وفيق السامرائي
لم تؤثر الاضطرابات السياسية وحالة الانفلات في مرحلة تخلي الرئيس مبارك عن السلطة، كثيرا على أرشيف المعلومات الأمنية عن «حركة الإخوان».
وبما أن القضاء المصري بقي متماسكا، وحافظت قوات الجيش على وجودها وتماسكها، كأنها خارج الحدث وخارج منطقة التأثير، فإن ضباط الأمن بكل فروعه ومسمياته بقوا في مصر، سواء بقيت مؤسساتهم، أو جمدت، أو فككت. لذلك، وفور بدء الثورة الثانية التي عزلت الرئيس مرسي، بدأت إجراءات إعادة بناء المؤسسات الأمنية وتشغيل منظومات متابعة «الإخوان».
لذا، في كل يوم، كانت أجهزة الأمن تصل إلى مخابئ وأوكار قياداتهم، ولم يعد أحد من كوادرهم العليا طليقا، وبدأت مرحلة متابعة الكوادر الوسطى والصغيرة داخليا وخارجيا.
من مشكلات «الإخوان» أنهم ذاقوا طعم الحكم، رغم مرارة الرفض الشعبي السريع لهم، فضلا عن ضعف خبراتهم الإدارية والقيادية، وكان عليهم فهم المعادلات، فزمن الرئيس مبارك لم يكن أقوى من النظام القائم، والقوات المسلحة حاليا أكثر تحسسا وإصرارا، والموقف العربي شبه مجمع على مساندة النظام الجديد، والأوضاع الاقتصادية تتحسن نسبيا، والموقف الدولي تناغم في الموقف مع مراكز القوة على الأرض، ونزلت عملية كشف الفساد في تركيا كـ«سلة» هبطت بمظلة من السماء هدية لخصوم «الإخوان»، ولا شك في أن الاستفتاء على الدستور سيأخذ طريقا حاسما مدعوما من الأزهر وحزب النور السلفي ومعظم الشعب، وأغلب الظن أن الفريق السيسي سيخضع لإرادة الناخبين والترشح، وسيحقق فوزا ساحقا، ولن تكون القوات المسلحة في حاجة إلى ضمانات.
عملية مصيرية، ونفور معظم ما هو غير إخواني من تجربة حكم مرسي، وتقهقر فريق الإسناد الخارجي لـ«الإخوان»، وصدور قرار حكومي بتجريم تنظيم «الإخوان» لا يحاسب من يترك العمل معه إذا لم يرتكب جرما تترتب عليه حقوق، وشعور الشباب والطبقات الأقل وعيا بخطأ الاندفاع العفوي أبعد من اللازم في مرحلة الثورة الأولى، وعدم التحسب إلى أن واجب التصدي لأخطاء مرحلة مبارك لم يكن موفقا في الانتباه إلى الجهة التي سيؤول إليها القرار.
وعلى الرغم من أن مثل هذا الواقع يعزز فرص نجاح برامج الحكومة في مجابهة «حركة الإخوان»، التي وضعت نفسها في خيارات معقدة للغاية، نتيجة التمسك بما ترى من شرعية نزعها الشعب، فإن ثمن فرض القرار وتطبيقه ليس هينا - خصوصا في المراحل الأولى - في ظل جماعة شعرت بإحباط وفشل لا مثيل لهما، ولها وجود شعبي واضح. قيادة عسكرية قوية ومتماسكة، وقادة سياسيون متفاهمون مع العسكر، وقضاء متماسك، وأجهزة أمن تمتلك أكداسا من أرشيف المعلومات والمعرفة الشخصية واحدا واحدا، وأموال تتدفق، وإعلام لم يعد فيه مجال للترويج لـ«الإخوان»، ومشروع قانون تجريم واضح، وفسحة معقولة لوقف المتابعات عن كل من يتخلى، وتفادي قوانين الاجتثاث والعزل السياسي، وطي صفحة الماضي إلا في حالات محددة، وسياسة خارجية متوازنة، بدأت توا التفكير في مواجهة أطراف التدخل الخارجي بأسلوب مناسب غير استفزازي، وتوافر حرية التعبير العام بلا خوف وتردد أو قلق (طبعا عدا الحركة المحظورة).. عناصر تتيح فرصا قوية لحظر نشاط «الإخوان».
وهناك من يرى أن مئات وربما آلاف الجمعيات الإنسانية والخدمية والمالية والطبية والواجهات التي أسسها «الإخوان»، لن يكون من السهل احتواؤها. غير أن هذه المؤسسات معلومة تفاصيلها لدى أجهزة الدولة ومسجلة وبدأت تخضع للإجراءات الرسمية، وهي مؤسسات ضخمة لو خفف «الإخوان» من مواقفهم المتشنجة بعد عزل مرسي لأمكنهم الاستفادة منها كثيرا على المدى البعيد، في طرح مشروع سياسي خدمي تفاضلي غير متاح للآخرين. إلا أن صدمة فقدانهم الحكم كانت مرعبة على ما يبدو.
وبعد كل ما حدث، فإذا خضعت قيادة «الإخوان» للأمر الواقع، وتقبلت المشاركة في انتخابات جديدة، حتى لو شعرت بحيف معين، فإن حالها ستكون أفضل كثيرا داخل مصر التي تمثل وجودها الحقيقي، وربما تتاح لها فرصة المشاركة في القرارات، قبل فوات الأوان. فالحكم وسيلة لخدمة الناس وليس لفرض برامج معينة تحت سلطة الدولة. لكن واقع الحال أثبت أن «كل» الأحزاب العربية والإسلامية «فاشلة» نظريا وعمليا.
ورغم القدرات النظرية، فقد يكون من الأفضل التريث في قرار تجريم «حركة الإخوان» وإعطاء الفرصة لمزيد من الحوار.
872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع