( عمرو بن العاص داهية من دواهي العرب ) الجزء الاول

                                            

                                              عبد القادر أبو عيسى


شعار المقال : من لا يعرف ماضيه لا يعرف حاضره
المقدمة

يقال أن التاريخ أبو العلوم . وهذا قول صحيح , حكماء العالم يقولون نحن نقرأ التاريخ حتى نفهمه ونبني على ايجابياته ونتجنب سلبياته ونعرف أخطائه حتى لانكررها . لكن مع الاسف هناك بعض الناس من يتغافل عن ايجابيات التاريخ ويبني على سلبياته ويضيف عليها ويطورها وكأنها الاصل في كل شيئ .
حاولت ان ابتعد عن السياسة في الكتابة عن بعض الشخصيات التاريخية لأريح نفسي وأريح القارئ , لكن هيهات لم افلح في مغادرة بحر السياسة . التاريخ سياسة والاقتصاد سياسة والجغرافية سياسة والفن سياسة  والسياسة سياسة
وأنا أدرس سيرة عمرو أبن العاص لكتابة مقال . تطرق ذهني يد خفية مخيفة تهزني وتهز كياني . تنبئني عن عضمة الاسلام والمسلمين الأوائل وكيف كانوا يتعاملون مع الآخرين بلا خوف أو وجل أو حقد . ممن كانوا يغالون في العداوة لهم . رجال يثيرون العجب العجاب . عندما أقارنهم بالحاضر أشعر بالخجل وأكاد لا أصدق .
وها هو عمرو ابن العاص وكيف كان مع الاسلام والمسلمين وكيف تعاملوا معه..؟ وأتذكر هند عندما دخلت الاسلام لم تُسأل ولم تطرد , وهي من أكل كبد الحمزة عم الرسول صل الله عليه وسلم , أنتقاماً .
دهاة العرب أربعة .
معاوية أبن ابي سفيان , و زياد , والمغيرة ابن شعبة , وعمرو بن العاص . فأما معاوية فللحلم والأناة , وأما زياد فللكبير والصغير , ومغيرة للمبادهة , وأما عمر فللمعضلات .
كان عمل عمر الرئيسي جزاراً في مكة عمل يرتزق منه . وكان يمارس التجارة ايظاً , فكان يصحب أباه الى الشام كما انه سافر الى اليمن والحبشة وزار مصر في الجاهلية فتكونت لديه نتيجة اسفاره تجارب أكسبته ثقافة وحكمة وعلمته الصبر وسعة الخيال وصداقات ساهمت في تكوين شخصيته . تأخر عمر في دخول الاسلام بل كان في بادئ أمره ( من الغلاة المعتدّين ) متأسياً بأبيه وائل . وهذا ما نأكد عليه وكيف كان ذا شأن كبير بعد دخوله الاسلام بالرغم ممن كان من هو أقدم منه ومن صحابة رسول الله ( ص ) فكيف كانت ثقة المسلمين به .
ولد عمرو بن العاص قبل الهجرة بنحو 44 سنة أي سنة 580 ميلادية . وهو تاريخ مختلف عليه أدركه الاسلام وهو في الثلاثينات من عمره ولم يسلم حتى جاوز الخمسين . فلما أسلم كان قويِّ الايمان حتى قال فيه الرسول عليه السلام ( أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص ) وأبوه العاص بن وائل أحد أشراف قريش في الجاهلية وزعيم بني سهم وقد أدرك الاسلام ولم يسلم . وهو الذي كان يقول لأصحابه من المشركين الذين عادوا الرسول الاكرم ( ص ) دعوه فأنه رجل أبتر لا عقب له بموته ينقطع ذكره . فأنزل الله في ذلك قوله ( أنا اعطيناك الكوثر فصلِّ لربك وأنحر إن شانئك هو الابتر ) وأمه ( سلمى بنت حرملة ) من بني عنزة كانت قد سبيت في إحدى الغزوات , فبيعت في سوق عكاض فاشتراها عدة اشخاص ثم انتهت الى العاص بن وائل فولدت له عمرو . وقد نشأ عمرو شاعراً معتزاً بنفسه وذكائه ولكن كان نسبهُ لأمهِ يؤرّقه . كان بنو سهم أحد بطون قريش العشرة التي انتهى اليها الشرف قبل الاسلام ومنها ( هاشم وأمية وسهم ) فكان بنو سهم أصحاب الفصل يحتكم الناس أليهم فيما يقع بينهم من خصومات أو خلاف . وهذا يعني أنهم كانوا أصحاب رأي وحلم ودهاء . بعد وقعة الخندق جمع عمرو بعض اصحابه وقال لهم – أني لأرى أمرَ محمد يعلو. وأني أرى الذهاب الى الحبشة أسلم من بقائنا في مكة . نكون عند النجاشي وتحت أمره أحب ألينا من ان نكون تحت أمر محمد . فأن ظهر قومنا فلا يكون الاخيراً . فوافقوه وجمعوا الهدايا التي سيقدمونها للنجاشي ملك الحبشة , فلما وصلوا الحبشة كان ( عمرو بن أمية الضمري قد جائها مبعوثاً من قبل رسول الله ) فقال عمرو بن العاص لأصحابه : لو دخلت على الملك وسألته أن يعطيني هذا الرجل لأضرب عنقه لعلا قدري في عين قبيلتي وقبائل العرب فدخل على النجاشي , وقدم له الهدايا فرحب به وأجلسه بجانبه كضيف عزيز . بعد الترحيب قال عمرو للنجاشي – رأيت رجلا كان عندك وهو رسول رجل عدو لنا , فأعطينيه لأقتله فأنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا . فبدا الغضب عل ملك الحبشة وقال – أتسألني مبعوث رجلا ياتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى . !
فتساءل عمرو مرتاعاً ومندهشاً – أكذلك هو.. ؟ فرد عليه النجاشي .. ويلك ياعمرو أطعني واتبعه . فأنه والله لعلى الحق وَليَظهرَنَّ على من خالفه , كما ظهرَ موسى على فرعون وجنوده . ويتابع عمرو بن العاص رواية ما حدث له في ذلك اليوم ... فيقول :- ثم بسط النجاشي يده على الاسلام وخرجت ألى اصحابي , وقد حال رأي عما كان عليه , وكتمت أصحابي أسلامي . ثم خرجت عامداً رسول الله ( ص ) لأسلم ( فصادفت خالد بن الوليد وهو مقبلٌ من مكة ) . فقلت له .. أين يا أبى سليمان ؟ فقال خالد .. والله لقد ظهر العدل وبانت الحقيقة وأن محمد لنبي . أذهب رعاك الله وأسلم . . فحتى متى تكابر وتأخذك العزة بالأثم . ؟ . فرد عليه عمرو بن العاص قائلاً .. والله ما جئت الا لأُسلم . وصل الى المدينة وطلب الأذن بالدخول على رسول الله ( ص ) فطلبه الرسول مرحباً به .. فقال للرسول محمد ( ص ) جئت أبايعك يارسول الله فأبسط يدك فبسط الرسول يده .. لكن عمر تردد و قبض يده .. فقال له الرسول .. مالك ياعمر .. ؟ فرد عمر قائلاً .. أردت أن أشترط .. فقال له الرسول ( ص ) تشترط ماذى ياعمرو . ؟
أشترط أن يُغفَرلي ..!
فقال النبي صل الله عليه وسلّم :
أما علمت ياعمرو . أن الاسلام يهدم ما كان قبله ’ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ’ وأن الحج يهدم ما كان قبله ..؟
وقد أسلم عمرو بعد تفكير طويل فكان اسلامه عن قناعة وايمان تام .
سأل عمرو عن السبب الذي ابطأئه عن دخوله الاسلام . فأجاب – نحن كنا مع قوم توازي احلامهم الجبال . فلما بعث النبي فأنكروا عليه . لُذنا بهم . فلما ذهبوا وصار الامر إلينا . نظرنا وتدبّرنا, فأذا هو حق بيّن , فوقع في قلبي الاسلام .
وهنا تكمن عظمة المسلمين الاوائل وكيف تعاملوا مع من دخل الاسلام في كل النواحي والجوانب الذاتية والموضوعية . مثل الماضي الشخصي والرأيا النافذه في تقيّم الحاضر والمستقبل وتشخيص المواهب والقدرات وتوضيفها بالشكل الصحيح ووضع ( الشخص المناسب في المكان المناسب ) فقدّروا عمرو بن العاص حق قدره , لما يتّصف به من خصال تتجلّى في صدق الأيمان والشجاعة والمبادرة والذكاء والدهاء . ففوضوه للمهمات الصعبة . فأصابوا على ماذهبوا أليه .
الى هنا نكتفي بهذا الجزئ على أمل الاستمرار في كتابة بقية الاجزاء تباعاً
شكراً لتفظلكم بقراءة المقال.
عبد القادر ابو عيسى : 11 / 11 / 2013

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع