د. مشرق محمود
الجندي البعيد
الى أصدقائي الغرباء, الذين سافروا هكذا و لم يلتفتوا...لأنّ ذكراهم مازالت ترفرف
لكم محبّتي و دعائي مشرق/برلين
2012...24 تشرين أوّل
عرفته يُطرقُ مهموماً يفكّرُ بأبنتهِ المريضةْ
و من يأخذها لو ساءت ألأحوالُ الى الطبيبِ
فزوجته لا حول لها و هي حاملٌ في شهرها السابع
و أمّه عجوزٌ غادرها العُمر قبل ألاوانِ
و همّه بين هذا و ذاك حمايةُ الوطن الكبير.
يقضي أجازَته البعيدة, لو كان له أجازة,
بين زياراتِ ألأئمةِ و عيادات ألأطبّاء
و هو كأيُّ عراقيِّ على ألأرضِ حظّه في هذه الدنيا قليل,
مهموماً صابر القلب على عظيم البلاء
و لو لا الصبر لو لا الصبر لآنذبح الرجاء.
بعيدةٌ أرضُ الحبيب , و الدار و ألأصحاب
و ألأمُّ الحزينة كالوطنِ الغريب
و عند الحُدودِ ... حدودُ النار و القيظ يلتهب الحديدُ
و يحوّل الأرض رماداً,
و مَنْ عليها حين يحتدم الصّراع...
و تظلًّ أجفان أمي و أمُّ ابنتيَ الوحيدةُ في سهاد
تدعوا, سُهاداً, لا تنام
فالخوفُ ملحمةُ الوجود
و لو لا الحبُّ لانقطع الرجاءُ و تاه بين النار و الثلجُ الدعاء....
و يفزُّ صاحبنا البسومُ من نومِه المسلوب مفزوعُ الفؤاد
تتوه بهِ الأرضُ فَيَهُمَّ ليخرج من جلدهِ المسلوخ, ممنوعُ الرُقادِ
كان يُحاول أن ينامَ ليحلم بالورودِ و بعالمٍ لا خوْف فيهِ و لا هموم
و لكن هيهات أن تنبت الوردةُ في جوفِ الحديد....
كانت سُموم الريح يحمِلها الرصاص
و الهجمةُ الحمراء تصرخ كالجحيم,
اهتزّتِ الأرض فجأة و أنتزع السريرُ
و انقضّت النيران عصفاً من سدوم
فتناثرت أشلاء آمالٍ و أحلام
و تبعثرت فوق الخراب الأرض يعلوها الدمار
أي صواعق الموت الزؤام
صواعق القتل الزؤام
تناثرت أشلاء مجدك من جديد
أ يا حبيب أ يا حبيب!
و تعالت الصرخات و الآهات يخنقها الصخب..
هي لحظةُ دامت دُهوراً
كانت صواعقها مقامعُ من لهب,,
فنسيتُ هنيهةً أمّي الحزينة, و ابنتي و حبيبتي
و تذكّرت الرفاق و من ماتوا هكذا و بلاعجب
و من دُفِنوا و بلحظةٍ تحت أنقاض الغضب..
و ذكرت أنّي قد نسيتُ
فغادرتُ معركة الظمير من جلدي المقفورُ أخرجُ كالوليد
من رحم أم الأرض, يسلبها الدمار
أحزان تلك الأرض بلا حدود
أوجاعها لا تنتهي
و حروبها العشواء تحمل موتها ابداً و بلا رجاء.....
أمّي الحبيبةُ لا تنام,
و كذلك أمُّ ابنتي الوحيدةُ
و هنا يروّعُ سمعهما السؤال: هل ضاعَ حتفاً بالهجومِ؟
أ وَ قد يعودُ , أو لا يعود؟
و من يأتِ أهلُ البيتِ بالخبرِ التّمامِ؟
آوّاهُ ما أقواك يا صبرُ يا مُرّ الدواءِ!...
دارت الأيّامُ بين الخوف و قماطير الهمومِ...
أمّي الحنونةُ.. أُقبّلُ دمع عينيكِ و أرجوكِ الدّعاء..
و الأم تحلمُ أن يعود ألأبن ليرتاح الفؤاد,
كم من ألأيام عدّت و الليالِ
كم عانقت أهدابُ عينيها فوق سطحِ الدار أدعية السّماء!
لم تكن أبداً تنام
و الألم المبرّحُ لا يفارق رأسها,
كانت تقول: الموت أهونُ لكنّ هيهات من هذا العذابُ..
أمّي الحنونةُ, أُقبّلُ الأرض بينَ يديكِ و أسألكِ الدعاء
أنا لا أنامُ الليل من أجلكِ
و الضابط المسؤل مشلول الفؤادُ
هو يدّعي أن لا أوامرَ عندهُ تسمحُ بالنزول
فالهجمةُ المحمومةُ تنبض بأنفِعال
و خلفَ خطوط النارِ ترقّبٌ و تأهّبٌ ووجوم
وواقعُ الحالِ صعبٌ و العدوُّ أمام عيوننا لا يغفلُ
يتأهّبُ للقتال
و القيادةُ العليا تنادي دائماً
تطلب الموجود من عدد الرجال
و لا أوامر بالتقهقر أو بتغيير الخطط
بل ألحقوا بالفيلق المرميّ على الحدودِ آلاف الجنودِ
يتهيّأون لجولةٍ من نار
"يجبُ أن نقضي على آخر أنفاسٍ للعدوِّ"
قالها الظابط المهموم بأِنفعال...
أُمّي الحبيبةُ أسألكِ: , أُقبّلُ الأرض الّلتي عليها تركعين
و للّهِ في كل دقيقةٍ تدعينَ و لا تتذمّرين
أن تصبري و تهوّني ألأمرَ على حبيبتي و تُقبّلي لي ابنتيَ الصغيرة
فأنّني بأذن ألله عائد,
و لكن لينحسر الظلام
و لتنتهي الصولاتُ و الجولات و يندحر العدو..!
الصبر يا أمُّ الصبر مفتاح الهموم
هو كالعلقم المسموم مفتاح الهموم
و ألأن يا أمُّ, وقف الكلامُ عندي فانتظري
فلقد وصلتنا للتوِّ ألأوامر بالهجوم..
783 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع