د. سهام علي السرور /الأردن
أحم..... أحم، قالها بصوت أجش ثم بدأ بالكلام، لم ينتبه لوجودي خلف النافذة، ولكن شيء ما دفعني لمتابعة كلماته وهو يتكلم عبر الهاتف النقال، ويمشي قرب نافذة سيارتي التي أوقفتها على جانب الطريق لأرتاح قليلا،لم يكن منتبهًا لوجودي فيها لأنني كنت قد تمددت على المقعد الخلفي قليلا لأريح ظهري، كان الشتاء في بدايته، وكنت باتجاه بغداد، لا لأذهب إليها ولكن عند الحدود كان عملي، تابعت خطواته بعينيّ، وسمعت ما يقول:
_ مرحبًا، معك الضابط أنس، لقد وجدت السيارة المشبوهة، ورقمها......
ثم أخذ يتابع حديثه مقدمًا للطرف الآخر كل تفاصيل سيارتي، رفعت رأسي قليلا، وإذ به يرتدي ملابس مدنية وشعره طويل بعض الشيء على عكس من يعملون في أي مجال عسكري، لا تبدو عليه ملامح العسكرية، تابعت صمتي، وعاودت خفض رأسي، فكرت لابد أن يكون من أفراد الاستخبارات، التابعة للقوات الأمريكية، لكن ما جاء به إلى هنا! ثم نهضت رأسي قليلا، وإذ به يتفحص سيارتي من الخارج، ينظر للإطارات والأبواب، فكرت ثانية وحمدت الله أنني قمت بوضع طبقة سوداء على زجاج سيارتي كي لا يراني بوضوح من هم خارجها.
ممممممم من هذا وماذا يريد؟ هل من الممكن أن يكون جاسوسًا!، لا أعلم ولكن ليس في بلادي خائن، عاودت رفع رأسي، فرأيت وجهه الأسمر، وشعره المسدل، إنه كالغول الذي طالما تصورته في القصص، شعرت بألم في عنقي، فقد تخشب رأسي من الألم فلم يكن رفعه وخفضه والاتكاء مريحًا.
بدأت بمراجعة ذنوبي وجرائمي، ليس منها ما يضر بالدولة، فقط قبل يومين وددت لو أخيط أفواه كلاب جارنا لأنها لم تصمت منذ وضعت رأسي على الوسادة بدأت بالنباح بشكل جنوني ومستمر، فنهضت من فراشي ونظرت من النافذة لأقول بصوت مرتفع اصمت يا كلب ابن كلب، أيكون جارنا ابن المناصب غضب لشتمي كلابه! لا أظن ذلك فقبل شهر عملت له مأدبة عشاء بمناسبة ترقيته إلى حرامي أول.
لا..... لا ليس هذا السبب بل حتما هي أفكاري الجنونية التي أفكر بها، إنني حتما مجنون كيف لي أن أفكر بإصلاح تلك الدائرة الفاسدة؟ أف مني، فأنا رجل مجنون أظن نفسي السندباد والمارد معًا.
نظرت إلى ساعتي لقد قاربت الثامنة، حتما سيفصلني المدير فقد حلف بالطلاق وهدد أن يفصلني إن تأخرت مرة ثانية، قد يكون القسم بالطلاق بندًا من بنود الدائرة يجب تنفيذ كل ما يقع تحته من أحكام.
تذكرت قول جدي "لا تقبل الذل يومًا" فعزّ علي أن أبقى هكذا رأسي بين خفض ورفع وعنقي متحجرة ألما، وقدمي ينتابها بعض الخدر لاعتمادي عليها، لابد أن أنهض، مددت يدي إلى الباب لأفتحه من الداخل، ثم وضعت قدمي القريبة من الباب على الشارع لأتبعها بالأخرى، وحمّرت عينيّ كإشارة غضب، وأصبحت كالتنين أنفاسًا، ثم نظرت إليه وإذ به يقهقه بصوت مرتفع، فاقتربت منه بنية ضربه لكمة على وجهه تنسيه القهقهة.
وإذ به يبدأ بالتقافز يمنة ويسرى، فانتبهت إلى ملابسه المتسخة، ونظرت إلى يده وإذ به يمسك قطعة من الخشب، وليس معه هاتف، فانتبهت إلى أنه مجنون، فشاركته الضحك ولكن على نفسي، فتناولت من سيارتي قطع بسكويت وضعتها في يده، ثم تابعت الطريق نحو عملي وأنا أتذكر عبارة زوجتي "أحبك لأنك مجنون".
د.سهام علي السرور/الأردن
849 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع