الدم المراق وكبش الفداء

                                       

                         نوال السعداوي

لا شيء يجعل الشعب يستريح ويهدأ ويستقر ويخضع للقانون والدستور، الا اذا تم تطبيق هذا الدستور وهذا القانون بالعدل على الجميع دون تفرقة لأى سبب.

فالعدل يعلو على كل الأسباب بما فيها التسامح، لأن العدل الناتج عن القانون واجب النفاذ، مثل دفع الضرائب واجب وطني، لكن الزكاة أو التسامح أو الرحمة، ليست من الواجبات بل هى اختيارات تخضع لمزاج الفرد وإرادته الشخصية، إفلات الجاني من العقاب يعرض المجتمع لمخاطر متعددة أقلها فقدان الثقة فى عدالة القانون، لقد سقط رئيسان، لكن الدولة نفسها لم تتغير وفى أغوارها "العميقة" تظل الدولة هى التى كانت، بشبكة المصالح والأموال والمؤسسات والشركات والأحزاب والعلاقات المدنية والدينية، متشابكة مترابطة متحفزة لاسترداد ما فقدت وضمان استمرار البزينس والأرباح.
النظام العالمي، من قاعه إلى قمته، تحكمه قوة رءوس الأموال والأرباح والعلاقات والمصالح والبنوك والشركات والأسلحة النووية والذرية والكيماوية وتكنولوجيا الاتصال والإعلام والتجسس داخل الانترنت وخارجه.
وتعجز الحكومة الأمريكية أحيانا عن اغتصاب حقوق شعبها، بسبب وعيه بهذه الحقوق، وقدرته على انتزاعها بقوته السياسية المنظمة الواعية، الا ان هذه الحكومة قادرة على اهدار حقوق الشعب الأخرى الاضعف، بل يمكنها غزوها عسكريا ونهبها اقتصاديا، كما فعل جورج بوش بالشعب العراقى تحت أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
محكمة العدل الدولية لم تقدم جورج بوش للمحاكمة رغم جرائمه المتعددة لم يحاكم رئيس دولة قوية تملك اسلحة ذرية أو نووية (ومنها إسرائيل) فالعقاب يقع فقط على رءوس الدول الضعيفة (صدام حسين مثلا) التى لا تملك رؤساء نووية تدك بها من تشاء الازدواجية القانونية الموروثة (منذ العبودية) تقوم على تبرئة الأقوى وعقاب الأضعف أو الضحية كبش الفداء.
وفى حالة الجنس الأضعف (النساء) تدان الأم المضحية الضحية ويلصق بها العار، ويتم إطلاق سراح الأب الأناني المعتدى صاحب السلطة والشرف.
المحامون الأقوياء قادرون (عالميا ومحليا) على تبرئة الأقوياء من جرائمهم وان كانت سفك الدماء ونهب الأموال ورئيس الدولة هو المسئول الأول عن تأمين العدل والأمن والسلام للشعب.
وفى أغلب بلاد العالم (ومنها بلادنا) يؤكد الدستور على حق الشعب فى التظاهر سلميا من أجل تغيير النظام الظالم.
لكن أغلب الرؤساء الأقوياء يخالفون الدستور والقانون ويأمرون بقتل المتظاهرين دون ان ينالهم العقاب، حدث هذا للشعب الأمريكي حين هاجمه البوليس فى نيويورك أثناء مظاهرات (احتلوا وول ستريت 2011) وتم قتل بعض الشباب الأمريكي الثائر.
أما فى الثورة المصرية (يناير 2011) فقد تم قتل الآلاف بالرصاص أثناء المظاهرات السلمية، وفقئت عيون الآلاف، دون ان يعاقب الرئيس المسئول حينئذ بل قدم لمحاكمة مدنية (رغم انه عسكري) ولم يصدر ضده أى حكم حتى اليوم وقد يحظى بالبراءة غدا؟
هل شربت الأرض دماء الثوار وجفت؟ هل جفت دموع الأمهات وكفت هل راحت الأموال المنهوبة دون عودة؟
جهاز الأمن يتبع الرئيس، ولا يمكن لوزير الداخلية أطلاق النار على الشعب دون امر من الرئيس شخصيا، وهو امر شفهى غالبا او مجرد حركة باليد أو إيماءة بالرأس.
لكن القانون المزدوج فيه الكثير من الثقوب ولا يرى الا الحبر فوق الورق، اما الدماء المراقة فوق الاسفلت فلا يراها، التسامح والرأفة فى حالة السادة الأقوياء وفى حالة الفقراء والبنات الضعيفات فلا رحمة ولا تسامح.
وخلال مظاهرات ثورة يناير تم القبض على بعض الفتيات المتظاهرات، وتم اجراء فحوص العذرية عليهن بالسجن العسكرى منهن فتاة باسلة سميرة ابراهيم، ساندها، والدها الشجاع لرفع قضية ضد المجلس العسكرى وتم ثبوت الاعتداء ولم يعاقب احد، خرجت سميرة وزميلاتها دون تعويض عن كرامتهن المهدرة.
وكم تهدر كرامة الشعب المصرى يوميا فى الشوارع والمحاكم والمدارس والمستشفيات واقسام البوليس والعشوائيات والمكاتب الحكومية فالفقر والظلم والمرض والبطالة تهدر العدالة والحرية وكرامة الأغلبية الساحقة من النساء والرجال والشباب كل يوم.
من السلبيات بالدستور، المادة، التى تبيح محاكمة المدنيين امام محاكم عسكرية، رغم ان اكبر عسكرى فى مصر (الرئيس الأسبق) حوكم مدنيا؟ وهل يمكن اعتبار وزير الداخلية مسئولا وحده عن إراقة دم المتظاهرين وتبرئة الرئيس الذى اصدر اليه الاوامر تحريريا او شفهيا؟.
الديمقراطية الحقيقية ليست الانتخابات بل هى الكرامة والحرية والمساواة للجميع والعدالة الحقيقية، او القانون العادل الذى يطبق على الجميع دون تفرقة القانون الذى يعاقب من يريق الدماء البريئة وان لم تتلوث يداه بالدم او بالحبر فالأسياد تظل ايديهم دائما نظيفة والخدم فقط من تتلوث أياديهم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

625 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع