د.عبدالقادر محمد القيسي
تمثل الأخلاق ضرورة لا محيد عنها بالنسبة للمحامي سواء تعلق الأمر بحياته الخاصة خارج أطر المهنة أو في معاملاته داخل أطر المحاماة ويتبين ذلك في فقرتين :
الأولى : الأخلاق ضرورة للمحامي خارج أطر المهنة:
إن المحامي في جميع بلدان العالم يجب أن يتحلى بصفات أخلاقية فاضلة حتى عندما ينزع ثوب المحاماة ويمارس حياته الخاصّة. من ذلك أن المادة 108 من قانون المحاماة النافذ قد جاءت محذرة المحامي من مغبّة الاستهتار بالأخلاق أو الحياد عنها فقد نصت على أنه( كل محامي اخل بواجب من واجبات المحاماة أو تصرف تصرفا يحط من قدرها أو قام بعمل يمس كرامة المحامين أو خالف حكما من أحكام هذا القانون يحاكم تأديبيا) فسلوك المحامي في حياته اليومية يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن الشبهات أو المآخذ فكل فرد في هذه المهنة هو سفير لدى حصن الدفاع وهو الفاضل المعلم الذي يجب أن يرنو بنفسه عن كل ما من شأنه أن يمسّ بهيبة المحاماة وجلالها، والملاحظ أن عبارات المشرّع العراقي جاءت عامّة فلم تحدّد المقصود بعبارة (تصرف تصرفا يحط من قدرها) ولكن الأكيد أن المحامي يجب أن يتحلى بالأخلاق التي يرتضيها مجتمعه فلا يمارس ما ينافي الأخلاق ولا يتلفظ بما يشين ولا يرتدي لباسا غير محترم يهز من مكانته.
ان هيئة المحامين ببلجيكا وكذلك هيئة المحامين بباريس قد اعتبرت أن المحامي الذي ارتكب حادث سير وهو في حالة سكر ويتعمّد الهروب للتقصي من المسؤولية قد أخل بواجباته ويستوجب إيقافه عن العمل.
الثانية: الأخلاق ضرورة للمحامي داخل أطر المهنة:
إن المحامي عند خوضه غمار تجربته المهنية يكون محاطا بالكثير من العلاقات والمعاملات التي تفرض عليه انتهاج سلوك فاضل وأخلاق عالية. فالأخلاق هي نبراس المعاملات بين المحامي وزملائه.
إن الأخلاق والتضامن والتكافل هي المبادئ التي يجب أن تسود علاقة المحامي بزملائه وتجدر الإشارة إلى أن المحاماة في العراق لم تكتسحها التجمعات المهنية ولا الاتحادات أو الشركات العالمية فالعلاقات بين المحامين ظلت علاقات شخصيّة والاحتكاك بينهم ظل يوميا وذلك على عكس الولايات المتحدة التي اكتسحتها التجمعات المهنية للمحامين والشركات العالمية للاستشارات القانونية مما جعل التعارف والتعامل الشخصي بين المحامين شبه غائب. لهذا السبب تحديدا فإن المعايير الأخلاقية تختلف بين بلدنا والبلدان الاخرة، في العراق وعلى المستوى القانوني لم يحدّد القانون المنظم لمهنتنا بدقة الواجبات المحمولة على المحامي تجاه زملائهم ولكنه تعرّض إلى واجب الزمالة صلب المادة51 التي نصت على أنه:
(على المحامي أن يلتزم في معاملة زملائه بما تقضي به قواعد اللياقة وتقاليد المحاماة وآدابها) .
أما على مستوى الأعراف المهنية فإن من واجبات الزمالة أن لا يقدح المحامي في زميله وأن لا يشكك في قدراته المهنية والصناعية أو في أخلاقه، وهذا ما تضمنته قواعد السلوك المهني لعام 1987 في البند خامسا التي نصت على:
(التزامات المحامي تجاه زملائه:
على المحامي أن يلتزم في معاملة زملائه بما تقتضي به قواعد اللياقة وتقاليد المحاماة وآدابها وواجب الزمالة وفق ما يلي :
1-لا يجوز أن تؤثر الضغائن بين الموكلين على سلوك المحامين وعلاقاتهم مع بعضهم مع البعض أو مع الخصوم، وان يتجنبوا التعرض للأمور الشخصية أو التهجم الشخصي أو المساجلة أو الجدل غير القانوني فيما بينهم والابتعاد عن الألفاظ غير اللائقة .
2-يجب أن تسود روح التعاون والزمالة بين المحامين أثناء المرافعات أو عند تبادل اللوائح أو الإجراءات التي تتطلبها الدعوى من اجل تسهيل سير المرافعة وسرعة الحسم وعلى كل محام أن يذكر اسم وكيل خصم موكله على الأوراق التي يقدمها إلى المحكمة وان يبلغ نسخا منها إلى وكيل الخصم إذا لم يكن مبلغا بها .
3-لا يجوز للمحامي أن يطلب تأجيل لدعوى إلا لسبب مشروع وفي هذه الحالة يترتب عليه إشعار وكيل الخصم مسبقاً وبوقت كاف بذلك كي لا يفاجئ بطلب التأجيل أثناء المرافعة .
4-المنافسة غير مشروعة بين المحامين مرفوضة مهنياً وأدبيا وعليه لا يجوز المحامي التوكل عن الأشخاص الذين لهم وكلاء من المحامين أو إبداء المشورة القانونية لهم ولكن له أن ينظم إلى زميله في الدعوى إذا وافق على ذلك خطياً أو استقال أو عزل منها وفي كل الأحوال لا يجوز للمحامي أن يسيء إلى سمعة زميله العلمية أو المهنية أمام الخصوم) 0
كما أن على المحامي الذي توفرت فيه الشروط القانونية قبول الواردين الجدد على المهنة في مكتبه وتمرينهم ونصحهم وإرشادهم ذلك أن المحامي لا بدّ أن يفيد غيره بخبراته ونصائحه ويسلم هذا المشعل الوقاد، مشعل الحق إلى المحامين الشبان حتى يوفوا بالعهد كما يجب ويسيروا على نفس درب العدل والنجاح.
فكيفما درّب المحامي تلميذه، ستكون محاماتنا غدا، والأستاذ المشرف على التدريب يجب أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة تجاه المحامي المتمرّن فلا يسيء معاملته أو يستغله لحسابه الخاص كما أن للمحامي المتمرّن واجب أخلاقي تجاه الأستاذ المشرف وهي نفس الواجبات المحمولة على الإنسان اتجاه معلمه.
الأخلاق في علاقة المحامي بالسلطة القضائية والعمومية:
وإن اختلفت المهام بين المحامي والسلطة القضائية والعمومية فإن كل منهم يحاول من موقعه تحقيق العدالة الاجتماعية لذلك فإن العلاقة بين الدفاع والقضاء أو الإدارة لا يمكن أن يشوبها التنافس أو التحدّي.
فالمحامي يجب أن يتبع القواعد الأخلاقية وأن يلزم سلوكا لائقا اتجاه القضاة، رجال الشرطة وغيرهم من الأعوان العموميين.
هذا المبدأ هو نقطة مشتركة أخرى بين المحامي العراقي والمحامي في البلدان الاخرى ففي العراق، يحمل القسم الذي يؤدّيه المحامي واجب احترام المحاكم والسلطة العمومية والمادة 50 من قانون المحاماة النافذ التي نصت على (على المحامي أن يسلك تجاه القضاء مسلكا محترما ما يتفق وكرامة القضاء وان يتجنب كل ما يؤخر حسم الدعوى وان يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة ) والبند رابعا من قواعد السلوك المهني أيضا أكدت على هذا الواجب حيث نصت (واجبات المحامي اتجاه القضاء:
على المحامي أن يسلك تجاه القضاء مسلكا يتفق وكرامه القاضي ومركزه وهيبته وان يبتعد عن كل ما يخل بذلك أو بسير العدالة أو يؤخر حسم الدعوى .
إن استقلال القائم على الاحترام الذاتي المتبادل في ممارسة الواجب المهني لكل من القاضي أو المحامي ودورهما في تحقيق العدالة للمتداعيين هو الأساس الوحيد للتعاون بين القضاء والمحاماة وعلى هذا الأساس يجب على المحامي مراعاة ما يلي:
1- تحاشي الاتصال بالقاضي أو مناقشته على انفراد خارج نطاق المحكمة بشأن قضية معروضة أمامه، وان يتحاشى إحراج القاضي بكل ما يؤدي إساءة فهم الدوافع الحقيقية من قبل الخصوم خشية أن تفسر ضد مبدأ حياد القضاء .
2- السعي لحل خلافه المهني مع القاضي بالطرق الودية وفي حالة عدم التوصل لذلك فعلى المحامي رفع الأمر إلى النقيب .)
وهذا الواجب هو واجب أخلاقي قبل أن يكون واجب يفرضه القانون ضمن الفصول المنظمة لمهنة المحاماة.
القضاة هم الساهرون على تحقيق العدل، ومعهم الكادر التحقيقي من الشرطة أو الإدارة هم السلطة التنفيذية التي تطبّق العدالة، فجميعهم بالتالي دعاة للخير والحق ومن الواجبات الأخلاقية على المحامي مساعدتهم في أعمالهم ولكن أيضا احترامهم لأنهم يمثلون العدالة وهي قيمة اجتماعية وأخلاقية لا يجوز الاستهتار بها. ومن أوجه السلوك الأخلاقي الذي يجب أن يتحلى به المحامي هو أداؤه لزيارة مجاملة لرؤساء المحاكم والدوائر عندما يترافع أمامهم لأول مرّة وذلك للتعريف بنفسه ولإبداء استعداده للتعاون معهم لتحقيق العدل والسلام الاجتماعي، فالمحامي يجب أن يلتزم بالقوانين بما في ذلك القوانين الإجرائية والقواعد الخاصّة بكل محكمة، فاحترام المحاكم أو المؤسسات العمومية ليس رضوخا لأشخاص بعينهم أو انكسارا أمامهم إنما هو التزام أخلاقي تجاه ما يمثلونه للمجتمع من قيم سامية مثل العدالة والإنصاف والنظام.
الأخلاق في علاقة المحامي بموكله:
إن العلاقة بين المحامي وموكله هي الأصل علاقة بين مغيث ومستغيث فالموكل يلتجأ إلى المحامي للتغلب على إشكال قانوني قد يؤدي إلى المس من حرمته الجسدية أو ماله.
فموازين القوى ليست متعادلة مما يفرض على المحامي العديد من الواجبات الأخلاقية اتجاه موكله.
أوكد هذه الواجبات الأخلاقية هي:
أ- الحفاظ على السرّ المهني
ب- العمل بإخلاص وضمير وأمانة
ت- عدم نيابة المصالح المتضاربة
ث- وعدم المبالغة في تحديد الأجور
ج- والالتزام بتسليم الأموال إلى أصحابها.
أ- في الحفاظ على السرّ المهني أمام التطوّارات الاجتماعية والتقنية.
إن الحفاظ على السرّ المهني ليس فرضا قانونيا فقط وإنما هو أيضا التزام أخلاقي تجاه الموكل الذي وضع ثقته في المحامي وأسرّ إليه بأشياء يجهلها عنه كثيرون. فالقسم الذي يؤديه المحامي العراقي فيه تعهّد بالحفاظ على السرّ المهني وهو ما يرفع هذا الواجب الأخلاقي إلى مصاف العهود التي سيسأل عنها الله يوم الساعة، فإن هذا الواجب الأخلاقي ذا أولوية كبرى حيث تمّ صياغته ضمن النصوص القانونية مما أضفى عليه قوّة ردعية في صورة خرقه، والحفاظ على السرّ المهني جاء القانون العراقي في المادة 46/1 وكذلك وردت في البند اثنا عشر /1 في قواعد السلوك المهني0
ب- العمل بإخلاص وضمير وأمانة:
إن للمحامي التزام أخلاقي تجاه موكله بالعمل بإخلاص وضمير وأمانة ومراعاة مصالحه والسعي جديا لتحقيق أهدافه وهذا الالتزام الأخلاقي يختلف عن الواجبات المحمولة على المحامي في إتقان مهنته والتمكن من الملكات التقنية والصناعية التي تجعله كفأ لتمثيل موكله.
فالالتزام الأخلاقي يتمثل في العمل بإخلاص وتقديم النصح للموكل دون استغلال جهله للقانون وكذلك في الإيمان بأن الهدف الأسمى هو أن يكمل عمله ويقوم بواجبه بغض النظر عن النتيجة.
كما يجب على المحامي الأمانة والإخلاص لموكله والالتزام بالسعي لتحقيق أهدافه وقد تمّ صياغة هذه القاعدة السلوكية بصورة غير مباشرة في قانون المحاماة العراقي الذي نصّ في المادة (11) منه الذي يضمّ القسم على الشرف والأمانة.
وهذا ما أكدته المادة 43 من قانون المحاماة النافذ والتي نصت (على المحامي أن يدافع عن موكله بكل أمانة وإخلاص ويكون مسئولا في حالة تجاوزه حدود الوكالة أو خطئه الجسيم)
كذلك من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي أن لا ينوب المصالح المتضاربة وهذا ما أكدته المادة (44) من قانون المحاماة النافذ0
ت) عدم نيابة المصالح المتضاربة
إن الالتزام الأخلاقي للمحامي تجاه موكله يفرض عليه أن لا ينوب طرفي النزاع في وقت واحد أو أن يقدّم المساعدة لخصم موكله بأي شكل من الأشكال.
أن تواجد محامين تجمعهم مصالح مشتركة ضمن مكتب واحد قد يضرّ بمصالح الموكلين – الخصوم في القضية ويمسّ من شفافية المحامي تجاه موكله وقد يتأثر بوجود زميل له في نفس المكتب فيكون عمله في غير صالح موكله، ولكن هذه القاعدة القانونية هي قاعدة أخلاقية بالأساس ذلك أن اهتمام المحامي وتفكيره يجب أن ينصبّ على مساعدة موكله وليس على تحصيل الأموال والثراء، ولأن تعدّد المحامين في مكتب واحد قد يفتح المجال أمام إنابة المصالح المشتركة بدعوى أن كل محام له ملفات ومكتب خاص به قام المشرّع بالتأكيد ضمن فصل خاص على أن الواجب الأخلاقي المحمول على المحامي الذي يعمل بمفرده هو ذاته المحمول على المحامي الذي يعمل ضمن مكتب فيه محامين عديدين .
ث) عدم المبالغة في تحديد الأجور والالتزام بتسليم الأموال لأصحابها
إن الأجر الذي يتقاضاه المحامي عن الخدمات القانونية التي يقدّمها هي حق مكفول له قانونيا وشرعيا غير أن الواجب الأخلاقي للمحامي يحتم عليه عدم الإثراء على حساب المتقاضين وتقدير أتعابه بكل موضوعية، ذلك أن المحامي في تقديره لأتعابه عليه أن يراعي الحالة المادية لموكله، فالمحامي مهمته أن يجلب الحقوق لأصحابها لا أن يتقاسمها معهم. وقد نصّ القانون العراقي على وجوب مراعاة ظروف المتقاضي.
من ذلك أن المادة (71) من قانون المحاماة النافذ نصت علة ( 1- يقوم المحامي المنتدب عن المعسر بالدفاع عنه أمام القضاء مجانا وله أن يتقاضى من النقابة المصاريف التي أنفقها في سبيل أداء واجبه 2- على المحاكم التي ترافع المحامي أمامها أن تحكم له بأتعاب محاماة وللمحامي المنتدب الرجوع بهذه الأتعاب على موكله إذا ثبت يسره ولم يحصل عليها من خصمه، فإذا لم يحصل عليها من احدهما جاز له أن يطلب من لجنة المعونة القضائية أن تقدر له أتعاب مؤقتة تصرف له من النقابة على أن يردها إليها إذا استوفى أتعابه من موكله أو من خصمه) .
وفي ذلك دليل على أنه من الواجبات الأخلاقية المحمولة على المحامي أن يتعامل بإنسانية مع الموكل وأن ينتظر انفراج أزمته المادية حتى يطالب بأجره فهل يجوز أخلاقيا أن يقع مطالبة امرأة ليس لها مورد رزق بأجر المحاماة، ولم يصدر لها حكم النفقة بعد وغير ذلك من الحالات الاجتماعية التي تعترض المحامي في مهنته.
فالتعاطف مع الموكل وتفهّم ظروفه المادية مساهمة منه في التضامن مع مجتمعه.
ج- الالتزام بتسليم الأموال إلى أصحابها.
على المحامي العراقي أن لا يطلب نسبة من الأموال التي تحصل عليها لفائدة موكله، فقد نصت المادة (41) من قانون المحاماة النافذ على ( يحظر على المحامي : ثانيا : شراء كل أو بعض الحقوق المتنازع عليها في القضايا التي هو وكيل فيها ثالثا : التعامل مع كموكله على أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق العينية المتنازع عليها0 00)
وهذه القاعدة القانونية هي نتاج للالتزام الأخلاقي الذي يحمل على المحامي بعدم المبالغة في تحديد أجره، ذلك أن المحامي له الحق في الحصول على أجر وليس أخذ نصيب من حقوق موكله.
الدكتور
عبدالقادر محمد القيسي
582 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع