترتفع امامك الأسوار الكونكريتية لتعزل هذه المنطقة في هذه المدينة العراقية عن المنطقة المجاورة لها المنطقة ، او لكي تحمي هذه الدائرة الحكومية من القصف ، وكأننا في ساحة المعركة حيث المواضع والأسوار الأسمنتية للحماية من العدو المتربص .
هذا هو الواقع حين النظر من الأعلى نحو الأسفل ، ولكن ماذا لو نظرنا من الأسفل نحو الأعلى ، اي من قاع الوطن ومن واقع اليومي للمواطن ويمعن النظر نحو الأعلى حيث الطبقة السياسية الحاكمة ، وهذه الطبقة كانت قد افرزتها الطبقة المعارضة لحكم صدام ، التي استطاعت ان تقنع اميركا بضرورة إسقاط حكم صدام ، ولتشكل هي ( المعارضة العراقية ) بديلاً ديمقراطياً لنظامه الدكتاتوري ، وفعلاً اسقطت اميركا وحلفائها حكم صدام وسلمت الحكم بطبق من ذهب الى المعارضة التي كان قد خيم عليها في نهاية الأمر النوازع الطائفية والمذهبية والقومية والدينية ، وأصبح الوطن العراقي في خبر كان ، وفي احسن الأحوال في المرتبة الثانية ، بعد الأنتماءات الطائفية .
قد يكون من البديهي ان تحدث هذه الحالة ، فإذا طرحنا من المعادلة المعارضة من المكون الكوردي التي كانت في اقليم كوردستان ، فإن فصائل المعارضة الأخرى ، قبل سقوط حكم صدام حسين ، كانت بحماية الدول المجاورة ، وديمومتها كانت بتمويل من هذه الدول والتي يمكن تشخيصها بدون عناء وهي سورية وأيران والسعودية وتركيا ودول الخليج ، هذا اضافة الى اميركا والدول الأوروبية التي كان دعمها لكل الجهات دون تمييز ، فمثلاً ايران كانت تدعم المعارضة من المكون الشيعي ، والسعودية والخليج يدعمون
التوجه العروبي مع الوقوف مع المعارضة من المكون السني ، وهكذا يمكن الزعم ان معارضة الأمس اي حكام اليوم طفقوا يوفون او يدفعون جزء من الدين الذي بذمتهم .
استمر ولاء كل فئة الى الجهة او الدولة الداعمة لها ايام المعارضة ، واصبحت الطبقة السياسية الحاكمة في العراق تتحرك في الساحة السياسية العراقية وفق من تمليه عليها واجب الإخلاص للدولة صاحبة الفضل ايام المعارضة ، هكذا اصبحت الساحة العراقية ساحة الصراع بين مصلحة الأجانب ، ولا تمليها مصلحة العراق العليا ، فكان الترااشق السياسي بين التيارات بإيعاز من دول الجوار ، وتكون هذه التيارات بمثابة بيادق الشطرنج يحركها الجيران حسب مصالحهم ،هكذا اصبح العراق بمنأى عن النجاح والتقدم واكتسب مناعة ضد الآستقرار والتعايش والرخاء والهدوء والسلم المجتمعي .
وبعد السرد الممل لهذا الواقع المزري علينا التفكير ملياً للخروج منه ، ويبدو لأولة وهلة انه من المستحيل تخطيه ، لقد مرت الشعوب بتجارب مريرة مماثلة لكنها في نهاية المطاف استطاعت تخطي تلك المصاعب والعبور نحو مرافي السلام والتقدم ويمكن بهذا الصدد ان نتصدى لمختلف النواحي التي تسبب هذا الواقع المرير وفيما يلي من السطور نحاول ان نسلط الأضواء على تلك النقاط مع وضع المعالجات لتلك الأمراض وحسب رأينا المتواضع .
اولاً : ـ
لا شك ان الأرهاب يعتبر المعضلة الأولى التي تحول دون استقرار الأوضاع في العراق وفي دول عديدة اخرى . وفي الحقيقة فإن العمليات الإرهابية ، ولا نقول الإرهاب ، لأن العمليات الأرهابية في العراق توجه اصابع الأتهام نحو القوى الأسلامية السلفية وضد البعثيين وضد قوى سياسية مشتركة في العملية السياسية ، وحينما تتشابك وتتراشق التيارات السياسية في العراق نلاحظ اشتداد وتيرة العمليات الإرهابية منها تفجير السيارات المفخخة او بواسطة الأحزمة الناسفة او بزرع عبوات ناسفة او الأغتيال بواسطة الأسلحة المكتومة الصوت ، هكذا تتغير الأساليب والنتيجة واحدة . كل ذلك ناجم من تفاقم الخلافات السياسية بين القوى التي تعتبر نفسها ممثلة للشعب لأنها تعتلي الكرسي عن طريق الأنتخابات الديمقراطية ، ونحن نتساءل هنا هل ان اللجوء الى العمليات الأرهابية هو جزء من تلك الديمقراطية ؟
الواضح على الساحة العراقية عمليات الأنتقام الطائفي ، منه الأنتقام من اتباع الأديان غير الإسلامية كالمسيحيين والصابئة المندائيين والإزيدية ، وثمة صراع طائفي محتدم آخر بين الإسلام انفسهم وهو بين السنة والشيعة ، ويصل هذا الصراع الى درجة تفجير مجالس العزاء لهذا الطرف او ذاك وتفجير الأماكن المكتضة بالسكان للسنة او للشيعة بغض النظر عمن يكون هؤلاء الضحايا .
وهنالك العمل الإرهابي الذي يكفر الجميع ولا يميز بين دين او مذهب .
إذن هنا نحن امام معضلة كبيرة ينبغي وضع الحلول المناسبة لها ، لكي نخلق اوضاعاً طبيعية يعيش المواطنون بشكل آمن وسليم ، وهذا ما يحث العراقيين المغتربين الى العودة كما ينعش السياحة الى العراق ، وأهم ن كل ذلك فإن الأوضاع المستقرة تجذب أصحاب رؤوس الأموال والشركات للقدوم
والمنافسة لإقامة مشاريع إعمارية واستثمارية في العراق وكما هو حاصل في اقليم كوردستان الذي تتنافس الشركات للعمل في ربوعه ويشهد حركة متميزة من التنمية والبناء والتعمير .
د. حبيب تومي ـ القوش في 10 ـ 11 ـ 2013
يليها الجزء الثاني
951 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع