عصام أكرم الفيلي
اصيح بالخليج يا خليج
يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى
فيرجع الصدى كأنه النشيج
يا خليج ...
يا واهب المحار والردى ..!!
بدر شاكر السياب
الخليج خليجنا واللؤلؤ هبة السماء لنا ونصيبنا منهما ليس الا الاصداف والردى ، هذا هو بلدي على مر التاريخ وصدق السياب ، لا اريد ان اكون مأساوياً اكثر في هذا الصباح الذي احسست فيه ان فيروز ايضاً على غير عادتها حزينة مثلي ، تنحى جانباً ايها المسؤول المبجل بمصفحاتك وصفاراتك ومنطقتك الخضراء ، ودعني انتقل بالقارىء الكريم في منطقتي الغبراء الى ما حدث لي ليلة أمس عند قراءتي لقانون التقاعد الموحد .
( بعد اتنين وعشرين سنة خدمة فثانوي بتقولي أوووعد ! ) ، ذلك المشهد الشهير من مسرحية عادل امام هو أول ما ارتسم امام ناظري في تلك اللحظة المحبطة التي اكملت فيها بخيبة امل كبرى قراءة القانون النكتة ، بعد ان كنت اتابع اخباره بشوق وانتظره بلهفة منذ عدة سنوات ، حالي كحال ثلاثة ملايين من المتقاعدين الآخرين المسحوقين في بلد النهرين والنفط وبلد الخيرات واللصوص ، معلقاً عليه امالاً ساذجة بحياة كريمة كما ورد في الاسباب الموجبة التي نقشت حروفها في ذيل القانون الذي هو اصلاً عبارة عن ذيل ! ربما لطيبتي احسنت الظن بساسة البلد ومشرعيه وربما بسبب غبائي ، ناسياً أو متناسياً الكوارث الاخلاقية والمالية والادارية والاقتصادية والصحية والامنية والتربوية والسياسية التي جرها علينا هؤلاء انفسهم والقائمة تطول .
تخيلت نفسي وانا اتدافع بين جموع المساكين امثالي على شبابيك دائرة التقاعد القابعة في تلك البناية المتهالكة منذ دهور ، بشعري الاشيب وعرقي المتصبب حمماً في لهيب تموز ، حاملاً معاملتي بعد ان ملئت بعشرات التواقيع والاختام التي يحتاج كل واحد منها الى تدافع آخر في مكان آخر ، وبعد ظلم وجور ورشوة وكارتات موبايل ولفات كباب لا حصر لها ، وصلت أخيراً الى مبنى المديرية كعبة المتقاعدين ، متنقلاً ببصري بين مئات توزعوا دون انتظام هنا وهناك ، ما بين مفترش للأرض المليئة باعقاب السكائر يبكي ضياع العمر ، وبين كهل بترت ساقيه قادسية الاهوج ، فجاء تدفع كرسيه المتحرك ابنة له رثة الثياب ليتوسل احد احد مسؤولي الصدفة والزمن البغيض ، وجوه منهكة مغبرة وراء كل منها الف حكاية وحكاية ، تراجيديا اجاد الرعاة ولاة الأمر حياكة خيوطها الشيطانية ، احسست بربط غيبي حزين بين هذه المشاهد المأساوية وبين الاصل اليوناني لكلمة تراجيديا الذي يعني حرفياً ( اغنية الماعز ! ) .
اخذني الشرود الى المجهول ، سمعت قهقهة قادمة من بعيد ، انه احد ابناء الصفوة المختارة من الطبقة الممتازة من النخبة الراقية من علية القوم كما يقول اسماعيل يس متندراً في احد افلامه ، كان يضحك ملىء شدقيه بعد ان صرف اربعة ملايين دينار بالعاب هاتفه النقال والمقطع شهير على اليوتيوب ، احسست بضحكاته السمجة تصفع خمسة وعشرين سنة قضيتها في خدمة هذا الوطن ، فأشحت بوجهي عنه لافاجأ بسيدة تقول ان عشرة ملايين لا تكفيها لمنتصف الشهر وهذا المقطع اشهر ، هربت من هذه الصفعات المتلاحقة الى التلفاز فاذا بأحدهم يطل من شاشته ليخادعني بروعة هذا القانون حين تكرموا علينا بسقف ادنى للراتب التقاعدي ، سقف مهترىء لا يسد نصف ايجاري الشهري ، هل حقاً يرى الروعة في ان قيمة الانسان في ارذل العمر هي اقل من تكلفة جلسة سمر واحدة لامثالهم !؟ امام دهشة المذيع أخذ الضيف المشهور يلوي الكلمات والنصوص لياً كعادة الروزخونات ، محاولاً بصفاقة قل نظيرها ان يصور للمستضعفين ان اربعمائة الف انجاز اسطوري .
سرت باتجاه التلفاز اللعين لاحافظ على ما تبقى من كرامتي الانسانية باطفاءه ، فأذا بالضيف المشهور يرفع سبابته في وجهي لاعناً كفري بانجازاتهم الدونكيشوتية ، صارخاً في شيبتي ماذا تريد اكثر من هذا ايها الـــ ( مت قاعد ) ..!!
4 شباط 2014
553 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع