بقلم/ فؤاد حسين علي
وقفة تأمل مع صديق قصة حقيقيه وقعت أحداثها في شتاء عام2012
الحياة مليئة بمواقف الحيره،أقساها أن تبقى مشطور نصفين ...
نصفك الاول يجري جنوبا الى مدينه تبعد عن مدينتك اربع ساعات سفر بالقطار تلبية لنداء صديقيين عزيزيين متزوجيين أحتكما اليك لحل أختلاف في حياة حب قوي ، بدأت قبل أكثر من عشر سنين ،أختلافا شرقيا على مفاهيم الحريه والتقيد بأعراف النشأة الاولى والاخلاص، أقتربت نتائجه من أن تؤدي الى الانفصال وتشريد المحبه التي بنيت عبر السنيين، وأولاد موزعون على المدارس ،عين على الدراسه وآخرى على الخلافات التي تعصف بالعائله وتتكرر بأستمرار.
ونصفك الثاني ملتزم أدبيا في أستقبال صديق بمطار سكافستا جاء من لندن لزيارتك ،وقضاء أسبوع يخفف عنك كآبة شتاء السويد ،والانتظار القلق لقرار دائرة الهجره بالترحيل.
هذه هي الحياة التي نعيشها نحن الشرقيين في دول الغرب ،مليئة بمواقف الحيره التي لاتنتهي.
ومليئة أيضا بمواقف الحرج التي تزداد كلما أنفصلنا عن الماضي ،وتقدمت بنا الاعمار ،أقربها أليك زمنيا ،قبل يومين ،عندما قررت أن تنهي الحيرة في داخلك،وأتجهت بنصفيك المنشطريين الى بيت الصديقيين في مدينة فيغو ،وقبلت عتب الآخر القادم من بلد الضباب أذا ماعتب ،عندما لايجدك في الانتظار كما تعود وتعودت في المرات السابقه.
حالة العائله والزوجين المحببين المهدده،فوق كل غضب وعتاب وتأنيب للضمير ، لاتتحمل التأجيل ،مصيرهما معلق بلحظة تعقل لابد أن تنتجها أنت القريب من الطرفين ،قبل أن تنفصم عرى الزوجيه التي شهد لها المعارف من قبل أنها قويه لايمكن أن تنفصم ، وقبل أن يتجه الحبيبين الى غياهب العيش فرادا في مجاهل السويد التي لاترحم القادمين من الشرق أو بعودة أحدهما الى العراق..
الجدال قد أحتدم فور الوصول ، أستمر ساعات عن حدود الألتزام والشك،وتبادل الاتهام ،وضرورات العيش بهدوء، ومثلها ساعات آخرى مشبعة بأوهام الخدش المقصود للكرامه والاعتزاز بالنفس والحب والتقدير،أعقبه عتاب وعيون الاولاد التي تتوسل أن لايكون هناك أنهيار،ودموع تدرك بالغريزه أحتمالات الأفتراق .
أنتهت تلك الساعات التي أرتفعت فيها الاصوات وتعددت سبل التهديد ،كأنها حربا بين طرفين متصارعين ،وكما كان يجري في خلافات الازواج بالعراق .
لعنا الشيطان سوية
وأعترفا بأخطائهما في تقدير الظروف ،وضغوط العيش ، وقبلا بعضهما مثل أول يوم زواج، وقدما قبلة ود لنجاحك في التهدئه وتقريب الافكار.
أنتهت المهمه بوعد في طي صفحة مؤلمه ، والبدء من جديد، الوقت قارب من أنتصاف الليل ، لابد من العوده الى البيت ، لتخفف عتب الصديق الضيف الذي وصل وأنتظر طويلا لمعرفة التفاصيل .مازلت تسدي النصائح ، وتكرر بعضها لتفادي آخرى وانت معهما في سيارتهما الى باب المحطه الوحيده في المدينه ، وتذكرة القطار في يدك،تهرول مسرعا من أجل اللحاق بالقطار الاخير ، وقد بلغت ماتريد، وصعدت الى العربه بالوقت المحدد.
العوده الى أوربرو تتطلب تبديل القطار ثلاث مرات ، وفي المرة الثانيه أنتظار لمدة ساعتين ، المحطه صغيره ،خاليه ألا من شابيين أحتضنا بعضهما على الاريكه القريبه ينتظران القطار،واستلقيت أنت على الآخرى تتذكر أيام الشباب ، فرحا بتجنيب الأعزاء قرار قد يندما عليه لما تبقى من العمر،شاعرا بالأعياء وصعوبة مقاومة النعاس ، مر الوقت سريعا ،غفوة تداهمك قسرا، أحلام وذكريات حلوة عن الشباب، كوابيس عن المفخخات والأغتيالات وكواتم الصوت.
الغفوة تطول ، يمر القطار دون أحساس بمروره. يد الموظف المسؤول عن المحطه توقظك منبئة بالمرور . لعنت أول مالعنت الشابيين اللذين تركوا عقلك غافيا في وهم الشباب .
الساعه جاوزت الواحده بعد منتصف الليل ، المنطقه أقرب للقريه منها الى المدينه ، لافنادق فيها ولاباصات ناقله بين المدن التي توقفت بالتمام، والانتظار بالمحطه غير ممكن لأنها تقفل أبوابها بعد مغادرة القطار الفائت حتى حلول اللاحق بالساعه الرابعه صباحا ،والانتظار خارجها في العراء أقرب الى الأنتحار ، شعرت بالوهن حقا وبرعشة برد تجمد الدم في العروق، لايمكن تحملها بدرجة حرارة تقل عن الصفر باربع درجات ،سألت كيف التصرف وماذا يعمل الناس هنا بمثل هذه المواقف، عندما يتأخرون أو ينامون مثلك ويتركهم القطار.
لم تجد في حيرتك وأسئلتك المتعدده ، والتفتيش عن حل سوى كابينة هاتف قريب من المحطه تضع نفسك فيها ،تضم ساقاك الى صدرك لأكتساب دفء ولو بسيط .نصف ساعة أقتربت منها الى التجمد ،لابأس من الخروج والمشي قريبا حتى الساعه الرابعه كانت ثلاث ساعات حسبتها دهرا .سلمت أمرك الى الاقدار كما كنت تسلمها أوقات الأزمات والحروب ،.
عيناك لم تفارق باب المحطه تترقبان الموظف المسؤول عن فتحها بالوقت المحدد، وعندما فتحت كان أسعد يوم في الحياة، والتمتع بدفئها لاتدانيه أية متعه ،التعب والنعاس ولوم الذات لم يدفعاك الى النوم ثانية خشية أن يفوتك القطار المار بالساعة السادسه صباحا .جاء قطارك بالوقت المحدد لابد أن تبقى فيه صاحيا أثناء المسير ، لئن الأستسلام الى النوم قد ينقلك الى مدينة آخرى ، وانت أقرب للمشلول .
الوصول الى اوربرو بالساعه التاسعه صباحا كان حلما قد تحقق بالفعل ، والصديق القادم من لندن قد غفر التأخير لمجرد الوصول وسرد الحكايه كما حصلت ، وآلامها قد تبددت عن الوصول ، أما وقائعها ستبقى في الذاكره وفاءا لزوجين صديقين عزيزين ،تمنيت مع التعب وألم الجسم الذي لايتحمل المزيد من التعب طوال الطريق ، أن يتغلبا على مشاعر شكوكهما ،ويبدلانها بمشاعر الحب التي لاتنطفئ شعلتها مهما تعمق الخلاف..
1807 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع