د.رعد العنبكي
ليس في تاريخ البشرية امة اشتهرت بحب المال والسعي الى جمعه كما اشتهر به اليهود فقد سلكوا في ذلك كل الطرق المشروعة وغير المشروعة حتى ماكان بعيدا عن المرؤة واسرفوا في الحرص على جمع المال الى حد العبادة حتى ان السيد المسيح ( عليه السلام ) الذي ارسله الله عز وجل لهداية بني اسرائيل خاطبهم بهذه الكلمة الرائعة :( لا تعبدوا ربين : الله والمال )
ولكن ما هو سبب هذا الحرص على جمع المال ؟
لعل ذلك يرجع الى عقيدتهم التي تصفهم بانهم شعب الله المختار ولهذا هم يريدون السيطرة على العالم والمال من الوسائل الهامة التي تمكنهم من الوصول الى هدفهم وها هم الان يسيرون دفة الدول الكبرى بالمال الذي اكتنزوه والذي يحركون به اقتصاديات العالم وسياسته
ولعل ذلك يرجع ايضا الى عقيدتهم المادية فهم لا يؤمنون الا بهذه الحياة المادية ولا حياة اخرى عندهم وقد اشار القران الكريم الى ذلك حين تحدث عنهم فقال : ( يايها الذين امنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الاخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور) الممتحنة :13
والمعنى :لا تصادقوا ولا تناصاروا هؤلاء اليهود الذين استحقوا غضب الله فهم قد انقطع املهم من ثواب الاخرة بسبب نكرانها كما انقطع امل الكفار الوثنيين من التقائهم بالموتى الذين سكنوا القبور يوم القيامة هذا الحكم الذي نطق به القران الكريم عن اليهود هو حكم اظهرت الدراسات الدينية صدقه مما يشهد ان القران الكريم وحي الهي فالتوراة التي في ايدي اليهود لا تجد فيها ذكرا للروح ولا للحياة الاخرة
ملاحظة :( لقد نجم عن عدم ذكر اليوم الاخر في كتب العهد القديم ضعف هذه العقيدة عند اليهود الذين انقسموا بالنسبة لهذا المعتقد الى قسمين : قسم يعرفون باسم (فريسيين) يعتقدون بيوم الدين وقسم يعرف باسم(صدوقيين ) ينكرون البعث والقيامة والقران اشار الى هذين المعتقدين كما تراه في هذا البحث ) يقول ( ول ديورانت ) : ( ان اليهود قلما كانوا يشيرون الى حياة اخرى بعد الموت ولم يرد في دينهم شئ من الخلود وكان ثوابهم وعقابهم مقصورين على الحياة الدنيا ( قصة الحضارة ج 2 ص 345 )
هذه العقيدة التي تنكر وجود حياة اخرى يجازي فيها المحسن على حسناته والمسئ على اساءته تؤدي بالانسان الى الانزلاق في هاوية المنكرات واقتراف الاثام وتجعل المادة واللذات الجسدية الهدف الذي لاجله يعيش ويحيا وهذا ما جعل اليهود قوما ماديين يحرصون على جمع المال بمختلف السبل وقد وصفهم بهذا الوصف ادلوف هتلر اذ قال : ( ذلك ان اليهود لا يمكنهم ان يؤلفوا منظمة دينية لانهم لا مثالية لهم ولانهم لا يتطلعون الى ماوراء عالمنا هذا فالتلمود لا يشير بكلمة الى العالم الاخر )
( كفاحي ) ترجمة الاستاذ لويس الحاج ولكن على الرغم من عقيدتهم هذه كان في زمن البعثة المحمدية يهود يدعون بان ثواب الدارالاخرة خاص بهم وحدهم فطلب القران الكريم منهم الدليل على صدق ادعائهم بان يتمنوا الموت الذي يوصلهم الى هذا النعيم الخالص لهم فان لم يتمنوا الموت فما هم بصادقين في دعواهم قال تعالى:
(قل ان كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ولن يتمنوه ابدا بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين ) البقرة: 94-95
علل القران الكريم المانع لهم من تمني الموت بانهم يعرفون انفسهم انهم عاصون مقترفون للذنوب التي يستحقون عليها العقوبة فتمني الموت هو الميزان الذي يعطينا الحكم الصحيح على ايمان الشخص فالمؤمن المحسن لا يخشى الموت لان وراءه حياة افضل من هذه الحياة بينما العاصي المقترف للاثام يتراءى له شبح الموت مخيفا رهيبا وقد بين القران الكريم حقيقة حالهم وحبهم للخلود في الارض في تتمة الاية السابقة ( ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين اشركوا يود احدهم لو يعمر الف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب ان يعمر والله بصير بما يعملون)البقرة:96
فاليهود هم احرص الناس على مطلق حياة وهم احرص من الذين اشركوا لانهم يتمنون مطلق الحياة فهم لا يؤمنون بحياة اخرى فترى الواحد منهم يتمنى ان يطول عمره في هذه الدنيا الف سنة ولكن تمنيهم هذا لو تحقق لن ينجيهم من عذاب الله جزاء اعمالهم
ملاحظة : ( انظر الى البلاغة القرانية في تنكير كلمة ( حياة ) وليس ( الحياة ) التي تعبر تعبيرا دقيقا عن حرص هؤلاء الناس على مطلق حياة يعيشونها مهما كانت حقيرة القدر ضئيلة القيمة )
حرمة العمل يوم السبت
ان ارادة الله التي تحرص على هداية الشعوب الضالة عالجت هذه المادية المسيطرة على اليهود بتشريع خاص بهم وهو حرمة العمل يوم السبت
فيوم السبت من الايام المقدسة التي امر اليهود مراعاة حرمتها فلا يجوز ليهودي العمل في هذا اليوم ولا القيام بالافعال التي تؤدي الى نفع مادي ومن خالف حرمة هذا اليوم ودنسه بالعمل فيه يكون قد ارتكب جرما عظيما ولم يكن عند اليهود خطيئة اعظم من التعدي على حرمة يوم السبت الا عبادة الاوثان ( قاموس الكتاب المقدس 1-537 ) والسبت هو (شباث Shabbath) في العبرانية بمعنى راحة لانه يوم الرب فيه ( استراح )
ملاحظة : ( في المحكم : انما سمي سبتا لان ابتداء الخلق كان من يوم الاحد الى يوم الجمعة ولم يكن في السبت شئ من الخلق قالوا :فاصبحت السبت منسبتة اي قد تمت وانقطع العمل فيها قال الازهري واخطاء من قال : سمي السبت بذلك لان الله امر بني اسرائيل فيه بالاستراحة لانه لا يعلم في كلام العرب سبت بمعنى استراح وانما سبت قطع ولا يوصف الله تعالى بالاستراحة لانه لا يتعب والراحة لا تكون الا بعد تعبولقد صرح القران الكريم بان الله جل جلاله خلق الخلق في ستة ايام ولكن بدون تعب( ولقد خلقنا السموات والارض في ستة ايام وما مسنا من لغوب ) سورة ق:38واللغوب هو الاعياء والتعب
يوم السبت في القران الكريم
وردت اشارات الى يوم السبت في مواضع من القران الكريم في معرض الكلام على بني اسرائيل واشيرفي بعضها الى اخذ موسى العهد منهم بوجوب مراعاة حرمة هذا اليوم والى نقضهم له وعدم مراعاتهم جميعا لهذا العهد والى انهم اعتدوا فيه من ذلك قوله تعالى : ( واسالهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت اذ تاتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون
لا تاتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) الاعراف :163
والمعنى : اسال يامحمد بني اسرائيل عن خبر اهل القرية التي كانت قريبة من البحر وكان اهلها يتجاوزون حدود الله بصيد السمك في يوم السبت اذ تاتيهم الاسماك يوم السبت ظاهرة على وجه الماء وتختفي في الايام الاخرى وكان ذلك اختبارا من الله لهم ليظهر المطيع من العاصي ويذكر العلماء كيفية الاعتداء الذي سلكه اهل القرية وهو انهم اتخذوا حظيرة يحبسون فيها الاسماك يوم السبت لياخذوها في الايام الاخرى وبهذا الاحتيال الاثم تحللوا من امر الله وفوتوا على انفسهم حكمة الله التي ارادت ان تنقذهم من تهالكهم على الدنيا وانغماسهم فيها فاستحقوا بذلك غضب الله ثم يقول الله تعالى فيهم بعد الاية السابقة :( واذا قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) الاعراف :164-165
والمعنى :ولكن جماعة منهم قالت للذين وعظوهم وحذروهم من مغبة عملهم : لاي سبب تنصحون قوما الله مهلكهم بسبب ما يرتكبونه ومعذبهم في الاخرة عذابا شديدا ؟ فرد عليهم الناصحون : وعظناكم اعتذارا الى ربكم عن السكوت عن المنكر ورجاء ان تتقوا ربكم ولكن لما اعرض المعتدون عن النصح حتى صار كالمنسي انجى الله الذين نهوا عن السوء وعاقب الذين ظلموا بعذاب شديد
جزاء خروجهم عن طاعة الله المادة الطاغية عند اليهود وبسبب امعانهم المعيب في الحصول على المادة حرم الله عليهم طيبات كانت حلالا لهم من قبل
قال الله تعالى : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا اليما ) النساء :160-161
والمعنى: ان هؤلاء اليهود قد استحقوا بالظلم الذي اقترفوه ان يحرم الله عليهم طيبات كانت حلالا لهم ولمن قبلهم فتحريمها عليهم كان عقوبة وتربية لهم من هذا الظلم منعهم كثيرا من الناس من الدخول في دين الله ثم عصيانهم ومعاندتهم انبيائهم وكذلك اخذهم الربا رغم انهم قد نهوا عنه ثم ذكر القران نوعا اخر من ظلمهم ايضا وهو ( اكلهم اموال الناس بالباطل) كالرشوة والغش وتطفيف الكيل والاحتكار والمضاربات فهذا النص القراني الموجز يعلن عن روح مادية طاغية امتلات بها نفوسهم ففي سبيل المادة اباحوا الربا
وحسبنا ان نعلم انهم هم الذين جعلوا النظم المالية الحديثة تقوم على الربا فال روتشيلد اليهود الذين ظهروا في القرن الماضي وانتشروا في اوروبا وامريكا هم الذين فرضوا تلك النظم التي تقوم على الربا في الاقتصاد العالمي واكثر اليهود البارزين في النواحي الاقتصادية يتعاملون بالربا فهم يقرضون الحكومات ويوجهون سياستها حسب مخططهم المرسوم وقد وصف ادولف هتلر طريقة اليهود في التغلغل في اقتصاديات المانيا تمهيدا للسيطرة عليها بقوله :
(وبدا اليهود بقرض الناس مالا بفائدة فاحشة ولم يكن الاريون قد اعتادوا هذا النوع من القروض فما تنبهوا الا بعد فوات الاوان وبعد ان احتكر اليهود التجارة والاعمال الفنية شغلوا في المدن احياء خاصة بهم مؤلفين دولة ضمن دولة ولكن الربا الفاحش الذي كانوا يتقاضونه افقدهم عطف السكان واشتدت النقمة عليهم عندما راحوا يسترهنون الارض الواسعة ويتحكمون برقاب مالكيها وفلاحيها تحكما جعل ضحاياهم تتالب ضدهم في نهاية الامر وقد اكتشفت في هؤلاء الغرباء طفيليات مزعجة وخطرة ) كفاحي ص 177
وبهذا القدر اكتفي على امل العودة اليكم في الحلقة القادمة انشاء الله تعالى
ولكم مني اطيب المنى
اخوكم المخلص
الدكتور
رعد العنبكي
609 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع