بقلم الدكتور عمر عبد الستار محمود
ربما مهد انتهاء الحرب العالمية الثانية لفتح ابواب استقرارسياسي في العراق استطاع من خلاله الباشا نوري السعيد من الانطلاق بمشروع اعمار العراق تحت يافطة مجلس الاعمار برئاسته ونيابة طه الهاشمي.
حينها كان للعراق دولة عضو في منظمة الدول المصدرة للحنطة وكان للعراق هوية وطنية وارادة سياسية للبناء وضعت حجر الاساس لكل بناء تم منذ ذلك الوقت في بنية العراق التحتية ومشاريعه الاستراتيجية الوطنية من مشروع الثرثار والحبانية الى دربند خان ودوكان الى الهندية والى جسور بغداد ومتحفها الوطني. وربما لو طال بمجلس الاعمار العمر ولم يلغ بعد انقلاب 1958 لقدِّر للجنائن المعلقة ان تعود مرة ثانية بعد غياب 5000 سنة ولكن قدَّر الله وماشاء فعل ولانريد ان نقول كما قال احمد سوسة في مقال له نشر في عام1961 ان" الانكليز كانوا وراء ليس الانقلاب فحسب بل وراء الغاء مجلس الاعمار غير المبرر بعد الانقلاب".ليس هنا مربط الفرس ولا مجالنا في الحديث ولكن نحن في عام 2013 وبعد 10 سنوات عجاف مما جرى في 2003 وامام فرصة تاريخية لاعادة فكرة وروح وعقلية وقيادة مجلس اعمار نوري السعيد وطه الهاشمي في ظل اجواء تفاهم امريكي ايراني روسي وتقارب تركي قد تكرر فرصة تفاهم الاتحاد السوفيتي الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية ولو بقدر . لقد وصل العراق الى القاع بعد الاحتلال في 2003 ان لم نقل انه مخنوق الان في منعطف تاريخي قد يصعد به الى مراقي الاعمار وقد ينزل الى مهاوي سحيقة لاقدر الله ان ضاعت فرصة الانعاش المفترضة هذه حيث فقد العراق الدولة وفقد الارادة السياسية في البناء وفقد او كاد الهوية الوطنية فهل يُقدُّر للعراق ان يعود له اسم ورسم وجسم وارادة مجلس اعمار نوري باشا وطه الهاشمي؟
يعيش العراق منذ 2003 ازمةحكم لابد ان تُحل لتنهي تناقض السياسات وفقدان الرؤية الاقتصادية فلدينا الان حكومة فاشلة وليس دولة فاشلة فقط ولدينا خبراء باسم المليشيات وليس خبراء في الاقتصاد والاعمار والبناء ولدينا مواردهائلة وعلى سبيل المثال ( 100مليار) في 2012 تدارمن قبل هيكل حكومي فاسد تسبب في ان يكون العراق احد اربع دول في العالم لم تستطع حكومته من تلبية احتياجات مواطنيها حيث يعيش 50%من العراقيين حد الكفاية و30%حالة حرمان وتراجع العراق زراعيا وصناعيا في ظل عدم القدرةعلى ادارة الملف الاقتصادي مع فوضى ىسياسية واعمارية واعتماد الحلول الترقيعية.
ان العراق احوج مايكون اليوم الى عقلية وقيادة وارادة جديدة في ادارة الدولة تستلهم ادارة الحكم الرشيد واعتماد الكفاءات ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب مع رؤية استراتيجية وشعور بالمسؤولية واعتماد الشفافية وسلطة القانون وحكومة تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة وعن الفساد.ولابأس هنا ان نثبت بوضوح اننا بحاجة الى الخبرة الاجنبية في البناء والاستعانة بشركات متخصصة في هذا المجال ودراسة تجارب الدول التي مرت مثلنا بظروف هدم واحتلال كاليابان وكوريا وغيرها ثم اصبحت مثلا عالميا يحتذى في البناء الاقتصادي والعمراني والخدمي.
لقد كانت ميزانية مجلس اعمار طه الهاشمي لاتتجاوز عشرات الملايين من الدولارات تمثل 100% من واردات النفط العراقية وتلك كانت من شروط طه الهاشمي على نوري باشا في قبول تكليفه بادارة مجلس الاعمار قبل ان تتحول لاحقا الى 70% ومع ذلك اصبح مضرب المثل على قصر عمره فكيف بنا والعراق يملك الان وفرة مالية وصلت الى 400 ترليون دينار منذ 2004 -2011 وفرة مامرت عليه في تاريخه القديم والحديث ومع ذلك لاتتجاوز ميزانية التنمية فيه اكثر من 23% من الميزانية العامة اليس ذلك سببا في ان تكون عاصمته بغداد اسوأ مكان للعيش في العالم؟.
قد يقول قائل لدينا مجالس اعمار الان وفي كل وزارة ومحافظة ولكن كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الاسد باستثناء بعض التجارب الحية في العمارة والنجف مثلا .ومع ذلك فاغلب المحافظات والوزارات مختنقة باموال وطاقات ضخمة ضائعة في ظل قيادات فاشلة وعقلية فاسدة وخلاف سياسي عقيم. ان فكرة اعادة احياء مجلس اعمار طه الهاشمي تراود روح العراق اليوم وروح قادته وان كان نوري المالكي لسوء حظه بسبب عقليته الحزبية والطائفية والاستبدادية قد فقد فرصة الاقتداء بنوري السعيد فان طارق الهاشمي ودكتور برهم صالح ومهدي الحافظ ومحافظ ميسان وامثالهم كثير مصرون على ان يقتدوا بسيرة طه الهاشمي ونوري باشا السعيد وتوفيق السويدي وعبد الكريم الازري.والعراق احوج مايكون اليوم الى استراتيجية خلاص وطني تستبدل طبقته السياسية الحالية وتاتي بطبقة تكنوقراط مهنية ووطنية تتعالى على الصراعات السياسية والحزبية والطائفية تؤسس لمجلس اعمار يسعى للخروج من العقلية الريعية ويحول العراق الى دولة انتاجية وماذلك على الله ثم على شعب متعطش للحرية والبناء ببعيد "ويقولون متى هو قل عسى ان يكون قريبا".
1099 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع