احمد طابور
مؤخراً اصدر مجلس الوزراء العراقي قانونا يقضي بتحويل بعض الأقضية العراقية الى محافظات مستقلة ومن ضمنها قضائي طوز خرماتو وتلعفر وأحيل هذا القانون الى مجلس النواب للتصويت عليه حيث ان هذا القانون او غيره لا يمكن تطبيقه ما لم يشرعن من خلال التصويت له تحت قبة البرلمان .
بين القبول والرفض لهذا القرار
وقد صاحب هذا القرار موجة من الاعتراض والقبول ، فالمتفاعل مع أهالي الطوز وتلعفر وما يتعرض له الاهالي من قتل وتدمير وتهجير وخصوصا ما لحق بأهالي الطوز في الأشهر الاخيرة من استهداف واضح ولمآرب مختلفة والذي حذا بإعتبار الطوز قضاءً منكوبا فهو-اي المتفاعل- قبل وبشدة هذا القرار، اما الذي يعتقد بان هذا القرار يؤثر سلبا في المصالح (كالاقليم ومحافظة صلاح الدين ) التي تخصه رفض وبشدة هذا القرار ايضا ، فضلا عن ان هناك شريحة تعتقد ان مثل هذا الإجراء سيساهم في رفد المخطط المرسوم لتقسيم العراق ومن ثم الإجهاز عليه وهذا ايضا من رفض تنسنين هذا القرار .
القضاء يتحول الى محافظة مالداعي لذلك ؟
الية تحويل الأداريات من أدنى الى الأعلى لو جاز التعبير يخضع لضوابط ولقوانين سارية تعتمد على بعض المقومات واذا ما انطبقت على ناحية او قضاء فبالإمكان حينها استحصال الموافقات الرسمية لتتم عملية التحويل تلك فاعتقد جازما بان مجلس الوزراء اتخذ هذا القرار على أسس نصها الدستور العراقي ، فما هو المردود الإيجابي الذي سيتحقق حال ان تتم عملية التحويل تلك ؟ لنأخذ مثالا حيا على ارض الواقع وهو قضاء الطوز والذي يبلغ عدد قاطنيه حوالي ال ٢٠٠ الف فهو تابع لمحافظة صلاح الدين اداريا رغم بعده الجغرافي والعرقي عن تلك المحافظة وهذا البعد في المسافة شكل مشكلة كبيرة لأهالي الطوز في تحمل المشاق لإتمام معاملاتهم الإدارية فضلا عن ما اتسمت فيه تلك الرقعة الجغرافية الفاصلة بين القضاء والمحافظة وخصوصا بعد نيسان ٢٠٠٣ من ظهور للحركات الإرهابية المجرمة التي تتخذ من طبيعة المنطقة مكاناً لوجستيا لها ولطالما اعترضت تلك الجماعات أهالي قضاء الطوز اثناء ذهابهم وإيابهم الى المحافظة ومارست عليهم الخطف والتنكيل والقتل ، والكل يعلم بان قضاء الطوز في الآونة الاخيرة كان هدفا سهلا لتلك الجماعات والتي لم يكن بمقدور حكومة القضاء الإدارية اتخاذ مايلزم لردع تلك الهجمات والحفاظ على حياة وسلامة ساكني القضاء وذلك نتيجة ضوابط وآلية التشريع ، فبالتالي حين يتحول قضاء الطوز الى محافظة سيمكنهم من خلال الصلاحيات التي اوجبها وأسنها الدستور العراقي باتخاذ القرارات التي باماكانها ان تردع تلك الهجمات فضلا عن القرارات الاخرى التي ستصب في مصلحة تنمية المحافظة بشريا وماديا .
تحويل القضاء الى محافظة قوة ام ضعف ؟
لايمكن استيعاب مثل تلك القرارات التي تشكل العراق بصورة ادارية تختلف عن النمط السائد الذي جبل عليه العراقيون من خلال حكومة مركزية بيدها كل الخيوط والمرجعيات ، خلافا لما نص عليه الدستور العراقي الديمقراطي بعد سقوط نظام صدام الدكتاتوري حيث نص الدستور على ان العراق بلد فدرالي ، والفدرالية هي نظام سياسي اداري يقنن العلاقة بين المركز والمحافظات بحيث لايمكن للمركز ان يتحكم بالمحافظات رغم وجود سلطة على تلك المحافظات في بعض الأمور العامة التي تمس الوطن وكذلك يعطي الحرية للمحافظات بإدارة نفسها بنفسها على ان لا يجعلها تستغني عن المركز ، وهذا الأسلوب السياسي الاداري تنتهجه معظم الدول المتقدمة وأسوق منها سويسرا كمثال ، فسويسرا رغم صغر مساحتها الجغرافية المقدرة بحوالي ٤٢ الف كيلومتر مربع وبتعداد سكاني لا يتجاوز ال٧,٧ مليون نسمة الا ان سويسرا تتكون من ٢٦ كانتون ( أشبه بالمحافظة) كل كانتون له حكومته المتكونة من وزارة وبرلمان وقضاء وكل كانتون متكون من مجموع بلديات على سبيل المثال كانتون زوريخ الذي يقطنه المليون نسمة واكثر بقليل يتكون من ٢٦٠ بلدية وكل بلدية لها حكومتها الخاصة ايضا المتكون من مجلس برلمان وشرطة داخلية وحكومة محلية ، تلك هي الصيغة التي يدار بها البلد السويسري الذي وصل الى ان يتصدر اللوائح في الاستبيانات كأغنى الدول وأفضلها معيشة وهي لا تمتلك اي مورد طبيعي فقط نجحت من خلال الادارة السليمة للبلد من مبدأ " اهل مكة أدرى بشعابها" حيث يقوم سكان اقل وحدة ادارية متمثلة بالبلدية باستثمار طاقاتهم لخدمة منطقتهم بدون تشتت الطاقات بين المركز والمدينة مع الحفاظ على الروابط التي اسنها القانون السويسري إبان تشكله ، علما ان سويسرا خاضت حروب أهلية بين مكوناتها على خلفية العرق والمذهب لكنهم في النهاية جلسوا على طاولة الحوار وأسنوا دستورهم ومنذ مئتي سنة تقريبا لم يتقاتل السويسريون فيما بينهم ولم يخوضوا اي حرب ضد غيرهم .
وعليه امام هذا العرض البسيط لما تشكله من قوة الوحدة الإدارية الصغيرة والتي تكبر على شكل دوائر لتصل للمركز وضمن وشاج قانوني سيكون مدعاة قوة لا ضعف وهذا بتصوري ما سيصار عليه من قوة بائنة اذا ما انتهج العراق تلك السياسة الإدارية والتي ابتدأ خطواتها عبر تحويل قضائي طوز خرماتو وتلعفر الى محافظتين مستقلتين .
احمد طابور
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
652 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع