يوسف علي خان
علينا أن نفرق بين الهوية الوطنية وبين الجذور العرقية ونؤمن بكوننا جميعا مواطنون عراقيون علينا أن نتعايش وفق هذه الهوية الشاملة الجامعة وان نتخلى عن الهوية العرقية التي تمسكت بها الجاهلية القديمة فتسببت بحروب امتدت لالاف السنين لم تجني منها البشرية غير الخراب والدمار...
فكثيرا ما قلنا بان عقارب الساعة لا تعود الى الوراء فهو امر مستحيل.... فنحن نعيش في زمن يختلف عما سبقه ولو بعشرة سنين وما سيكون بعد عشرة سنين يختلف عما نحن به اليوم... فلكل زمان افكاره وتطلعاته وفق ما يستجد بما يمضي من سنين.... فقد اختلفت حياة الناس مثلا قبل صناعة التلفزيون عما هي بعد ما صنع فتغيرت انماط حياتهم... كذلك بعد صناعة الكومبيوتر فقد اختلفت عما كانت قبله .. كما اختلفت حياة الناس بعد صناعة السيارات والطائرات ووسائل النقل الحديثة عما كانت عليه في عصر البداوة والتنقل على الجمال والحمير ..ولكن للاسف فقد بقيت طباع الجاهلية موروثا عند البعص تناقلته جيناتهم جيل بعد جيل لم تستطع الاجيال الحالية التخلص منه خاصة الفئات التي ظلت منعزلة ومنغلقة ضمن محيطها الضيق .... فقد تمسكت بالنزعات العشائرية الاولى التي كان الناس يعيشون فيها ضمن منطقة جغرافية محدودة ... يتعذرفيها السفر من مكان لاخر إلا بصعوبة والتي كان يستغرق التنقل فيها الاشهر بل السنين ما جعل الناس يتقوقعون في نطاق العشيرة والقبيلة وانحصر التزاوج بين افراد العشيرة الواحدة والقبيلة الواحدة وبمضي الوقت توسعت القبائل وزادت نفوسها وانقسمت الى مجتمعات اوسع محافظة على عنصرها الواحد فنشأت الاقوام... وبدأت تنشأ المفاهيم القومية المتمثلة بالعرق الواحد و اتصفت مكوناته بصفات واحدة في العديد من الخصائص المشتركة كاللغة الواحدة ولون البشرة المتشابهة واسلوب حياة واحد وعادات وتقاليد واحدة .... وقد تضم المنطقة الواحدة قبائل عديدة متفرعة من الاصل تتوزع في مناطق متقاربة كما حدث في الجزيرة العربية حيث سكنتها العديد من القبائل العربية التي تفرعت من جذور واحدة قبل الاف السنين وهذه بالطبع تختلف في اعرافها وتقاليدها عن غيرهم من البشر الذي يبعدون عن مناطقهم الجغرافية بمسافات شاسعة بالنسبة الى ذلك الزمن... مما أوجد هذا الاختلاف البشري ورسخه حتى في هيئة اجسادهم والوانها فظهر الجنس الاسود الغليظ في افريقيا والجنس الاصفر في شرق اسيا والبشرة البيضاء الناعمة في الدول الاسكندنافية وفي مختلف المناطق الاوربية او البشرة المتجعدة في المناطق القطبية الشمالية او الجنوبية المتجمدة فتميزوا عن بعضهم حتى في وسائل معيشتهم وطبيعة عاداتهم بل وحتى باختلاف شعائرهم بل ومعتقداتهم الدينية فبرزت الديانة البوذية في منطقة و الزراداشتية والمسيحية في فلسطين واليهودية في مصر والاسلامية في الحجاز كما كان للبيئة تاثيرها الكبيرايضا في تنوع الجنس البشري على هذه الكرة الارضية واستمر الحال لقرون عديدة بسبب بطء التطور الذي مر على تلك الاقوام خلال تلك العهود السالفة ما جعل الاختلاف مستمرا والتقوقع ملازما لفترات طويلة لما ائتلفوا به وتعارفوا عليه حتى بدات الثورة الصناعية التي اوجدت وسائل النقل السريعة فتحركت الاقوام من كل مكان كي تختلط مع بعضها وتهاجر افواجا افواجا كي تشاطر غيرها من الاقوام حياتهم وتتعايش معهم... فبدات نعرات القومية والتفاخر بها التي تمسكت بها البشرية قرونا تخفت وتتلاشى بسبب هذا التجانس والتشابك البشري في منطقة جغرافية واحدة فلم يعد بالامكان التمسك بهذه النعرات في العديد من الدول .. ومع كل المصدات التي واكبت هذا التطور السكاني في العهود الحديثة التي اعقبت الثورة الصناعية فقد ظهرت بين اونة واخرى محاولات يائسة للتشبت بالنعرات القومية ومحاولة جعلها وسيلة استقطاب لبعض الشعوب من اجل مطامح شخصية .... تبناها بعض القادة والزعماء في بعض الدول والترويج للنعرات القومية العنصرية مثل ما حدث في المانيا عند نشوء النازية فيها ومحاولة هتلر السيطرة على العالم من خلال النعرة القومية... غير ان محاولته باءت با لفشل واندحرت النازية... كما قامت محاولات مشابهة في بعض الدول المتخلفة او ماسمى بالعالم الثالث او الدول النامية كما حدث في العالم العربي الذي هو جزء من هذا العالم المتخلف والتي تزعمها عبد الناصر ردحا من الزمن فلاقت هي الاخرى مقاومة شرسة من بعض الايديولوجيات خاصة بعد قيام الحركات الاممية الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والتي تمكنت ان تلعب دورا مهما في افشال العديد من النزعات القومية اضافة لمقاومته للتشدد الديني ... ومع ذلك فلا زال هناك في بعض المناطق الضيقة تقوم حركات على اساس قومي عرقي لابد لها ان تنهار بالتاكيد في اخر المطاف... فلم يعد لمثل هذه النزعات القومية مكان في هذا العالم اليوم.... حيث ان الواقع السكاني المنفتح ازاح ولا زال يزيح مثل هذه النعرات والدعوات الشوفينية رغم كل محاولاتها باستغلال كل الوسائل... غير ان الواقع سوف يبقى عائقا كبيرا في سبيل تحقيق طموحاتها القومية المنغلقة ولا بد لها في النهاية ان تتخلى عن هذه الدعوات وتنصاع لشكل الحياة الجديدة المبنية على المشاعر الوطنية البديلة للتعصب العرقي...وتتجه الى الحياة الشمولية القائمة على الحياة المشتركة التي تضم جميع المجاميع البشرية من مختلف الاجناس الذين يعيشون ضمن الحدود الدولية للكيانات الحالية التي يطلق عليها بالدول التي لها حكوماتها ومؤسساتها داخل الوطن الواحد في تلك الدول... وكما هي الحال مثلا في الولايات المتحدة الامريكية التي تضم في الوقت الحاضر مختلف الاصناف البشرية الصفراء والسوداء والبيضاء وغيرها من الصنوف المتواجدة والمنتشرة في جميع انحاء العالم واضحت الهوية الوطنية الامريكية هي المعيار في انتساب المتواجدين داخلها مهما كان اصول جنسياتهم الاولى او لون بشرتهم واضحت الولايات المتحدة الامريكية هي وطنهم الذي يدافعون عنه ويتبوأون في داخلها ارفع المناصب دون النظر الى لون بشرتهم او جذور اصولهم.... وكما حدث بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة الامريكية اوباما... فلم تعرقل اصوله الافريقية من انتخابه رئيسا للولايات المتحدة باعتباره مواطنا امريكيا ولم ينظر له كمواطن افريقي كما كانت هوية اباءه واجداده الافريقية قبل هجرتهم الى هذه الارض الجديدة....إذ لم يعد هناك في العالم بقعة من الارض تسكنها عشيرة او قبيلة واحدة لم تختلط دمائها بغيرها من االاجناس الاخرى بسبب الهجرة او لربما بسبب الحروب التي تتابعت المئات منها خلال القرون والعصور التي مرت بها جميع اطراف الكرة الارضية فسبت النساء واستولدتهم من جنسها وعليه يجب علينا جميعا ان نؤمن بهذه الحقائق التي لا مفر منها ونتعايش على اساسها ونترك الفكر الشوفيني العنصري المتخلف المبني على الجاهلية المندثرة ونعيش مع جميع الجذور العرقية المتواجدة في العراق وغيره من منطلق الهوية الوطنية ونبذ التعصب العرقي الذي يتسبب في ادامة الصراع بين الاعراق .. فلو دققنا مثلا في ثورة العشرين التي تاججت ضد الاحتلال البريطاني لوجدنا ثلاثة من اكبر قادتها من جذور ايرانية غير انهم دافعوا عن العراق من منطلق هويتهم الوطنية العراقية حيث ولدوا في العراق وشربوا من ماء دجلة والفرات فاضحوا مواطنون عراقيون وتخلوا عن جذورهم الايرانية وهو ما ينطبق على معظم الحركات الوطنية حيث اشترك في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941 العديد من الصحاب الجذور التركية والهندية ودافعوا عن العراق من منطلق الهوية العراقية فالاخلاص للوطن لا ينحصر في الجذور... فهناك العديد من العرب الاقحاح والعراقييون الاقحاح من خانوا وطنهم واصبحوا عملاء اذلاء للاجنبي المحتل فعلينا ان نخلص لهويتنا الوطنية اولا قبل البحث عن الجذور واعتبارها قرينة وادلة ثابتة على الوطنية والاخلاص لهذا البلد ... ومع ذلك وللاسف لا زالت تجري بعض المحاولات الانفصالية والتي حدثت فعلا في بعض الدول مثلما حدث في السودان او ما حدث في يوغوسلافيا وغيرها من بعض الدول التي تم الانفصال فيها على الاساس القومي وبتشجيع بعض الجهات الامبريالية لمصالحها الذاتية التي قد تقتضي بتفتيت هذه الدول... غير ان هذه الظاهرة لا بد وانها سوف تنتهي وتبدا حملات معاكسة تعمل على تجميع الدول في توحد قد يكون في بداياته على شكل تجمع فدرالي ثم يصبح بعد عدة عقود وبتاثير العولمة تجمع دولي موحد وبدوافع كثيرة ليس المجال متاح لذكرها الان... وقد نخصص لها مقالة مستقلة فيما بعد ...!!!
635 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع