محنة حشو النصّ

                                        

                           علي السوداني

وهذه واحدة لها أُخيّةٌ وأُخيّات،مجرورة من دفترِ مِحن الكتابة والكاتبين ، وقد وقعْنا في جبّها غير مرةٍ ومرّات،كما صنع مثلنا صحبٌ أدباء أدركتهم حرفة الأدب،فذهبت بهم مذهبَ فقرٍ وعوزٍ وقهرٍ،إلّا من لذّة إتمام النصّ .

إنها ما درجتْ على تسميته العامة والنخبة " التكرار " الذي صار بمقدور قارئك أن يُفتي بأنّ هذا النصّ إنما هو من خلْقِك وصنْعك ، وتلك المرسومة المدندلة المسلطنة من فوق جدار الفرجة ، هي من إبداعك . سينفر ناسٌ ، مما قد يظنّ أنه من مكرورات الكلام الداخل في باب إعادة إنتاج بضاعة عتيقة بائدة غاربة ، وتلك فرضيةٌ إستللتها من عندياتي ابتداء ، كي يذهب الجدل صوب باب الحلّ وإضاءة اللبس ، وبودّي وعزمي واشتهائي الليلة ، طمأنتكم ، أنّ شيئاً من هذا لم يقع موقع شبهة نقدية ، أو معمعة فكرية تستجلب البلبلة وجذب النظارة والسامعين ، مثل موكب عربات فارغة تخرخشُ وتصيح وبطونها لا تُسمن ، فإن حدث بعض تكرار أو لغوٍ أو توليد أو نفخ منفوخ ، فهو حادث ومولودٌ من بيبان عدة ، منها دفتر تراكم الأيام فوق بعضها ، مما يستولد صوراً ومفردات وإزاحات وطرائق سرد وتنميق وتزويق وموسقة ومشوفات ، واحدة تشمّ أخيّتها شمّاً ، فتسرق بعض عطرها وحرفها ، أو هو ما جاء تيمناً بسنّة من سنن موجودة في ما كتبه أوّلون كاتبون كادّون ببطون التراث ، ومخطوطات النسّابة والضحاكة ونقلة القصّ وعيّارو المدائن والحارات وشطّارها - أظن أن الكتب المقدسة لم تنجُ من ذلك -  وتالياً ، متأخرون مجددون تم رميهم بسهام التكرار ، وزرع المحاشي ولوك الكلام ، وتسمين النصّ بما لا يحتمل ظهره المكسور ، والحقّ هو أنّ الأمر ليس كما يُرى ، بل هو من ضلع وضرورة رسم الواقعة مع وجود وسيلتها ، أو مفتاحها المتاح ساعة انولاد الحروف ،  فإن وقعتْ بعض إطالة ، فلها موضع وموضع .
قلنا أنّ المسألة ليست خاصة بالقوم الكاتبين ، لأنّ ما قيل عن الكاتب في هذا المقام ، سيُقال عن الراسم والناحت والناقد والمموسق والمغني ، وكلّ من اشتغل وأنتج وأبدع فوق حائط الفنون الجميلة الشاسع . على هذا القياس العادل ، فلا شتيمة ولا منقصة ولا معيبة تُعيب ، إن جرَحَك واحدٌ يبتغي الجَرح ، بقولة إنّ لغتك وأسلوبك في خلق هذا المكتوب ، يشبه ما كنتَ عليه لغة وأسلوباً قبل خمس وعشرين سنة . صحيحٌ جداً أنّ المبدع بحاجة دائمة إلى تطوير أدواته ، وتثوير لغته ، والبحث عن وسائط حديثة لإيصال نتاجه إلى الآخر الذي تبدلتْ ذائقته ، وتآكل أو تراكم وعيهُ ، لكنّ الصحيح أيضاً وأيضاً ، هو أنك بوصفك منتجاً للفنّ ، سيكون من حقك العادل والمنصف ، أن تحافظ على هويتك الكتابية أو الفنية التي عُرفتَ بها أول مرة ، عندها سيكون الأمر مقبولاً ومهضوماً ، إن شاف واحدٌ منكم لوحة لم يرَها من قبل ، والرسمة لا تحمل إبهام راسمها وملوّنها ومفكّرها ، فيقول الناظر ، إنها والله لمن خلق بيكاسو أو رامبرانت أو رافع الناصري أو محمد مهر الدين ، لكنّ المسألة الفنية ستنقلب إلى عار وشنار ، إذا ما اكتشف الرائي إلى قصتك أو قصيدتك أو لو حتك أو قطعتك الموسيقية ، أنّ اسمك القويّ الراسخ المشعّ ، ينام فوقها مسترخياً واثقاً ، غير مكترث إن كان ذلك المنتج ، قد خرج من بطن جبٍّ معروف ، أو هي القصة التي تشبه تماماً ، تلك التي قرأناها مبكرين ، ونحن نتدفأ تحت سلطة غوغول ومعطفه السمين .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

539 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع