علي السوداني
كتب لي صاحبٌ نكديٌّ سليل نَكَد ، أنني أنام على تضادٍّ عظيم ساعة إنتاج النصّ ، سواء أكان في باب المكاتيب المشلوعة من سفر الضحك والوجع ، أو من دفتر حكاياتي وطوال قصصي وقصارها.
فسّر صاحبي السطحيّ ، وزاد وأسهب وكتب ، أنّ نصوصي لا يكاد يخلو سطر من سطورها ومتونها وهوامشها وشروحها المتأخرات ، من تناصٍّ أو تضمين أوقياسٍ قرآني مقدّسٍ ، وحديثٍ ولمعة وقياسٍ ، منزرعٍ بباب المقدس الذي لا يُدنّس . ولما زعلتُ وحزنتُ وفار دمي ، وتناوشتْ غضبتي موضع الجرح ، أجاب بأنني إنما أدنّسُ النص القرآنيّ ، وأنتهك حرمة المحرّم ، إذ أكتبُ المكتوب باليمين ، وأشيل كأسَ العرق بالشمال ، وصولاً إلى اكتمال القصّ . فهمتُ من زبدة حكي صاحبي الموسوس ، أنّ عليّ أن أتوضأ قبل عبوري أولى عتبات النصّ ، أو أكتب بلغةٍ متاحةٍ سهلةٍ ، لكن مما تيسّر من خارج منطقة المقدّس ، وإلّا أكون قد سحلتُ نفسي صوب دكةٍ عاليةٍ ، تريد الناس شتلي بخاصرتها ، ومن ثمَّ رميي بالجمرات اللاسعات . أغلقتُ فاتحة الجدل هذه ، وركنتُ صاحبي المهووس ، فوق مصطبة الإحتياط ، وما هو إلا شطر أسبوع مسبّعٍ على ليلة ثامنة ، حتى عاد الصاحب القنقينة ، ورشّ على وجهي ، خطاب عتبٍ شديدٍ ، مزفوفٍ بشدّة فتاوى ، أرحمهنَّ قد تصل حدّ كسر العظم ، والعظمُ لا ينكسر هنا ، قبل هدر الدم . حاولتُ جادّاً أن أجرجرُ صاحبي الموتور ، صوب منطقة محايدة رحيمة صالحة للقياس ، فأخبرته بأنّ كأس العرق المرسوم بالحروف ، ليس بالضرورة هو كأسي الراسخ فوق عرش ليلتي ، فقد يكون الكأس قناعاً ، وقد أراني وتراني سكرانَ متعتعاً متضعضعاً ، وما أنا بسكرانٍ ولا بمتعتعٍ ، لكنها الأيام الساخمات النحسات . واصلتهُ بالّلين وبطيب الكلام ، وواصلني بالشدّ وبالشدة ، وإذّ جاهدتُ كي أقطع حبل الوصل وشعرة الحلم التي بيننا ، وجدتني مثل مخبول يمشي في قيظ مفازة ، ويجرجرُ حبلاً ما إليهِ بعيرُ . أنساهُ ، لكنه لم ينسني ، وأوافيه بعاطر الكلمِ المغربل برقبة ، صبرها صبر جَمَل عبد الرزاق عبد الواحد ، فيوافيني بقصفٍ ، لا حيل بي عليه ولا حيلة . منذ شهورٍ معدودات ، صرتُ مثل إسفنجة حانة مظفّر النواب ، أمتصّ حروف صاحبي ولا أغضب ، حتى جاءتني واحدة منه لا تثنّى ، ليلتها إتكأتُ على ربّي الذي أعرفه بقوة ولا يعرفه صاحبي الضالّ ، وقررتُ أن لا أُخفض له جناح رحمةٍ ، فكانت تسديدة ورمية مبروكة لم تخطىء ولم تزل ، حتى أصابت منه مصرعاً ، وجعلتهُ هشيماً ساكناً ساكتاً متلعثماً متبلبلاً ، لا صريخ له ولا شهقة بقيا حروف .
صاحبي هذا الذي يحفظ من الكتب عنواناتها ، والزبدة الملطوشة على الغلاف ، كان قائماً في الناس يصلي النهار وبعض الليل ، لكنه لم يستحِ إذ دقّ آدميته ببسطال الغزاة . يصوم وبعض خبزه يأتيه من دكة النطيحة ، وما ترك الوحشُ . يختم جبهته برصعةٍ ، فلا أثر لسجودٍ على روحه وريحه والبدن . فصامٌ عنيفٌ يبتغي منه الحياة الثانية ، لكنه يتمرغل في وحل الأولى ، مستتراً مبرقعاً بحجاب نصٍّ قدسيٍ ، لا يكاد يعرف منه معنى أو تأويلاً .
مرةً ، ومن وسط الجدل بالتي هي أحسن وأستر وأقوى ، قلتُ له :
يا صاحبي هداك الله ، إنَّ كأسي المخمورة ، لهي حرام ورجسٌ ، لكنّ خيانتك هي من صنف الحرام الذي يؤذي الناسَ ، أزيد مما يؤذيهم كأسيَ المسالم .
وداعاً صاحبي . لن أردَّ عليك ثانيةً . أنا أرحمُ على البلاد والناس ، منك ومن الذين على شكلك يقعون وتقع . أللهمّ اشهد ، إنّي تخفّفتُ . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
1152 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع