مثنى عبيدة
الخطوة الأولى/للتاريخ والعبرة ح 20
تهنئة
في بداية الحديث يطيب لي أن أبعث أزكى التهاني وأرق السلام إلى أخوتي وأخوتي من الأشخاص ذوي الإعاقة ( المعاقين ) في العراق أولاً وفي كل مكان من العالم بمناسبة يومهم العالمي الكريم الموافق 3 / ديسمبر من كل عام راجين الله تعالى للجميع التوفيق والنجاح ونيل حقوقهم الإنسانية والوطنية.
كما أزف التهنئة المعطرة بأريج الورد والرياحين إلى فلذة كبدي ولدي الحارث رعاه الله لمناسبة بلوغه السنة السابعة من عمره المديد هذا اليوم 2 / ديسمبر بإذن الله وادعوه تعالى أن يحفظه وأهله ومحبيه وبلده العزيز العراق ويبارك لنا فيه.
كما في كل مقال أو كلمة أو مشروع تكون البداية هي من تحدد المسارات والغايات والأهداف وقد يعاني المرء كثيراً في كيفية خط أول حرف وأول حركة ولكن تلك المعاناة سرعان ما تتلاشى وتفسح مجالاً للعمل والجد والاجتهاد بالعزيمة والبذل والعطاء خصوصاً إذا صدقت النيات وحسن العمل وشحذنا الهمة لبلوغ المعالي
هكذا كانت أيامنا في طريقنا نحو تحقيق حلمنا الإنساني الكريم في نيل حقوقنا وإعلاء شأن قضيتنا قضية المعاقين في العراق نيسان 2003 م حيث توجهنا بصحبة أخوتنا من أبناء هذه القضية إلى مركز عكرمة لتأهيل المعاقين الواقع في منطقة اليرموك وكلنا أمل وعزيمة وإصرار لكي نمشي أولى الخطوات وهناك وجدنا لافتات مكتوب معلقة على السياج الخارجي لمركز التأهيل تشير إلى انه مقر الحزب الإسلامي العراقي ورأينا على الباب شباب يحملون بأيديهم أسلحة خفيف لحراسة المكان فاقتربنا منهم وبعد السلام أردنا أن نفتح الباب فقالوا من انتم وماذا تريدون قلت لهم نحن المعاقون وهذا بيتنا الذي نريد أن نفتحه وبينما نحن نتجاذب الحديث إذا برجل قادم ومعه مجموعة من الرجال وبعد أن عرف نفسه لنا قمت بتقديم نفسي وأسمي الكامل ومن معي إليه فقال أهلاً وسهلاً بكم ولكن يا أولادي وأخوتي نحن في منطقة اليرموك قد شكلنا فرق لحماية المنطقة والمؤسسات الرسمية فيها لكي لا يتم سرقتها ونهبها ومن ضمن هذه المؤسسات مركز عكرمة للمعاقين وهو لكم وليس لنا وما هذه اللافتة الموجودة إلا لكي تبعد العابثين والسراق عنه وليس للحزب الإسلامي العراقي ولا لأبناء اليرموك طمعاً في بيت المعاقين ونحن نحرص عليكم أن لا تتلطخ سمعتكم أو قضيتكم لذا منعكم الشباب من دخول المركز بعدما حاول البعض من المنتسبين إليه سابقاً إخراج بعض الحاجيات والأثاث منه وقد منعناهم ولم نسمح لهم بذلك ..
قلت له جزأكم الله خير الجزاء وبارك في أهل منطقة اليرموك الكرام لما قاموا به ونشكرهم لهذا الأمر ولكن نحن أهل هذا البيت ونريد أن نؤسس جمعية عراقية تعنى بالمعاقين ونتخذ من مركز عكرمة منطلقاً أولي للجمعية وأعمالها لذا نطلب مساعدتكم وان تسمحوا لنا بالدخول إلى حديقة المركز الخارجية يومياً من الصباح وحتى بعد العصر ثم يتولى شباب المنطقة حماية المركز في الليل وهذا ما نرجوه ونطلبه حالياً فقال هذا الرجل الذي يبدوا أنه من الشخصيات الاجتماعية النافذة في المنطقة ( لا مانع لدينا من ذلك ونرجو منكم المحافظة على المركز ) وقال بأننا معكم ونتعاطف معكم ونؤيدكم فيما أنتم ترومون الوصول إليه وأمر الشباب برفع اللافتة من على سياج المركز والتي كما أسلفت تشير للحزب الإسلامي العراقي ...
هكذا بدأنا المشوار حيث دخلنا إلى حديقة مركز عكرمة للمعاقين ولم نجد إلا بضع كراسي أغلبها مكسورة الأرجل واتخذنا من ( حاويات الرمل المخصصة للحرائق كراسي نجلس عليها بعد أن أفرغنا ما بداخلها من الرمل ) نعم كانت البداية على صفيحة من التنك ولكنها كانت ثابتة في الأرض لكونها تحمل قضية إنسانية وطنية كبيرة نعم لم يكن الكرسي الهزاز من حمل أجسادنا إنما هي ( تنكة ) نعتز بها ونفتخر وأعطتنا دافعاً قوياً نحو الأمام .
باشرنا بجمع المعاقين وكتابة أسمائهم على ورق وجدناه متناثر في باحة المركز وكنا نطلب من الحضور أن يقوموا بإبلاغ بقية المعاقين في مناطق بغداد الأخرى بأن يتجه إلى مركز عكرمة للمعاقين لكي نجمع أكبر قدر ممكن من المعاقين حتى نعلن قضيتنا وحقوقنا أمام المجتمع المحلي والدولي ،ونسير سوية الخطوة الأولى في مشوار العمركانت تشغلنا مسالة التعبير عن واقعنا وجراحاتنا وعذاباتنا وكل الآمال العريضة التي نحلم بها ، كان المعاقون يتوافدون إلى مركز عكرمة مما جعل أصحاب المركبات الصغيرة ( كيا وكوستر ) يعملون خط جديد للسير في بداية الأربع شوارع وساحة بلال وينتهي في مركز عكرمة يحمل أجسادا متعبة قد أكلت منها الحروب والحصار والقهر أجزاءً عزيزة عليها كانت تلك الأجساد تحمل أرواحا لأناس ٍ أعزاء عراقيون كرام ...
كانوا يسألون ماذا تعني الجمعية ؟؟ وماذا نريد وما نطمح إليه في ظل انقلاب كل القيم والمفاهيم وفي ظل تغير النظام السياسي في العراق ؟؟ ، أسئلة كثيرة كنا نرد عليها بأننا ضحايا لكل تلك السنين وإننا أصحاب حق في بلدنا ولكن علينا النضال والسعي من أجل نيل تلك الحقوق وأن نعلن للعالم أننا موجودون ومن حقنا الحياة الكريمة ..
بعد أن تجمع المئات من المعاقين برزت لنا قضية مهمة وهي ماذا بعد هذا التجمع وهل نبقى في إطار منطقة أو بغداد فقط ومن يعرف بنا أو يسمع عنا ؟؟
التظاهر والمجاهرة بالحقوق والمطالبة بها
تم الدعوة إلى القيام بتظاهرة كبيرة في بغداد أمام وسائل الإعلام والجيش الأمريكي الحاكم الفعلي للعراق ، هذه التظاهرة الهدف منها إعلان وجودنا وإعلاء صوتنا أمام الجميع ولكن من أين نأتي بالمال اللازم للمظاهرة وبعد عرض الموقف على المعاقين أنفسهم أبدى الجميع حماسة واندفاع رائع والكل تبرع من أجل أن نستأجر سيارة لنقلنا إلى مكان التظاهر كما أن أحد الأخوة تبرع بأن يأتي بمركبته الحكومية وهي حافلة لنقل الركاب ويحمل المعاقين فيها ..
توجهت ُ أنا ومحمد اللامي إلى ساحة بلال لكي نستأجر سيارة كبير للنقل ( تاتا ) وأذكر أني توسلت سائقها أن يأخذ أجرة قليلة لكوننا معاقين ولا نملك المال الكافي وأنه سيقدم خدمة وطنية وإنسانية لإخوته المعاقين ...
10 / 5 / 2003 يوم ٌ خالد ٌ في الذاكرة حيث تنادى المعاقين لحمل بعضهم البعض فمن كان مصاباً في رأسه يحمل معاق الكرسي المتحرك لكي يصعد به نحو الحافلتين وهكذا رأينا العكازات تخرج من الشبابيك تحمل أوراق بسيطة جداً قمنا بكتابة عبارات وشعارات عليها تعبر عن قضيتنا ولتعلن أن خطوة ألف ميل قد بدأت ، تحركت القافلة وهي تضم حافلتين ممتلئين بالمعاقين وذويهم مع سيارة صغيرة لأحد المعاقين وكان يشرف على هذه التظاهرة أعضاء الجمعية وهم من المعاقين ولم نتسلم درهم واحد من أي جهة بل كل معاق دفع ما عليه لكي نغطي تكاليف التظاهرة ( هي أجرة سيارة التاتا )
كانت القافلة تسترعي انتباه الناس في بغداد حيث لم يشاهدوا من قبل معاقين يسيرون فرحين صارخين منادين بحقهم في الحياة وأذكر أن سائق دراجة من المرور قام مشكوراً بفتح صفارته لكي يفتح لنا الطريق مما زاد من اهتمام المارة والسائقين بهذه القافلة الإنسانية
وصلنا إلى ساحة الفردوس حيث تجمع وسائل الإعلام وقام المعاقين وذويهم بالنزول والتوجه نحو فندق الشيراتون وبدأت الكامرات تدور وتصور هذا الحدث الفريد من نوعه وتحدثنا أمام وسائل الإعلام عن حق المعاق وأن ينظر العالم لنا ويطلعوا على حقيقة أوضاعنا وأن لا يتم نسيان قضيتنا في خضم الصراع السياسي والذي بدأت بوادره بالظهور ، هكذا تحدثنا وتكلمنا وصراخ أخوتنا وصوتهم المنادي بالحقوق يعلو وكلهم إصرار وعزيمة وقد استعادوا بريق شبابهم وبطولاتهم وصولاتهم واستحضروا كل أيامهم الجميلة والرائعة قبل أن يلفهم النسيان والجحود والإهمال ..
لقد تلمسوا الطريق بخطوتهم الأولى تلك التي عرفوا من خلالها أنهم لا زالوا في معترك الحياة ولن يتركوا الميدان...
بعد أن أكملنا هذه الشوط من المظاهرة توجهنا إلى حيث مقر القيادة العسكرية للجيش الأمريكي إلى القصر الجمهوري وما أن وصلنا إلى هناك حتى استقبلنا الجنود الأمريكان بالصراخ ومحاولة إبعادنا عن الأسلاك الشائكة التي كانت أمام بوابات القصر وحدث تجاذب وتلاسن معهم إلى أن تدخل مترجم بيننا وقال ماذا تريدون قلنا نريد أن نعرض قضيتنا وأن نعلن وجودنا لكي لا تسحقنا الأرجل المسارعة نحو التهام العراق وخيراته
قال طيب دعوني أقوم بالترجمة وفعلاً تحدث مع المسئول عن الجنود الأمريكان وعاد إلينا قال إذا أردتم عرض قضيتكم ومطالبكم عليكم أن تختاروا شخصين لكي يدخلوا إلى داخل القصر الجمهوري لكي تلتقوا بمسئولي الشؤون المدنية والإنسانية في الجيش كذلك هناك تجدون المنظمات الدولية متواجدة بسبب أن قصر المؤتمرات قد تضرر ولا يوجد مكان للقاء سوى القصر الجمهوري ...
يا لها من مفارقة مؤلمة القصر الجمهوري والذي يرمز إلى سيادة البلد والذي لم نحاول طوال عمرنا المديد أن نقترب من أسواره ولم يسمح لنا بالوقوف في بابه ولم نشاهده من الداخل هذا القصر أصبح يستقبل كل يوم تظاهرة جديدة وواقعاً جديد مفتوحة فيه الأبواب على كل الاتجاهات مثله مثل العراق الذي باتت الريح تعلب في أرضه ومقدرات شعبه ...
للحديث بقية أن كان بالعمر بقية بإذن رب البرية
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع