الادعاء بان السياسة فن الممكن مغالطة خادعة

                                           

                           يوسف علي خان

لقد ذهب الكثير الى اعتبار السياسة فن الممكن وهي تسمية من وجهة نظري غير صحيحة .. فالسياسة في حقيقتها هي فن الخدع.. فالسياسي لا يتحدث أو يتصرف من منطلق الممكن من الكلام... فالمرء أي كان سياسي أو انسان عادي بامكانه أن يتحدث بما يشاء فليس هناك قيد على اللسان ولكن قد يكون هناك قيد على الضروف..

فما يستطيع ان يدلي به اليوم قد يختلف عما يدلي به في الغد ...فكلمة الممكن تذهب الى الفعل وليس الى القول ..وحتى في الفعل وهو التصرف بالطبع فقد يُمارس ما في الظاهر بما يختلف عما يُمارس في الباطن ... والنضرب مثلا--- فالحكام والرؤساء والمسؤولون في الدولة قد يتصرفون بشكل في العلن بخلاف ما يضمروه في الباطن أو يفعلوه.. فهم امام الجماهير اشخاص اخرون .. يمارسون ممارستين متنا قضتين لخداع الناس ولتمرير ماربهم الخفية ..وهذا ما يؤكد كون السياسة فن الخدع وليست كما يدعون فن الممكن .. فهي فن الممكن لو كانت النوايا سليمة بشكل مطلق وهي قل ما نجدها كذلك .. فالسياسي بشكل عام يتحرك وفق اجندات كثيرا ما تكون مخالفة لارادة الشعوب .. فلا بد اذا أن يكون السياسي مزدوج الشخصية أي منافق فهو يظهر متوافقا مع ما تطالب به الشعوب بينما يكونوا  مرغمين او تحت ضغوط خارجية او داخلية بل وربما بنوازع شريرة ذاتيا... فينفذون افعالا او يتخذون مواقف وفقا لتلك الاملاءات او النوازع من اجل تحقيق مصالح شخصية او تنفيذا لاجندة خارجية قد تكون هي السبب في ايصالهم الى هذه المراكز الرفيعة في الدولة ... فنادرا ما يتمكن السياسي ان يعمل في الحقل العام او يصل الى مركز سياسي مرموق بارادة شعبه وحتى لو تحقق ذلك سيجد ومنذ اليوم الاول لوصوله الى السلطة عشرات المعوقات التي تقيد حريته في الحركة وتنفيذ مشروعه الوطني وبالتالي سوف تطيح به القوى الخارجية مستفيدة ومستعينة ببعض الشرائح المناوئة التي لا بد وان تتواجد في كل ساحة سياسية على ارض الواقع ...  فلم يذكر لنا التاريخ بانه ظهر في دولة  زعيم حضي بدعم تام وشامل من قبل جميع فصائل شعبه إذ لا بد وان تظهر أو قد تستجد بعد فترة وجيزة فئة متضررة او منافسة تستغلها بعض الجهات الاجنبية التي قد تجد في استيلاء هذا الزعيم الجديد أو المجموعة  على السلطة  ضرر على مصالحها في تلك الدولة التي يعتلي فيها هذا الزعيم او كتلته سدة الحكم ... وهنا يبدا فعل السياسة ويتفعّل دور الخديعة المتبادلة  من قبل الفئات المناوئة  في التعامل بين الاطراف مع بعضها  المسيطرة على الحكم والمنافسة له دوليا أو داخليا فبريق السلطة يبهر العيون ويدفع المتسلط التشبث بالسلطة البقاء الى اطول مدة ممكنة... والطرف الاخر يستمر في التامر في السر والعلن عن طريق الاساليب الملتوية والمليئة بالخداع وما نطلق عليه بالعمل السياسي... أما بمحاولة تحقيق المصالح مع هذه السلطة الجديدة بكل الوسائل السياسية  المتاحة  العلنية... وعند فشلها فيصار الى الاساليب الخفية عن طريق التامر لازاحته والاطاحة به وبمجموعته المساندة... وهي بكل صورها واشكالها القذرة تدخل في نطاق العمل السياسي ايضا.. فإن اُكتُشف بعض المتامرين وزجوا بالسجون قيل عنهم بانهم سجناء سياسيين .. فالخديعة تمارس من جميع الاطراف وهي بعيدة كل البعد عن المشاعر الانسانية... فالسياسي لابد له ان يتخلى عن مايطلق عليه بالضمير بل والقيم برمتها كما عليه أن يستعمل كل اسلحته المتاحة ولذلك قيل عنها بانها فن الممكن أي بما يستطيع ان يفعله السياسي بما يملكه من وسائل بغض النظر عن شرعيتها أو وجاهتها او قسوتها او خستها فهي كلها مباحة عند السياسي .. وإلا لن يستطيع ان يكون سياسيا أو يصل الى السلطة وهو هدفه الاخير... فالامر إذا بحاجة الى ذكاء ودهاء ومكر وقدرة على المداهنة والنفاق وهي بالطبع خصال تختلف شدتها وحجمها من شخص لاخر فكلما توفر للمرء من هذه الصفات الوضيعة  واستطاع استعمالها وهو ما يعبر عنه بالممكن فيكون اقدر على النجاح والمكوث في السلطة اطول وقت... او القفز عليها باسرع ما يمكن ..وهو ما نلاحظه بان معظم من يقبضون على السلطة في البلاد هم الخونة واللصوص والرعاع وسفلة القوم إلا ما ندر فإن حضي شريف مخلص ووطني غيور وخلوق ملتزم نجده سرعان ما ينهار وتذهب ريحه ويقضون عليه الخونة الساقطون والعملاء الجواسيس أو انه يضطر لمجاراة الفاسدين.. إذ انهم دائما يمتلكون القوة الكبرى والسند الاعظم خاصة من الجهات الدولية التي تقف الى جانبهم لاستعدادهم بتحقيق مصالحها على حساب مصالح وطنهم وحقوق امتهم وشعبهم... فمهما يحاول الزعيم الوطني أن يقدم لشعبه من خدمات فسوف يجابه  بكم هائل من العقبات تعيقه من تنفيذ برامجه وايفاء وعوده فسرعان ما يتخلى عنه شعبه ويخفت ذاك التاييد العارم الذي حضي به عند بداية توليه السلطة فيخذله نفس الشعب الذي وقف الى جانبه... وذلك  في اول هجوم  يتعرض له فيطاح به ... فالصراع البشري وجد منذ الخليقة الاولى والاطماع مغروزة داخل النفس البشرية وهي سبب كل الحروب والغزوات التي عرفها التاريخ ودوّن عنها الكثير أن كانت داخل الشعوب نفسها وبين فصائلها أو كانت بين القبائل بعضها مع بعض او كانت بين الدول في العصر الحديث... جعل السياسة فيها هي السائدة في كل العصور تكتنفها الخيانة والتأمر.. فقد صدق من شبه السياسة بانها (((علبة ذهبية مليئة بالقاذورات ))) ... فالزعماء في كثير من الحالات قد يكونوا اشخاص عاديين أو مغمورين قبل توليهم السلطة ولم يكن يتعرض لهم احد ولكن حينما يتولون السلطة فسوف تُخلق لهم الخصوم والاعداء لمختلف الاسباب فاما غيرة وحسدا على المنصب او لاختلاف الانتماء او لاختلاف الايديولوجيات او اختلاف الاعراق او المذاهب فالاسباب كثيرة لاتعد ولا تحصى .. وعلى هذا الزعيم مرغما أن يصبح فاسدا ومراوغا فيمارس الحيلة والخديعة بقدر ما تؤهله فطنته  وذكائه من اجل ملاعبة خصومه وهي السياسة التي يجب ان يمارسها ولا مفر له من فعل ذلك فهي واجبة امام شعب مختلف الاعراق والامزجة والرغبات التي كثيرا ما تكون متعارضة لايمكن التوفيق بينها اضافة لمصالح الدول واطماعها التي يقتضي التعامل معها بما يرضيها ويحقق جزء من مصالحها بما لا يضر بمصالح البلد نفسه وينقص سيادته ويحافظ على كرامته... وهو امر صعب بل قد يبدو مستحيل في بعض الاحيان .. ولربما تكون السياسة من اصعب الامور ولربما هي اصعب من كل علوم الدنيا واعقد من نظريات انشتاين وصناعة القنابل النووية وقليل من استطاع من السياسيين التفوق بها والسير معها الى اخر مشوار حياته .. فهي سيف ذو حدين يتطلب الحذر الشديد في استعماله وإلا جرح نفس صاحبه وقضى عليه ...!!!!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1135 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع