مزادات الإنتخابات العراقية المقبلة

                                      

                            إبراهيم الزبيدي

كنا وما زلنا وسنبقى نتمنى أن يشهد عراقنا العزيز حملات انتخابية حامية الوطيس بين جبهات سياسية يكون الفارق الفكري والسياسي والاقتصادي والثقافي بينها مختلفا واضحا يمكن للناخب أن يحدد موقفه بوضوح ودراية ويختار ما يراه مناسبا له ولشعبه ووطنه دون مزايدات وفتاوى وصفقات بيع وشراء.

والحقيقة الخانقة أن العراق لم يشهد في طول حياته السياسية مثل ما يعاني منه اليوم من انهيار مخيف في جميع أصول اللعبة السياسية، أخلاقيا وعرفيا ودينيا، كما يحدث اليوم. فقد تحولت العملية السياسية العراقية إلى سوق هرج حقيقي يباع فيه المرشح النيابي ويُشترى كأية بضاعة أخرى.
ألا ترون كيف تقافز النواب الأشاوس، استعدادا للانتخابات المقبلة، مثلما تتقافز الفئران من حفرة إلى أخرى؟ نواب صالح المطلق يطلقونه بالثلاثة، وينتقلون إلى مملكة فخامة الرئيس المقبل أسامة النجيفي، (في المشمش)، وكيف غادر نواب المالكي أحضانه الدافئة وانتقلوا إلى أحضان أخرى جديدة؟
أما أخونا أبو محمد (صالح المُطلَّق بالثلاثة) فحكايته حكاية. شاهدوا فضائيته البابلية (الناجحة جدا)، وتأملوه وهو يخاطب رعاياه أعضاء جبهته التي أغرقتها رمال الأنبار المنتفظة، خصوصا وهو يتقمص شخصية الراحل (أبي عدي) حين يقول، " إذا غاب صالح المطلق فلا أمل في نجاة العراق والعراقيين". هل هناك أكثر راحة للعراق والعراقيين من غيابه وغياب غيره من المتسلقين على أكتاف حزب البعث والطائفة السنية المبتلاة به وبأمثاله من الطفيليين الفائضين عن الحاجة !!!
مصيبة أخينا أبي محمد أنه نائم ورجلاه في شمس تموز الحارقة. لم يدرك بعد أن المياه جرت من تحته من زمان، وأنه لم يعد يجرؤعلى المرور، مجرد مرور، من أمام ساحات الاعتصام، خوفا من العاقبة. ولله في خَلقه شؤون.
كنا نتمنى أن يكون الاختلاف بين المرشحين ليس في الألفاظ والشعارات والاتهامات والشتائم والدسائس والمؤامرات وحدها، بل في العقائد والبرامج السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي طريقة تحرير الوطن المخطوف من خاطفيه.  
يقال هذا الكلام بمناسبة ابتداء سوق هرج الخاص بالقوائم والتحالفات الانتخابية الجديدة. وأتمنى أن يخبرني أحد من القراء الأعزاء ماذا فعل لنا جميع الرؤساء والوزراء والنواب القدامى الذين احتكروا مواقع القرار والثروة والقوة طيلة السنوات العجاف الماضية؟
فوهل هناك فرق حقيقي فيما كنا نسمع ونقرأ ونرى في الانتخابات الماضية، وبين ما نسمع ونقرأ ونرى هذه الأيام؟ نفس الشعارات ونفس الوجوه ونفس الوعود ونفس الأكاذيب.
والمحزن كثيرا أن جميع قادة هذه الائتلافات والتحالفات والتفاهمات ديمقراطية،
هل هناك من يستطيع أن يقنعنا بأي تغيير حدث في الاستراتيج والفاعلية والقرارات قبل مرض الرئيس مام جلال وبعده، خصوصا منذ أن سطى على كرسيه نائبُه الهمام أخونا الخزاعي؟ وماذا حقق المالكي، وماذا فعل أسامة النجيفي؟ وأي تغييرسوف يحدث لو اقتلعنا نوري المالكي من الكرسي ورميناه في سلة المهملات ووضعنا مكانه طارق الهاشمي أو رافع العيساوي أو صالح المطلق أو أياد علاوي أو أحمد الجلبي أو أي واحد من هذه اللمة غير المباركة؟ وماذا لو طردنا أسامة النجيفي من رئاسة البرلمان وأجلسنا مكانه عزت الشابندر أو سامي العسكري أو بيان جبر (باقر صولاغ الزبيدي)؟ وماذا لو أحلنا سعدون الدليمي إلى العدالة بتهم العبث اللامسؤول بالثقافة العراقية أو صفقات الأسلحة والطائرات والدبابات الروسية والصينية والأمريكية والبرازيلية والهندية وجزائر الواق واق، ووضعنا في مقعده في الثقافة معالي الوزير العريبي صاحب مقولة (ضخامة الرئيس)، مثلا، أو بطل منظمة بدر هادي العامري أو علي الأديب؟ أو لو وضعنا في مكانه في وزارة الدفاع شعيط أو معيط؟
كلهم شرفاء، ومخلصون، وعادلون، وطنيون، ديمقراطيون، يضعون كرامة المواطن، ووحدة الوطن، وحكم المؤسسات، وسلطة القانون في رأس قائمة مبادئهم النبيلة الثابتة، ويشددون على توفير جميع الخدمات، وعلى احترام الرأي والرأي الآخر، ويصرون على محاربة الفساد والتمسك بالنزاهة والشرف والضمير، وهم كاذبون.
هاهم يعودون جميعُهم، بكل عيوبهم، وكل مساخرهم، وكل فضائحهم، من جديد، ولكن مع تغيير بسيط واحد هو اسم القائمة أو الائتلاف.
فلا البرنامج الانتخابي لدولة القانون ولا للائتلاف الوطني إسلامي خالص وصريح وجريء يدعو إلى إقامة دولة إسلامية على غرار دولة الولي الفقيه أو طالبان أو أيهم الظواهري لكي نطلق من يعارضها صفة الكفر والإلحاد والعلمانية، ونطالب باختطافهم ثم شنقهم بالحبال أو ذبحهم بالسكاكين.
ولا أياد علاوي وصالح المطلق وأسامة النجيفي ورافع العيساوي وطارق الهاشمي وجمال كربولي وسعد البزاز ديمقراطيين، على وجه، وعلمانيين عقائديين ثابتين على المباديء لكي ننحاز إليهم ونحمل الفؤوس والرماح والخناجر والكواتم والمفخخات لنجدتهم واجتثاث أعادائهم أعداء الوطن والدين والضمير.
إن الأمور بينهم مختلطة، والشليلة ضائع بينهم رأسها، والعياذ بالله. فالاسلاميون ديمقراطيون حتى العظم، والعلمانيون إسلاميون ومتشددون، ولا ينقصهم سوى العمائم البيض أو السود أو الخضر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
والأغرب من الغريب أن يتمرد سامي العسكري وعزت الشابندرعلى سيدهما وراعيهما وولي نعمتهما (أبي حمودي) الحاج نوري المالكي، وهما الغارقان في أفضاله التي لا تعد ولا تحصى.
ولولا إعجاب المالكي بقلة لياقتهما وسلاطة لسانهما وخشونة شتائمها الطائفية المفزعة لمعارضي دولة القانون وقائدها الأمين لما كان أيٌ منها يصل إلى بوابة مجلس الوزراء والبرلمان،. ولما صار أيٌ منهما عضوا دائما في نادي أصحاب الملايين.
تخيلوا هذه النكتة الباردة. سامي العسكري يتجرأ على سيده نوري المالكي ويختلف معه لأنه يُقحم ولي عهده الأمين حمودي في شؤون الدولة، وعزت الشابندر يعيب على المالكي فشله كقائد وزعيم. مشكلة كبرى حين يعجز الإنسان عن تقدير حجمه، وحين لا يعرف حده ولا يقف عنده. إن جرثومة الغرور أصابت الجميع. ومسكين هذا الوطن الذي يتقاذفه الصغار، ويقوده المجانين.
لابد من الاعتراف بأن سنوات العبث العشر الماضية كشفت هشاشة الوضع السياسي العراقي وتشرذمه، وكشفت لنا، بكل البراهين المحسوسة باليد والقلب واللسان، أن قادتنا فيها كانوا صغارا وجياعا مهووسين بالكراسي والمواكب الباذخة، وباقتناء العبيد والجواري.
إن الساحة ما زالت تبحث، بإلحاح وتصميم، عن القوة الشعبية الوطنية العراقية النظيفة الكاسحة التي تستقطب الملايين من الناخبين، بأفكارها ومبادئها ونزاهة قادتها وعدالتهم ووطنيتهم الصافية المبرئة من الحزبية والشللية والطائفية والعنصرية والمصلحية الشخصية، دون خداع ولا رشاوى ولا فتاوى، لكي تملك زمام قيادتنا بقوة وثبات.
إن أيا من الكيانات، بما فيها وفي مقدمتها ائتلاف دولة القانون، لن يخرج من سوق هرج الانتخابات القادمة إلا ضعيفا ومُنهكا يجر خطوَه بصعوبة، ويجري من باب إلى باب، باحثا عن حلفاء يمكن أن يشدوا من أزره وينصروه على من يعاديه من الكيانات الأخرى الطامعة بالقيادة. وهذا هو الوجه المظلم المرتقب فيها، فهي لن ُتمكن أحدا من الانفراد بالحكومة، كما أنها لن تلد لنا معارضة وطنية قوية عاقلة تراقب الحاكم وتحصي عليه حسناته وسيئاته، مثلما يجري في بلدان العالم المتحضرة. ففي الحكومة سيكون معارضون، وفي المعارضة حكوميون. يعني أن كل شيء ساح على كل شيء، وضاعت الطاسة واحترق الحمام.
لكن، ومهما حدث ومهما سيحدث، فإن أقصى أمنياتنا ألا تكون السنوات الأربع المقبلة عجافا وصعبة ومظلمة كسابقاتها، وألا يظل العراق دون قيادة وطنية كبيرة بحجم الوطن العزيز وشعبه الكريم، وألا يظل العراقي الشريف أسيرا لتفاهمات (الحنقبازية) والمحاصصات، وألا يبقى البرلمان القادم يدار هاتفيا من من طهران وواشنطن، وألا تبقى جماهير شعبنا معطلة ومرتهنة، عينها بصيرة ويدها قصيرة، إلى أن يشاء الله، والولي الفقيه، وسيد البيت الأبيض العنيد. فهل هذا على الله وعلى العراق العظيم .... كثير؟؟؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع