د.وليد الراوي
تسربت الاخبار عن نية الحكومة العراقية على التعاقد مع الجنرال بترايوس للعمل في العراق وعلى وجه التحديد في محافظة الانبار, بحجة القضاء على تنظيم القاعدة" داعش" لكونه قد حقق نجاحا اثناء خدمته في العراق في الحد من نفوذ تنظيم القاعدة.
تقول هذه الاخبار بانها جائت على ضوء اتصال هاتفي بين نائب الرئيس الاميركي بايدن مع رئيس الوزراء نوري المالكي , بالرغم من حصول لقاء بين بترايوس مع صالح المطلك والذي لايعرف اسباب ونتائج هذا اللقاء اثناء زيارة الاخير الى واشنطن.
قد يتعامل بترايوس مع الامر من وجهة نظر تجارية بحته كونه جنرال متقاعد في الوقت الحاضر ومن المؤكد انه يبحث عن صفقات تجارية مربحة.
لكن عودة على بدء فنجاح بترايوس عندما عمل في العراق قائدا لقوات الاحتلال الاميركي وقبل ان ينقل للعمل في افغانستان على امل نقل تجربته الى هناك ولكنه "باء بالفشل في تنفيذ مشروع الصحوات الافغانية", فنجاحه في العراق لم يأتي جزافا انما توفرت له ظروف مادية وموضوعية جيدة ساعدته على تحقيق النجاح , حيث تم تامين متطلبات الحسم العسكري ومن اهمها:
1.زيادة حجم القوات الاميركية العاملة في العراق لتصل الى 150 الف جندي تساندهم احدث الاسلحة المتنوعة وخصوصا طائرات الف 16 والاباشي.
2.نهج تنظيم القاعدة الاجرامي في استهداف حواظنهم الشعبية خصوصا في محافظة الانبار بعد ما اصاب التنظيم من غرور وبات يستهدف كل من لم يبايع التنظيم,مما ادى الى نفور حاظنتهم بل مساندة الحكومة العراقية في قتال تنظيم القاعدة.
3.الشروع بمشروع الصحوات والذي كان نجاحه سببا في خفض مستوى وجود وعمليات تنظيم القاعدة , هذا المشروع كان برعاية الجنرال بترايوس وجاء نتيجة رد فعل من قبل عشائر الانبار لمنهج القاعدة الاجرامي الذي استهدفهم اكثر مما استهدف القوات الاميركية.
4.حشد اعلامي هائل لمساندة القوات الاميركية ومشروع الصحوات.
5.توافق سياسي بين قوى العملية السياسية وبشكل ملحوظ.
6.مساندة بعض الدول العربية المعلومة لخطة القوات الاميركية في القضاء على تنظيم القاعدة في العراق.
هذه العوامل الاساسية ساعدت القوات الامريكية بقيادة بترايوس ومشروعه الصحوات في تحقيق نصر على تنظيم القاعدة .
لكن الامر مختلف في الوقت الحاضر بالرغم من محاولة الحكومة العراقية وبعض القوى السياسية المؤيدة لها من تصوير ان الامر بات مشابه لعام 2006-2007 بل اشد خطورة منه من حيث سيطرة تنظيم القاعدة على محافظة الانبار , وفي تصريح يثيرالاستغراب ويدل على حجم الامية المهنية لوكيل وزارة الداخلية الاقدم " الفيلد مارشال" عدنان الاسدي حين اعلن ان " داعش" لها القدرة بما تتوفر لها من امكانية في احتلال مدينة بغداد وانهاء نظام الحكم فيها.
حقيقة موقف القاعدة " داعش":
لقد تبنى تنظيم القاعدة المتمثل الان بالدولة الاسلامية في العراق والشام استراتيجية جديدة بعد ان وحد التنظيم ساحة عملياته"جهاده" لتشمل الارض السورية وفي امل قريب ضم الارض اللبنانية ليتم تحقيق حلم ابو مصعب الزرقاوي باقامة دولة الخلافة الاسلامية في عموم بلاد الشام والعراق.
هذه الاستراتيجية اعطت الاسبقية الاولى الى سوريا فعوامل انهيار النظام بانت قريبة في نظرهم , كما انهم حققوا انجازات كبرى عبر تحرير مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا
واصبح تنظيمهم فرع العراق هو الجهة المساندة الرئيسية لعملياتهم في سوريا وليس العكس بالرغم من ارسال كثير من الاسلحة النوعية والتي استولى عليها التنظيم من الجيش السوري الى العراق.
تتواجد عناصر "داعش" في محافظة الانبار مستخدمة صحرائها الشاسعة ووادي حوران الاستراتيجي ملاذا امنا لها حيث تتركز فيها بعض معسكرات التدريب وبعض المضافات لاستقبال المقاتلين الجدد, اما مفارزهم القتالية فغالبا ما تتواجد داخل المدن وهم جميعهم عراقيون.
نفذت داعش عمليات في الانبار مثلما نفذت في بغداد وبعض المدن العراقية الاخرى, لكن السيد المالكي اتهم كافة المتظاهرين السلميين في المحافظات السنية الست بالارهاب لاسباب عديدة من اهمها اسباب انتخابية وعدم سعيه للحوار الجدي مع المتظاهرين وحل الازمة بل عمد الى استخدام اسلوب التهديد والوعيد والقتل والمباشرة بالحل العسكري.
بترايوس والمعطيات الجديدة:
لم تعد تتوفر مسببات نجاح بترايوس في العراق عندما عمل قائدا لقوات الاحتلال الاميركي في الحد من نفوذ تنظيم القاعدة حيث تغيرت كامل الصورة وكما يلي:
1.لاتتوفر القوات العسكرية الكفوئة والقادرة على مجابهة تنظيم دولة العراق والشام لكونها لاتمتلك عقيدة قتالية وان غالبية عناصرها قد جائوا من ميليشيات " الدمج" كما تعاني القوات العراقية من حالة تدهور في الجانب المعنوي ونقص في الاسلحة المتطورة.
2.نتيجة نهج الحكومة الطائفي واستمرار سياسية الاقصاء والاعتقالات ضد مكون السنة خصوصا سيؤدي الى عدم مساندة العشائر الى جهد الحكومة في القضاء على الارهاب.
3.عدم مقدرة بترايوس وحكومة المالكي من تامين اسناد واسع لمجالس الصحوات تقاتل مع قوات المالكي في الوقت الحاضر .
4. ان غالبية العناصر المسلحة والتي تقاتل قوات المالكي هم من ابناء العشائر الذين يدافعون عن مناطقهم وهم نفسهم من قاتل تنظيم القاعدة سابقا.
5. نجحت حكومة المالكي بتامين جهد اعلامي من خلال تسخير قناة العربية والشرقية في ترديد رواية حكومة المالكي من انها تقاتل تنظيم القاعدة " داعش".
6. عدم وجود توافق سياسي بين اطراف العملية السياسية لتشخيص ما يجري لان غالبية القوى السنية والمعتدلة تعلم ان حقيقة ما يجري, وانهم ثوار عشائر وليس" داعش" بالرغم من وجود "داعش" وقيامه بعمليات اجرامية.
دلالات عدم سيطرة "داعش" على محافظة الانبار:
اعيد التاكيد بان تنظيم داعش متواجد في محافظة الانبار وكلهم من العشائر العراقية ولكنه ليس هو من فرض السيطرة والقتال في المحافظة ولقد بات واضحا للباحث والمتابع سلوك تنظيم القاعدة وان اختلفت مسمياته , هذا السلوك اذا ما قورن بما يتصرف به رجال العشائر الثائرة سيعطينا دليلا علميا خلاف ما ذهب اليه رئيس الحكومة ومن معه من انهم يقاتلون "داعش" .
1.لم يعلم ان تنظيم" داعش" قام باطلاق سراح اسرى عسكريين لديه عبر تاريخ عملهم في العراق او سوريا.
2.في تاريخ تنظيم القاعدة من افغانستان والى العراق لم يعلن التنظيم يوما دعوته الى اخلاء جثث قتلى خصومه من عسكر الحكومات.
3.قام مجلس عشائر الفلوجة بتعيين قائم مقام ومدير شرطه وهذا خلاف لما كان يفعله تنظيم القاعدة في مدينة الفلوجة ابان مرحلة سيطرته عليها عام 2004.
4.لم تسجل حالة واحدة في تاريخ تنظيم القاعدة من مناشدة الهلال الاحمر او الصليب الاحمر لاخلاء الاسرى.
5. لم يسبق لتنظيم القاعدة ان اعلن عن مبادرة سياسية لحل الازمة عبر وساطة شخصيات عراقية محترمة مثل السيد مقتدى الصدر او السيد مسعود البارزاني.
6. اطلق قادة عشائريون وعسكريون في محافظة الانبار عن استعدادهم لاستقبال اية جهة محايدة دولية او محلية للتحقيق ومعرفة حقيقة الامر في الانبار وهذا ما لم يقره تنظيم القاعدة اطلاقا.
الخاتمة:
ان اتهام حكومة المالكي لجميع اهالي الانبار بكونهم " داعش" عدا قلة قليلة تتمثل بالمحافظ ومجلسه وصحوات ابو ريشة والحرادن , ستؤدي الى فشل بترايوس في مهمته مما ستنهي حياته المهنية بفشل كبير بالرغم من حصوله على اموال طائلة.
ان داعش متواجدون في محافظة الانبار ولايعتقد ان حكومة المالكي ومن معها تستطيع اجبار العشائر في الانبار على طرد تنظيم القاعدة في الوقت الحاضر مادام هناك تهديد باقتحام مدنهم, لانهم كتحصيل حاصل سيكونون جهدا مؤثرا يقاتل ضد قوات المالكي اما خلاف ذلك فستكون العشائر العراقية في الانبار راس الحربة في قتال وطرد " داعش".
الدكتور
وليد الراوي
باحث في شؤون تنظيم القاعدة
551 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع