كاظم فنجان الحمامي
موقفان وطنيان حقيقيان يعكسان قوة الشعب العراقي ودوره التاريخي في الدفاع عن سواحلنا ومياهنا الإقليمية, الموقف الأول وقعت تفاصيله عام 1937, في العام الذي فكرت فيه الحكومة العراقية (الملكية) بإبرام اتفاقية مع الجانب الإيراني تتنازل بموجبها عن جزء صغير من مياهنا الإقليمية مقابل الأرصفة الإيرانية النفطية في منطقة عبادان بين (بريم) و(بوارده), على ضفاف شط العرب بموازاة الساحل العراقي المقابل, الممتد بين (السيبة) و(الواصلية), على أن يكون التنازل في ضوء تقسيمات خط الثالوك ولمسافة سبعة أميال فقط, فقامت القيامة يومها, وخرج الناس في شوارع بغداد للاحتجاج على تنازلات الملك لشاه إيران, فطعنوا في حق الملك وصلاحيته في التنازل عن أي جزء من العراق, ومزقوا الاتفاقية المُذلة.
والصورة النادرة المرفقة تبين حدود الشريط الساحلي الإيراني الذي كان يخضع برمته لسلطة الموانئ العراقية, وتظهر في الصورة ناقلة نفطية راسية على رصيف عبادان عام 1937, وقد أرساها ربان عراقي, وقادها مرشد عراقي, في الحقبة التي كانت فيها حدودنا المائية تمتد في عمق الجانب الإيراني إلى آخر نقطة في اليابسة تتغلغل إليها مياه المد العالي في شط العرب, وكانت السفن والناقلات المتوجهة إلى الموانئ الإيرانية في (عبادان) و(خرمشهر) تتحرك بإشراف مرشدين بحريين عراقيين في رحلتي الذهاب والإياب.
والموقف الثاني وقع في الرابع عشر من مارس (آذار) عام 1967 وكان بطله الرئيس الراحل عبد الرحمن محمد عارف, عندما أطلق بوجه شاه إيران كلمته الوطنية المدوية في العاصمة طهران على خلفية الطلب التوسعي الذي تقدم به محمد رضا بهلوي بإدخال تعديلات جديدة على حدود المناطق البحرية المتشاطئة بين البلدين عند مقتربات شط العرب, فرد عليه عبد الرحمن بعبارته الحاسمة الحازمة الجازمة المجلجلة, التي قال فيها: (أن أرض العراق ومياهه وحدوده ليست عقاراً مسجلا باسمي, ولا ملكا صرفاً لعائلتي, ولا مقاطعة من مقاطعات أجدادي, ولا حقلا زراعياً من حقول عشيرتي, ولا إرثاً لأبناء قبيلتي, ولا غنيمة من غنائم أهلي, أنها ملك الشعب العراقي وحده, ولا يمكن التفريط بها, أو التنازل عنها, أو بيعها, أو تأجيرها, أو التلاعب بخرائطها, أو المقامرة بها, أو المساومة عليها, أنها الواحة الفردوسية الرافدينية المقدسة, التي اختارها الله جل شأنه مهبطاً لرسالاته السماوية, ومثوى لأنبيائه, وصومعة لأئمته, ومنطلقاً لسلالاته البشرية, هي الأرض التي حملت شعلة الإنسانية والتحضر إلى كل أرجاء المعمورة, فلا أنا ولا غيري يمتلك حق التفريط بأرض العراق ومياهه).
بيد أن الحكومات العراقية اللاحقة تنازلت لإيران عام 1975 عن نصف شط العرب, ومنحته لحكومة طهران على طبق من أطباق المراهنات السياسية الخاسرة, ثم توالت التنازلات السخية بمرور الزمن, حتى وصلنا إلى اليوم الذي فقد فيه شط العرب أسمه ورسمه, وخسرنا فيه (خور عبد الله) لصالح الكويت, فأهدرنا سيادتنا المطلقة على نافذتنا البحرية الوحيدة التي نطل من خلالها على بحار الله الواسعة, وهكذا انكمشت سواحلنا, وتراجعنا نحو المياه الضحلة, وتقهقرنا إلى الداخل من دون أن يحتج الشعب العراقي, ومن دون أن تتذمر الكيانات السياسية العراقية, فشتان بين مواقف الشعب العراقي بين الأمس واليوم.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين
913 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع