اليهود في الجزيرة العربية - الحلقة الثانية‏

                                         

                             د.رعد العنبكي

             

            بوادر النزاع بين محمد واليهود

                     
دعوة اليهود للاسلام
يقول الكاتب اسرائيل ولفنسون في تحليل اسباب النزاع بين محمد عليه السلام واليهود :

( لو وقفت تعاليم الرسول عند محاربته للديانة الوثنية فحسب ولم يكلف اليهود ان يعترفوا برسالته لما وقع نزاع بين اليهود والمسلمين
ولكان اليهود قد نظروا بعين ملؤها التبجيل والاحترام لتعاليم الرسول ولايدوه وساعدوه باموالهم وانفسهم حتى يحطم الاصنام ويقضي على
العقائد الوثنية لكن بشرط الا يتعرض لهم ولدينهم وبشرط الا يكلفهم الاعتراف بالرسالة الجديدة لان العقلية اليهودية لا تلين امام شئ
يزحزها عن دينها وتابى ان تعترف بانه يوجد نبي غير بني اسرائيل )
هذا راي الكاتب في اسباب نزاع محمد واليهود ولكن الحقيقة انه ما كانت رسالة محمد مهادنة قوم ضالين ولا التزلف الى اي فئة ابتغاء
مغنم عارض بل كانت رسالته الى الناس جميعا رضيت هذه الفئة ام غضبت تلك لانه منفذ امر ربه
( قل ياايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا )
كانت رسالته الى العرب اولا لينشلهم من عبادة الاوثان واقتراف الاثام وكانت رسالته ايضا لليهود لاصلاح ما طراء على دينهم
من بدع وما اعتورت اخلاقهم من فساد وانحراف عن اصول دينهم فها هو القران الكريم يدعوا بني اسرائيل للايمان برسالة محمد
( يابني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوف بعهدكم واياي فارهبون وامنوا بما انزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا
اول كافر به ولا تشتروا باياتي ثمنا قليلا واياي فاتقون ولا تلبسوا الحق وانتم تعلمون) سورة البقرة:40
في هذه الايات يذكر الله بني اسرائيل بالنعم التي تفضل بها عليهم وهذا يوجب عليهم الانصياع لاوامر الله وعدم التمرد عليها
والوفاء بعهد الله اي عبادته وحده والخضوع لشرائعه والايمان بمحمد الذي تنطبق صفاته على ما جاء في كتبهم عن النبي الموعود
فلو وفي بنو اسرائيل بهذا العهد لوفي الله بعهده في الدنيا وحسن الثواب في الاخرة ثم يدعوهم الله للايمان بالقران المنزل من عنده
المصدق لما معهم من مقاصد الدين الالهي وان لا يكونوا اول من يكفر به مستبدلين بهدايته عرضا قليلا زائلا من متاع الدنيا
بل عليهم ان يتقوا ويخافوا الله وحده وان لا يخلطوا الحق المنزل من عنده – وهو القران – بالباطل المفترى من عندهم ولا يكتموا الحق
الذي يعرفونه من انطباق صفات الرسول محمد على النبي الذي وعدوا به في كتبهم
فالعداوة بدات بين الرسول واليهود عندما وجهت اليهم دعوة الاسلام للدخول فيه امتعضوا منه ومن هنا اخذوا يخاصمون الرسول
المناقشة الدينية :
تطور النزاع بين الرسول واليهود بالمناقشة الدينية المتبادلة بين الطرفين فكان احبار اليهود يوجهون الاسئلة الى رسول الله
ويظنون انهم يصلون فيها الى حد التعجيز فكان القران ينزل فيما يسالون عنه وكانوا يطالبون الرسول بان ياتي بالمعجزات كما صرح بذلك القران
(الذين قالوا ان الله عهد الينا الا نؤمن لرسول حتى ياتينا بقربان تاكله النار ) ال عمران :183
وطلب اليهود من الرسول ان ياتيهم بكتاب من السماء ( يسالك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سالوا موسى
اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم ) النساء :153
وقال اليهود لرسول الله : يامحمد ان كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه فانزل الله تعالى في ذلك
( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تاتينا اية كذلك قال الذين لا يعلمون من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الايات
لقوم يوقنون ) سورة البقرة :118
لوم اليهود على عدم اسلامهم :
واستمر اليهود في الخصام والجدال فجعل القران يلومهم ويعنفهم على عدم الايمان برسالة محمد ( ولما جاءهم رسول من عند
الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون ) سورة البقرة :101
والمعنى :ولما جاءهم رسول من عند الله – وهو محمد عليه السلام- مطابقة اوصافه لما في كتبهم نبذ فريق من اليهود ما ذكر في كتبهم
عن هذا الرسول كانه لم يرد فيها ذكره ولم يعلموا عنه شيئا
ويقول الله تعالى فيهم ايضا: ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم
ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئس ما اشتروا به انفسهم ان يكفروا بما انزل الله بغيا ان ينزل الله من فضله على من يشاء
من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين) سورة البقرة :89-90
والمعنى :ولما جاءهم كتاب من عند الله وهو القران مصدق لما معهم من التوراة وقد كانوا من قبل رسالة محمد يطلبون الفتح والنصر
على مشركي العرب بالنبي المنتظر فلما اتاهم محمد الذي تنطبق صفاته على صفات النبي الموعود به في كتبهم كفروا به حسدا لانه
ليس منهم بل من العرب فاستحقوا بذلك الجحود ولعنة الله وهي الطرد من رحمته الا بئس الشئ الذي باعوا انفسهم في سبيله وهو الكفر
بما انزل الله من الوحي ظلما منهم وعنادا ان ينزل الله الوحي من فضله على من يختاره من عباده فاستوجبوا بكفرهم غضب الله مجددا
وان امثال هؤلاء يستحقون عذابا مذلا لعنادهم
او نرى القران يحذرهم من عاقبة عدم ايمانهم الذي يستوجب غضب  الله عليهم
( ياايها الذين اوتوا الكتاب امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها او نلعنهم كما لعنا اصحاب
السبت وكان امر الله مفعولا ) سورة النساء:47
والمعنى :امنوا ايها اليهود بما انزلنا وهو القران المصدق لما معكم من مقاصد الدين من قبل ان نستاصل اثركم ووجوه مقاصدكم ونردها
خاسئة مخذولة متقهقرة الى الخلف باظهار الاسلام ونصره او نطردكم من رحمتنا كما طرنا الذين خالفوا امرنا حين فعلوا ما نهوا عنه
وهو الصيد يوم السبت
هذه الاية تدل على ان القران وحي الهي فالقران هدد اليهود بالاستئصال والخسران اذا ظلوا على كفرهم فما هي الا فترة وجيزة حتى
تحقق وعد الله فيهم فهزمهم رسول الله محمد في جميع محاولاتهم العدوانية على الاسلام فقتل منهم الرسول من قتل واجلى الاخرين عن
قراهم تاركين اموالهم مشردين هائمين على وجوههم
تحويل القبلة :
وقد اغاظ اليهود تحويل القبلة من القدس الى مكة فبعد سبعة عشر شهرا من مقام محمد عليه الصلاة والسلام بالمدينة المنورة
كان طوالها يتجه في صلاته نحو بيت المقدس اوحى الله له ان يجعل قبلته ووجهته في الصلاة الى المسجد الحرام بيت ابراهيم عليه
السلام الذي بناه لعبادة الله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا
وجوهكم شطرة) سورة البقرة:144
راى اليهود في هذا التغيير دلالة على تحول خطير ضدهم فجاء نفر منهم : رفعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الاشرف الى
النبي يقولون له : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وانت تزعم انك على ملة ابراهيم ودينه؟ ارجع الى قبلتك التي كنت عليها
نتبعك ونصدقك
ولكن الامر بتحويل القبلة بقي نافدا لم يتحول وغدت مكة قبلة المسلمين يتجهون اليها في صلواتهم ونعت القران هؤلاء المعترضين
على الرسول ب ( السفهاء) قال الله تعالى (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب
يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ) سورة البقرة :142
مخالفة اليهود في تشريعاتهم :
وحقد اليهود ايضا على ما راوه من نسخ الاسلام لاحكام من شريعتهم من ذلك صوم عاشوراء صامه المسلمون في اول عهدهم بالمدينة
المنورة ثم اهملوه بصيام شهر رمضان ومنه تحليل اكل بعض الماكولات المحرمة عند اليهود مثل اكل لحوم الابل فبعد ان احل الاسلام
ما حرمه اليهود من الاطعمة قالوا :اذاكنت يامحمد على ملة ابراهيم والنبيين من بعده فكيف تستحل ما كان محرما عليه وعليهم كلحم
الابل فرد عليهم القران بقوله (كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قل فاتوا بالتوراة
فاتلوها ان كنتم صادقين ) سورة ال عمران :93
هذه الاية ترد على اليهود بان كل الطعام كان مباحا لبني يعقوب من قبل نزول التوراة الا ما حرمه يعقوب على نفسه لسبب يختص
به فحرموه على انفسهم دون امر من الله ثم امر الله رسوله محمدا صلوات الله عليه وسلم ان يطلب منهم ان ياتوا من التوراة بدليل يثبت
ان شريعة ابراهيم تحرم ذلك ان كانوا صادقين فعجزوا عن الاتيان بدليل وافحموا لان التوراة لا تؤيد دعواهم
وبهذا القدر اكتفي والى الحلقة القادمة انشاء الله تعالى
ولكم مني اطيب المنى
اخوكم المخلص
الدكتور
رعد العنبكي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

904 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع