حظ أمحيسـن! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي
الحلقة السادسة
ما زالت جميلة واقفة أمام شباك مقصورة أمحيسن, في محطة القطارمحاولة أقناعة لمرافقتها, فينظرأليها كالمعتوه وتقول له :
من حقك أن لا تصدق ما تراه وتسمعه, فقد هبطت لعالمكم لأتفقد الأهل والأحباب و لأزورالعتبات المقدسة, ولذا جئت الى المحطة من اجل ان نكون الليلة معاً,وغداً ننسى فلا نأسى على ماض تولى!
تخيم لحظات من الصمت , يتبادل فيها الحبيبان الذكريات ,ثم يقررأمحيسن الخروج من مقصورته في عربة القطار وبيده حقيبته,.. فتحتضنته جميلة بشوق وحرارة لتطفئ لهيب الحب الذي طمرته الأيام ولم تقتله, فالحب كالأكسجين يحرق ولا يحترق,.. أوكالذهب الصافي,لا يتغيرجوهره أذا ما كسته الشوائب,حتى لو ترك لملايين السنين!,..ولهذا غنى المطرب العراقي سـعدون جابر:
اللي أمضيع ذهب بسوك الذهب يلگاه
بس اللي أمضيع وطن وين الوطن يلگاه؟
يجلس الحبيبان على أول مصطبة في المحطة,.. ثم تكررجميلة
توددها له ,عسى أن تزيل الشك عنه, وأقناعه بأنها حبيبته, ولم تفلح وتقول له: من حقك أن لا تصدق,..لأن الثقة بين الناس ماتت, أما أنا فمسيرة, أي كالرجل الآلي, لا أملك قدرة ذاتية,... أمرت بالتوجه الى المحطة ,لأمنعك من السفر حتى لا يصيبك اي سـوء في قريتكم بسبب أتهامك بقتلي!
واليوم سيصل المعلم جميل, زوجي على الورق فقط , حيث تم عقد قراننا في المحكمة الشرعية في الناصرية!, وفي ليلة العرس متنا معاً قبل أن يَمُــس عُـذريتي,.. ولا تسـأل أي شيئ, أي من غير ليه ليه!
لم يظهرعلى أمحيسن أي أهتمام بأرهاصاتها!,..ألا أنه بات في رعب من هذا "السيناريو"غير المنطقي, ومن فضوله قررمطاوعتها على أمل أن يقع على الحقيقة,..وهكذا تستمر هي بحديثها وتقول:
وعلى أية حال , ياحبيبي ..سوف تتعرف على المعلم جميل ولذا,.. اريد منك ان تسامحه حالما تراه!
كما طلبت جميله من امحيسن عدم اخبار اياً من البشرعن قصتها,. حتى لا تحرم من العودة الى الأرض مرة أخرى, و يستمرالحديث بينهما على نغمات اغنية عبدالحليم حافظ :
جَلست.... جَلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب
يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداءاً للمحبوب
الحب سيبقى يا ولدي الحب,.. سيبقى يا ولدي
أحلى الأقدار !
بحياتك يا ولدي امرأة عيناها سبحان المعبود
فمها مرسوم كالعنقود، وضحكتها أنغام وورود
والشعرالغجري المجنون يسافر في كل الدنيا
قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا
لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدود
فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود
من يدخل حجرتها،من يطلب يدها
من يدنو من سور حديقتها،من حاول فك ضفائرها
يا ولدي............مفقود مفقود مفقود مفقود
يا ولدي ..............يا ولدي
ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان
وستسأل عنها موج البحر وستسأل فيروز الشطآن
وتجوب بحاراً وبحارا،وتفيض دموعك أنهارا
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبة قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان
ما أصعب أن تهوى امرأة یا ولدي ليس لها عنوان ليس لها عنوان!
يا ولدي ..............يا ولدي
أمتاز أمحيسن بقوة حاسة الحدس , ويظهرعليه الأرتباك مما يسمعويرى,.. فقد شـعر بمصيبة ستقع على رأسه, ولكن لم يدري كيف أو متى , ويطلب منها السكوت لعدم قدرته على استيعاب ما تشرح له!
تستجيب جميله لطلبه, وتطلب منه ان لا يعارضها في شئ, .. ثم يرفع امحيسن شنطته ويسيران نحو موقف سيارات الاجره, وتطلب جميله من السائق التوجه الى احد الأحياء الجديدة الواقعة في اطراف مدينة الكاظمية .
وما أن تصل سيارة الأجرة المحلة , حتى تؤشر جميله نحو احد البيوت وتطلب من السائق التوقف عنده, وينزلان, ويسلم امحيسن الأجرة للسائق ويودعه بعبارات مهذبة على طريقة أهل الجنوب!
يَطل احد الجيران من الشـباك عندما يسمع توقف سيارة الأجره, ويتفحص القادمين الى بيت ابوجميل من على بعد,. ..ثم يتوجه نحو الزوار وهما أمام الباب ويرحب بهم, ثم يعلمهم بعدم وجود احد في الدار منذ موت جميل وزوجته,.. واليوم هو الذكرى السنوية الأولى لوفاتهما,.. وقد سافر الحاج ابو جميل و زوجته الى النجف الأشرف, فمن انتما؟! ويدعوهما : " تفضلوا عندنا لتناول العشاء معاً ؟ ", ... ترتبك جميله, ثم تقول للجار:
نحن اقارب الحاج ابو جميل, ونحن على علم بهذه القصة و تقابلنا مع العم ابو جميل قي النجف الأشرف, واعطانا مفتاح الدار لننام فيه هذه الليله, وفجراً سـنغادر الى ... (صمت) !
لم يستوعب الجار ما سمعه من كلام مبهم , ويذعن للأمرالواقع عندما لاحظ مفتاح الدار بيد جميله,..ورحب بهما ثانية,..وقال :
أن لم توافقان على العشاء معنا فسوف أجلب العشاء الى البيت,..الا ان جميله لم توافق, واكدت له تناولهم العشاء في أحد المطاعم قرب محطة القطار وشكرته, وودعهم وعاد الى داره, فتقول:
هذا أشـلون لزگه,..عبالك لزكه جونـسـن !
تفتح جميله باب الداربمفتاح له بريق الذهب!, فيتعجب امحيسن, ويرفع شنطته ويدخل خلفها مذعوراً, ويزداد دهشة حينما شاهد اثاث البيت الذي لم يرى مثيلاً له في حياته, فالستائرمن الحريروالزهور الفواحة تملئ اركان البيت, فأصيب بالدوار لما رأى, ووقف حائرا, وكاد يسقط , فأحست جميله بحالته وهرعت لنجدته وفالت له:
لا تتعجب, انك ستشاهد ما هو اعظم,..اريدك ان تكون واعياً, فقد عوضني الله عن التعاسة التي عشتها في القرية بكنف والدك الظالم, الذي وقف بطريق سعادتنا, ..وفقدنا اجمل ايام حياتنا,..فأنا ووالدي لم نقترف ذنباً لكي يهددنا بالطرد من القرية, .. ثم ما ذنبك انت يهجرك من القرية لكي يقطع صلتك بي,..ولهذا قرروالدي أن يزوجني!
يتظاهرامحيسن بالهدوء قليلاً, ويستفسرعن زوجها,..وتخبره :
انه شهيد مثلي,..بسبب ما قدمه لي من خدمات وخلصني من قتل محتم على يد المجرم بن عمي, ونال شفاعتي, وتعهدت له بالحماية منك ,وسيصل بعد قليل, وسنغادركوكبكم معاً فجرهذا اليوم, فأرجو ان تحسن استقبالهّ عند اللقاء ولا تحمله اي ذنب,فيهزأمحيسن رأسه, فتستأذن جميله, وتدخل غرفة النوم لتغييرملابسها وترتدي ملابساً شـفافه, وتكمل زينتها , وتخرج مزهوة لتقف امام امحيسن كأجمل موديل !,أوقل كأنها حورية, فيغمى عليه,..وما أن يستنشق عبيقها, يسترد أنفاسه , ويدندن مع نفسه : من المحال ان تكون هذه المرأة من الأنـس,انها ملاك هبط من السماء,..ولم يتمالك نفسه ويدخل في في غيبوبة... فتـسرع جميله لأسعافه.
تُخرج جميله من شنطتها زجاجة عطور,وما ان شـمها حتى فاق, وحمدت الله,..وضمته الى صدرها, وشعر بالدفئ وطوقها بكلتا يديه, وقبلته بنهم , ثم قادته الى غرفة الضيافة وجلست على الكنبة طالبة منه الجلوس بجنبها.. وراح يمعن النظرفيها,..كالمسطول!, ثم جلـس بجانبها, فطوقته بذراعها وكان شفيعه ُلطف الغزال وقوة الأسد, ثم هامت به َوهام بهاً, وصارطوع ارادتها, ..فقد تجمدت الأفكار في دماغه ولم يستوعب الحديث معها,..الى أن قالت له :
حبيبي أمحيسن طالما كنت تحدثني في عهد الصبا عن (الجني) المعشعش في دماغك والذي يمدك بمعلومات المستقبل فتتحقق الرؤيا فهل مازلت بعلاقة معه؟, أم أن العلائق الدبلوماسية بينكما مقطوعة؟!
يبتسم أمحيسن ويضمها برغبة جامحة كبتها منذ عدة سـنوات,.. فتنتعش جميله وتنطلق بالكلام معه, طالبة أن يخبرها عما سيحدث لأمة العرب أوطاني من الشام لبغدان ,.. بعد سبعين سنة, فيوافق أمحيسن ويسألها : ولماذا اخترت هذا الرقم بالذات؟,فتقول:
لأنه يحتوي على رقم 7 وأن رقم سبعة مقدس,وتعدد له أمثلة:
أبواب النار 7 , و عجائب الدنيا 7 , و الطواف حول الكعبة 7
السعي بين الصفا والمروة 7 وعدد آيات الفاتحة 7 وعدد البحار7 والحلقة القادمة من مسلسل "حظ أمحيسن" أيضاً 7 !
يمعن أمحيسن نظره بهذه المخلوقة ويقول لها,..والله (الجني), تكهن بأمور ستقع في عالمنا العربي,ولكن ما من أحد يعرف نهايتها! وهكذا وكما يقال بالمثل اللبناني"سـيرة وأنفتحت" فراح أمحيسن يشرح ما سيقع من بلاوي في الربيع المنتظر,فأعترى جميلة الملل من سماع أحاديث القتل والتفجيرات لكي تصبغ الربيع العربي باللون الأحمر,.. فأمتعضت وراحت تبكي!,.. ثم حمدت ربها الذي أنعم علينا السكن بعيد عنهم! , ثم استدركت الوجوم الذي اعترى أمحيسن مما قد يقع بعد سبعين سنه وقالت : لنترك الخلق للخالق ,.. وغيرت الموضوع وطلبت من أمحيسن أن يقرأ القصيدة التي كان يهمس بها في أذنها عند التوجه معها الى المدرسة الأبتدائية بقريته ويقول لها:
غال والطلب رخيص, ثم يسرد الصدفة التي فجرت القصيدة وقال:
كل فرد منا يتذ كرحاله ايام المراهقة, والقشعريرة التي تنتابه حال لقاء "الحبيب", وتغص الكلمات في فمه, فتنقذه العيون للتحية او الرد بأحسن منها , مصحوبة ببسمة خفية عبر اشعة خفية لا يراها الا العشاق ,..ولكنهم لا يصرحون بها خوفاً من ان يلاحظها العذال !
وبعد سنوات عديدة, وجدت نفسي قابعاً تحت تلك الحالة بالرغم من وجودي في قرية والدي ومتحرر بالمقارنة مع اولاد الفلاحين , الا ان كلام الأهل وتخوفي من الجنس الآخر ظل مهيمن على شجاعتي الأدبية, ولا اتذكران بادرت بتحيتك ياجمولتي,..الا مرة واحدة دفعت ثمنها غالياً,.. وعدت لسابق عهدي بطريقة تحيتك,.. ثم كتبت قصيدة ياسـلام العين ياأحلى أنواع السـلام ,.. واليك نصها:
ياسلام العين يا احلى انواع السـلام
هز كياني وحطم افكاري بالأوهام
ابد والله ما انسى وجهك من أنام
ليش تنساني,..... وتنسه ايام الغرام
لا تجافي حبنا وخلي عشرتنه وئام
ولا تظن راح اصبر مثل باقي الأنام
انتهى عمري بصدودك و الأحلام
رد لي عمري بنظرة لو بشـوية كلام
يتبع في الحلقة/ السابعة
للراغبين الأطلاع على الحلقة الخامسة:
http://www.algardenia.com/maqalat/8453-2014-01-21-11-19-04.html
545 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع