زينب حفني
عادت إلى الواجهة من جديد، القضية التي أعتاد الناس تناقلها، حول تورّط عدد من الدعاة السعوديين في تشجيع الشباب على السفر للبلدان التي تشهد حروباً داخلية كسوريا، ونزعات طائفية كالعراق، ومن قبلهما أفغانستان.
الإعلامي داود الشريان كان قد أثار هذه القضية من خلال برنامجه التلفزيوني «الثامنة» الذي يبث عبر إحدى الفضائيات، متهماً علانية عدداً من الدعاة المشهورين الذين يحظون بشعبيّة واسعة، كمحمد العريفي، وسلمان العودة، بتوريط الشباب، والزج بهم في حروب طويلة لا يعرف أحد مداها!
الإعلامي الشريان لم يأتِ بجديد، فالجميع يعلم بأن هناك عدداً كبيراً من الدعاة متطرفين في فكرهم، ويصبون هذا التطرّف في عقول الشباب الغض، بل ويُصدرونه إلى الخارج أيضاً، دون أن يجدوا محاسبة رادعة من الحكومة السعودية! ولو تعقبنا الأحوال الأسرية لهؤلاء، سنجد أنهم لا يحثون أبناءهم على الجهاد، ولم يدفعوهم يوماً لساحة المعارك! ولا أبالغ في القول إنهم يحرصون على أن يتعلّم أبناؤهم في الغرب، في الوقت الذي يُهاجمون فيه الابتعاث، وأنه مفسدة للشباب ودعوة لتغريب مجتمعاتنا! وكان المغرد الإماراتي حمد الحوسني قد عرض عبر حسابه على «تويتر»، عن استعداده تقديم مليون درهم لهؤلاء الدعاة إن فكّر أحدهم السفر لسوريا والجهاد فيها!
بالآونة الأخيرة، هذا الوضع لم يعد مقتصراً على الدول العربية والإسلامية، فهناك حالات ظهرت بالبلدان الأوروبيّة، تُظهر انحراف فكر عدد من الشباب، وجنوحهم بالدخول في الحركات الجهاديّة. وقد قام مؤخراً شابان فرنسيان تحولا من الكاثوليكيّة إلى الإسلام، بالسفر إلى سوريا للمشاركة في القتال بجانب الجهاديين الإسلاميين، وهو ما دفع الحكومة الفرنسية إلى التهديد بسجن كل من يذهب إلى هناك!
بلا شك هناك أيد خفيّة تلعب في الخفاء، وتقوم بعملية غسيل مخ لهؤلاء الصبية، للزج بهم في هذا المستنقع! وهو ما يرسم علامة استفهام كبرى عن المستفيد الحقيقي من الضحك على عقول الشباب، وضمهم للجماعات التكفيرية لتُحارب معهم جنباً إلى جنب!
لا أعرف إلى متى ستظل حكومتنا متسامحة مع هؤلاء الدعاة تحديداً، وترك الشباب لقمة سائغة لهم وفريسة لأفكارهم المتطرفة؟! متى ستتم مراقبة المنابر الدعوية التي يُشجّع بعضها على الفكر المتطرف؟! متى سنسعى بجديّة لتنقية مناهجنا التعليمية من الأفكار المتطرفة التي يتلقاها النشء، حتّى نُخرّج أجيالاً معتدلة فكريّاً؟!
لقد تطرقتُ سابقاً لهذه القضية مرّات ومرّات، وطالبت بوجوب أن يلتفت الدعاة للقضايا الحيويّة في مجتمعنا وتسليط الضوء عليها لتتم معالجتها جذريّاً، بدلاً من الدوران في ساقية المرأة، والتضييق عليها في مورد رزقها، بحجة حمايتها من ذئاب الطريق! وإلغاء الكلمة التي مللنا من تكرارها عن خصوصيّة الشعب السعودي، كأننا نعيش في بقعة معزولة عن العالم!
ماذا عن غياب الذمم، وتوغّل آفات الفساد بمجتمعنا التي قضت على الأخضر واليابس؟! لماذا يتغاضى مشايخنا عنها؟! هل لأن بعضهم للأسف له نصيب من «الكعكة» الكبيرة عند تقسيمها؟! ماذا عن مبادئ العدالة الاجتماعية التي ذهبت في خبر كان، وأدّى تلاشيها لأن يزداد الغني غنى، والفقير فقراً؟! ماذا عن العنف الأسري، وارتفاع حالات الطلاق، وازدياد حالات الاغتصاب؟! أقول ماذا بعد كل هذا!
القلب تعب من إطلاق الآهات! واللسان أُجهد من كثرة الشكوى، وأصبحتُ أشعر كأنني «أُذّن في مالطة» كما يقولون، لا حياة لمن تُنادي! ولا آذان صاغية لكل ما يُكتب من سلبيات! النهاية ستكون وخيمة على مجتمعنا، لأن الدعاة نسوا أدوارهم الحقيقية في توعية الناس وتوجيههم نحو مبادئ الحق والفضيلة، والدفع بهم للتعلّق بقشة، متناسين بأن القشة هي التي قصمت ظهر البعير!
570 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع