د.سامان سوراني
الفيلسوف ومهندس السلم واللاعنف مهاتما غاندي ، الذي كان مستعداً ليموت في سبيل قضيته دون أن يقتل أحداً من أجله ، قال ذات مرة: " لا أريد لبيتي ان يكون محاطاً بالاسوار ولا أن تكون نوافذه مغلقة ، بل أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الامم."
اليوم وفي هذا العصر الذي يتبدل معه نمط الوجود وأساليب العيش بقدر ما يتغير نظام العالم ومنطق الأشياء يمارس الرئيس مسعود بارزاني هذه الفلسفة. فزیارته التاريخية الی مدينة "دياربكر" آمد الكوردستانية ولقاءه مع رئیس حكومة تركيا السيد رجب طيب أردوغان وخطابه الإنساني تدخل ضمن إطار محاولاته المستمرة من أجل حفظ السلام وحل القضية الكوردية بالشكل السلمي. فقضية شعب كوردستان في تركيا كانت و ماتزال من أهم القضايا التي واجهتها الحكومات التركية المتتالية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923. إذ مارست الحكومة التركية في السابق سياسة الإنكار والتهميش والإقصاء ضد المكون الكوردستاني ، من دون أن تعترف بالهوية الكوردية دستورياً وتمنح الكورد حكماً ذاتياً في مناطقهم الكوردستانية. هذه القضية التي أصبحت بسبب كفاح ومقاومة الشعب الكوردستاني و العنف العسكري من قبل الحكومة مصدر تهديد لأمن الدولة و إرهاق للإقتصاد وإعاقة للتنمية الشاملة.
إن مبادارت الحكيمة للقيادة الكوردستانية وعلی رأسها مبادرة الرئيس مسعود بارزاني من خلال التواصل حوؔلت لغة العنف السياسي الی لغة إنسانية للحوار. فاللاَّعنف يقوِّض جدران الكراهية ويمدُّ جسور السلام والمحبة. واللاعنف هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف لأنه يتطلب شجاعة كبيرة واحتراماً للخصم والنصر الناتج عن العنف كما يقول الزعيم الروحي للهند غاندي هو مساوي للهزيمة ، إذ انه سريع الانقضاء.
الرئيس مسعود بارزاني ، الذي حمل شعلة السلام الكوردية الی مدينة آمد يٶمن بأن السلام هو الطريق وأن العنف هو من صنع البشر، لذا يٶكد دوماً في خطبه ومناقشاته العلنية بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء ، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة. هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات ومن يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق.
هناك حقيقة لا بد منها وهي أن السلام الداخلي الكوردستاني اليوم ليس بحاجة الی إثبات وتأكيد لأنه يرتكز على معادلة طبيعية عناصرها واضحة وجلية وتكمن أولاً في القيادة السياسية التي تحمل رسالة قومية وتنثر المحبة بين افراد الشعب وتشيع التفاهم مع محيطنا الإقليمي وتخاطب العالم بلغة انسانية
بليغة. هذه المعادلة خلقت الاستقرار السياسي وبفضلها تمكن إقليم كوردستان أن يواجه التحديات التي تفرزها شبكة العلاقات الاقليمية المعقدة في منطقتنا بشكل مستمر. وتحت هذه المظلة من الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة قدمت القيادة السياسية في إقليم كوردستان وما يزال الدعم السياسي اللامحدود لإنجاح عملية السلام في تركيا وحل القضية الكوردية ، التي أخذت في السنوات الأخيرة بعداً إقليمياً ودولياً.
السلام الداخلي في الإقليم خلق لشعب كوردستان أجواء مليئة بالأمن والإستقرار ، من خلالها إستطاع أن يكون فاعلاً وحيوياً في مسيرة البناء والتنمية على مختلف الصعد وحافظ على الوحدة الوطنية الكوردستانية.
وهنا يجب أن نشير أيضاً الی السياسة المعتدلة التي تمارسها حزب العدالة والتنمية والإصلاحات وخطة الإنفتاح الديمقراطي التي بدأه السيد رجب طيب أردوغان منذ عام ٢٠٠٩ ، التي أدت الی تحولات إجتماعية و سياسية إيجابية تجاه القضية الكوردستانية في تركيا. فالسيد أردوغان قال خلال زيارته الی آمد بأن الديمقراطية في تركيا تمر عبر القضية الكردية و تعهد بتحقيقها من خلال وضع القضية الكردية على سكة الحل السلمي ، وإدراجها في الدستور الجديد الذي يجري إعداده.
نحن نعرف بأن التوصل إلى حل تاريخي للقضية الكوردستانية في تركيا يحتاج إلى قرارات تاريخية ، وإرادة حقيقة ونية صادقة. والحوار لايرمي الی التطابق في وجهات النظر بين المختلفين ، بل يرمي الی خلق مناخ للتعايش والسلام الأهلي.
إذن فالشعار يجب أن يكون: التفكير والعمل معاً ، أو فن العيش معاً ، بحسب منطق التبادل وفلسفة التعايش والتواصل أو التعارف والتفاهم. ففي هذا الزمن المعولم لم يعد من الممكن تأجيل القضايا الكبری والمزمنة ونحن نعيش ثورات شعوب المنطقة من أجل الحرية والكرامة.
وختاماً نقول مع الكاتب والناقد والشاعر البريطاني صمويل جونسون (١٧٠٩-١٧٨٤):
"المثابرة لا القوة ، هي التي تصنع الاعمال العظيمة."
الدکتور سامان سوراني
1076 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع