زينب حفني
أحيا العالم مؤخراً «اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة»، والذي يبدأ بالخامس والعشرين من شهر نوفمبر كل عام.
والاحصائيات التي أعلنتها الأمم المتحدة مؤسفة! تُؤكّد بأن وضع المرأة في تراجع، حيث ما زالت تُستغلُّ جسديّاً من قبل شبكات الدعارة السريّة، بجانب ارتفاع نسب الاغتصاب، إضافة إلى تزايد حوادث العنف الأسري. وهذه الحالات لا تقتصر على بلدان العالم الثالث، بل تشمل كذلك البلدان المتحضرة، مع فارق جوهري ملحوظ، في تطبيق هذه البلدان قوانين صارمة بحق من يُثبت تورطه في أي نوع من أنواع العنف ضد المرأة.
على الرغم من جهود المنظمات الدولية، وسعيها الدؤوب في التصدّي لظاهرة العنف، إلا أن وضع المرأة مزرٍ! بسبب التردّي الاقتصادي في أرجاء متفرقة بالعالم، وتفشّي المجاعات، وانتشار الفقر في بلدان عديدة، نتيجة الحروب، والقلاقل السياسية، والتناحرات الطائفية والمذهبيّة والعرقيّة التي تفاقمت بالسنوات الأخيرة!
مع إحياء العالم لهذا اليوم، تطفو على السطح من جديد، قصة الفتاة الهندية ذات الثالثة والعشرين ربيعاً، التي تعرّضت للاغتصاب العام الماضي من قبل أشخاص عدة، أثناء ركوبها الحافلة مع صديقها، ووفاتها في المستشفى نتيجة لوحشيّة المغتصبين! كانت هذه الفتاة المسكينة تتطلع لأن تُصبح طبيبة، وقد باع والدها كل ما يملك كي يُحقق حلم ابنته، التي أرادت أن تنتشل أهلها من براثن الجوع والعوز، لكن تبخّرت أحلامها في غمضة عين!
هذه الفتاة أصبحت أيقونة بالهند، ودافعاً لتغيير قوانين الاغتصاب فيها، بعد احتشاد الآلاف في الطرقات، منددين بالقوانين الهشة التي لا تحمي المرأة من مجرمي الاغتصاب. وهي خطوة إيجابيّة اتمنى أن تحذو على خطاها بقية بلدان العالم الثالث بما فيها أغلبية الدول العربية، التي ما زالت المرأة تتعرّض لأقصى أنواع العنف الأسري من قبل الأب أو الأخ أو الزوج، ولا يلقى مرتكبها العقاب الرادع!
ما زلتُ أذكر فيلم «في زمن الفراشات» الذي قامت بدور البطولة فيه الممثلة "سلمى حايك"، وهو مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة الأميركيّة "جوليا ألفاريز".جمال الفيلم يتعلّق في كونه يحكي عن قصّة اغتيال "الأخوات ميرابال" عام 1960م في "الدومنيكان" الواقعة في "الكاريبي"، على يد الديكتاتور "رافاييل تروخيلو"، بسبب معارضتهن لحكمه الفاشي. ولهذا تمَّ اختيار ذكرى مقتلهن الأليمة، ليتوافق مع اليوم العالمي لمكافحة كافة أشكال العنف ضد المرأة.
لقد وهب الله المرأة، جلادة كي تتحمّل الكثير من الصعاب، لكن يداً واحدة لا تُصفّق! وعلى كافة المنظمات الدولية التكاتف لحمايتها، وذلك بتحريرها أولاً من براثن الجهل والفقر وتوعيتها بحقوقها الآدمية، كي تستطيع وقف سياط الظلم، وتتمكّن من الدفاع عن نفسها وعن بنات جلدتها.
يجب على المرأة أن تواجه الأعراف والتقاليد الرجعيّة التي تُحيط بها، وألا تتحرّج من فضح الممارسات الخاطئة الواقعة عليها. أن تؤمن بأن «لا يحك جلدك مثل ظفرك»! أن تُنادي بأعلى صوتها أن قضاياها ليست للاستهلاك الإعلامي، بل معناها تحديد مصيرها المستقبلي، حتّى يرتدع كل من تسوّل له نفسه التهجم على كينونتها واستغلالها بهمجيّة! ألا تستسلم لما تتعرّض له من اعتداءات نفسيّة وجسديّة، أو تخجل من الكشف عمّا تتعرض له من عنف لاعتبارات أسريّة! بل عليها أن تُناضل بشراسة، وترفع برقع الحياء عن وجهها، حين يتعلّق الأمر بآدميتها، وانتزاع نفسها من براثن مجتمع ما زال ينظر إليها على أنها مخلوق عليه الاستسلام لما يتعرّض له من عنف!
رغم أنوف الرجعيين، ستظلُّ المرأة صانعة الرجال، والنيل من كرامتها، هو إهانة لكافة الأجيال المتعاقبة، ذكوراً وإناثاً!
802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع