عدنان حسين
مارّاً بمنطقة الكسرة في بغداد أمس، لفتتني لافتة كبيرة نسبياً تقول "نعتذر عن أي إزعاج .. نقوم بخدمتكم" ..
اللافتة توسطت موقعاً تجري فيه حفريات لم أتبين إن كانت من أجل الصرف الصحي (المجاري) أو الكهرباء أو سواهما .. المهم انني شعرت بالحب تجاه من أمر بخط اللافتة ورفعها في موقع الحفريات .. أحببته لأنه عبّر عن احترامه لي ولسائر المارين بالموقع ، وفي الواقع فانه أعلن عن احترامه لنفسه، فاحترام الآخرين يسبقه احترام النفس.
لأكثر من عشرين سنة كنت أرى مثل هذه اللافتة كل أسبوع تقريباً .. ليس هنا وإنما في بريطانيا. وصار ذلك مشهدا مألوفاً بالنسبة لي، لكن لافتة الكسرة لفتتني لأنها المرة الأولى التي ألحظ مثلها طوال السنوات الثلاث الماضية، مع ان المفروض أن أقابل أربعة أو خمسة مثلها في بغداد كل يوم.
أكتب عن هذا لأنني بدأت يومي أمس بمشهد صباحي مزعج أثار فيّ شعوراً مناقضاً للشعور حيال لافتة الكسرة .. كنت أريد العبور من جانب الكرخ الى جانب الرصافة متجهاً الى شارع المتنبي .. كان شارع رمضان سالكاً، لكن طريق المطار القديم (المثنى) كان مغلقاً منذ عدة أيام بسبب مركز للتطوع في الجيش افتتح أخيراً في موقع المطار . صعد السائق جسر العطيفية – الاعظمية الذي كان هو الآخر سالكاً .. عبرنا الجسر الى جهة الأعظمية ، وفجأة نجد ان مواصلة الرحلة غير ممكنة،لأن الطريق مغلقة عند نقطة التفتيش (السيطرة) من دون أية علامة مسبقة تشير الى ذلك .. مثل عشرات السيارات الأخرى عادت سيارتنا أدراجها عبر الجسر متخذة مساراً خاطئاً (رونغ سايد) لننزل الى العطيفية ونتجه الى الرحمانية ثم شارع حيفا فجسر باب المعظم .. كان الزحام على هذه الطريق خانقاً، ومسافة الخمسة كيلو مترات بين الجسرين كلفتنا نحو ساعة كاملة.
كانت بداية المسلسل المزعج في التاسعة والنصف صباحاً، وعندما عدت في الساعة الواحدة والنصف من شارع المتنبي عبر باب المعظم والعيواضية والكسرة، حيث موقع اللافتة، ثم جسر العطيفية – الأعظمية، كانت السيارات المغفلة لم تزل تعبر على الجسر من الكرخ الى الأعظمية ثم تعود الأدراج على الـ "رونغ سايد"، كما حدث لي في الصباح!
السؤال : ما كان يضرّ عمليات بغداد أو وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع لو تضع لافتات عند بدايات الطرق والجسور المغلقة، أو تغلقها بسيارات عسكرية لتنبئ سائقي السيارات بان مقصدهم ، جسراً او شارعاً، ليس سالكاً؟
لماذا هذا التكبر والتجبر على الناس والاستهانة بهم؟ .. ألسنا في عهد انتهت فيه الدكتاتورية المقيتة المتعالية على البشر؟ لماذا لا تعبّر الوزارتان وعمليات بغداد عن احترامها للناس؟ ألا تحترم أيٌ منها نفسها لتحترم الآخرين؟ .. أغلب الظن ان المسؤولين المعنيين في الوزارتين والعمليات لا يشعرون بالاحترام لأنفسهم ولمؤسساتهم ولمناصبهم، فلكراً، صاحب لافتة الكسرة لأنك تحترم نفسك، فتركت لنا ما يُفصح عن احترامك لنا.
555 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع