ديانا مقلد
غضبت الأسبوع الماضي في لبنان جموع شعبية (أو استغضبت!!) لأن برنامجا ساخرا تناول شخصية الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
ترجم الغضب اعتصامات وقطعا للطرقات في استعادة لـ«غضب شعبي» مماثل حدث عام 2006 حين جرى تقديم نصر الله بشكل ساخر أيضا. لكن وبعد المظاهرات وأحداث الشغب الأولى عمد مقدمو البرامج الساخرة إلى تجنب تناول نصر الله والاكتفاء بتقليد شخصيات أخرى من حزب الله وإبقاء نصر الله شخصيا بعيدا عن التناول.
جرى حينها تعميم أن نصر الله رجل دين ولا تجوز السخرية منه.
كان ذلك قبل الثورات العربية وقبل أن تجد السخرية طريقا أكثر جرأة لها، بحيث بات رجال الدين والسياسة والزعماء مادة السخرية وعمادها الأول، سواء عبر رسوم الغرافيتي أو اسكتشات تلفزيونية، أو عبر الإنترنت الذي قد يصبح الساحة الوحيدة لهذا النوع من السخرية مع الانتكاسة التي تعرض لها العربي الأهم في هذا المجال، المصري باسم يوسف.
والسخرية في لبنان خاضعة لحسابات الانقسام السياسي في البلد وانقسام إعلامه أيضا. ومعادلة تناول نصر الله هي في قلب هذا الانقسام. والنقاش هنا ليس بشأن المستوى الفني أو الفكرة التي جرى تقديم نصر الله وغيره بها؛ ففي لبنان تميل البرامج الساخرة لأن تكون تهريجا وتقليدا للشخصيات ولعبا على وتر الجنس بابتذال غالب، أكثر مما هي فكرة لماحة أو عرض لتناقض يفضي إلى الضحك.
والبرنامج الأخير لم يكن عالي النبرة ضد نصر الله، بل إن مخرج الفقرة غالبا ما عبر عن إعجابه بزعيم حزب الله، لكن التظاهر والشغب كان بمثابة رسالة إنذار جديدة لمحاولة وضع نصر الله في الخانة التي يفترض محازبوه، ربما، أن عليه أن يبقى فيها، أي خانة «الإلهي»، وهي الصفة التي حرص الحزب على إلحاقها بنتائج حرب عام 2006، وباتت شعارا يلصق بكل ما يفعله، حتى جرت إحاطة مشاركة الحزب في القتال إلى جانب النظام السوري بالهالة نفسها.
حزب الله الذي بات يتضخم على نحو هائل بحيث يقود لبنان وجمهوره نحو حرب انتحارية في سوريا هو حزب يكره السخرية؛ فالسخرية تنزع الهالة التي تحيط بكل المواقف المبنية على الدغمائية أو الجمود الفكري والتعصب لفكرة معينة، كما هو حال الحزب. والسخرية تحصننا ضد عبادة الأشخاص وهذا لا ينسجم مع كل جهود تقديس نصر الله.
حزب الله يجيد تطويق نفسه بالغموض والسرية لأسباب كثيرة، وفي قلب ذلك الطوق تخنق السخرية التي غالبا ما تولد جراء الامتعاض من الخطاب الرسمي الذي يستشعر متلقيه أنه يخفي ما هو جوهري، وهذا هو الحال مع خطابات الأمين العام لحزب الله.
لكن مجال السخرية الحرة واللماحة لا يزال غير متبلور بعد في لبنان؛ لذا ليس مستغربا أن يترافق رفض السخرية مع عنف ما من أطراف تخشى من تآكل أسطورتها من اسكتش هزلي.
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع