دم ُ حبر ٍ على صدر الوطن

                                         


                        مثنى عبيدة حسين

هناك خطان متساويان في الطول والعرض والتأثير قد أمن بهما حكامنا الطغاة على مر العصور والأزمان هما القوة والمال وما بينهما وما يضمانه من سطوة ونفوذ على عقول الرعية والشعوب المبتلية بهؤلاء الحكام الذي قذفت بهم الأقدار إلى أعلى مناصب الحكم وقيادة الدول في غفلة من الزمن .

حالما يتم  تنصيب الواحد منهم أو يقوم بتنصيب نفسه على رقاب البلاد والعباد حتى نراه يحمل السوط بيد والمال بيد أخر وطبعاً المال ليس مال أبيه أو ورثه عن علم ٍ أو سلطان ٍ أو تجارة أكتسبها بالحلال ليتصرف بها فيما ينفع ُ الناس . أنما هو مال الشعب ومن ثروات الوطن والتي بدلاً عن التفكير الجدي في الاستفادة منها في مشاريع وخطط عمرانية واقتصادية وثقافية وغيرها بما يعود بالخير للوطن نجد أن هذه الثروات تبدد على نزوات ومؤامرات وحروب ٍ تجر الويل والخراب.
 
 الأعلام واحداً من الأوجه المؤثرة والمهمة في حياة الشعوب وجزءً  مكملة لضروريات الحكم لذا أفرد لها الحكام مساحة واسعة في خططهم حيث يركز في أول خطاباته المطولة والتي لم يأتي أحدٌ من قبله أو بعده بما يقوله القائد العظيم وكأنه أضاف للغة الضاد ِ حرف جديد يركز على الأمن والرخاء والجنة الموعودة للفقراء من أبناء شعبه ويرسل لنا رسائل الاطمئنان المرفقة بالوعد والوعيد أن تقربنا أو تطلعنا  إلى أسوار القصر لذا علينا أن نأكل وننام كالدجاج ونحن نـُسبح ُ بمزاياه العظيمة ونحمد الله إننا نحي في زمن هذا القائد الكبير والعظيم وووووووووو .
 
طبعاً ما أن ينتهي الخطاب التاريخي الهام والذي قطعت له المحطات الفضائية والأرضية وكل الموجات العاملة على الهواء والفضاء  بث إرسالها لكل برامج اللهو والموبقات وحتى برامج الرياضة والشباب وصولاً إلى برامج الدعاة وحوار الأديان حتى أن المحطات الأجنبية تتهافت على بث مقاطع من هذا الخطاب المزلزل والهادءى في ذات الوقت ويحبس العالم أنفاسه وتتوقف محطات المترو والأنفاق والكل رافع ٌ رأسه إلى أعلى الشاشات ، ما أن ينتهي هذر الكلام حتى يبدأ بث الأغاني الوطنية والحماسية التي نرى فيها أوردة وعروق المطرب وهو يتغنى بمحبوب الشعب
ولا نعرف متى تم إعداد هذه الأغاني المهم أنها تبث ولا تسأل عن الوقت والزمان فكل ذلك في علوم الحاشية .
 
بعد أن نام الشعب نوماً هنيئاً والأحلام تتقافز برؤؤس الشباب وهم يتطلعون للغد الأتي بالمعاهد والكيات وأحدث الكتب والاصدارت والمزارع البسيط يحلم بان أرضه سوف تثمر ُ خيراً ونماء والمصانع تدور عجلاتها لكي ينطلق الوطن وتغزو صناعته كل الديار ، نسمع صوت الأمهات يطالبن الجميع بالنهوض ليوم ٍ لن يختلف عن باقي الأيام .
 
الصحف تملأ الأسواق وهي تتزين بصورة القائد وهو يقودنا نحو الدمار أو الفلاح المهم أن يقودنا قائد ويبدأ الأعلام وجيوشه الكبيرة وأذرعه المتعددة ببث الأوهام وصنع الانتصارات الورقية ويتم تعبئة الجماهير وفق فكر أننا قوم ٌ لن نهزم وأننا من يتطلع ألينا العالم بأسره  لكي نقوده وأننا سوف نفوز حتى بكأس العالم لكرة القدم ولن نبقي بطولة أو ميدان إلا أحرزنا السبق فيه .......
 
هذا الأعلام يحذرنا جداً من الأفكار الهدامة ما دامت هي مغايرة لرغبة السلطة وتوجهاتها لذا فان من يحملها هو إنسان غير وطني ويستحق كل ما يجري له وانه لم يستمع للنصح والإرشاد وأنه وأنه... حتى نصل إلى خاتمتها غير المباركة وهو أن هذا المواطن إرهابي نعم أنه إرهابي يستحق القتل والسحل واستباحة أرضه وماله وعرضه وأن لا يستحق نعيم الوطن وخيرات القائد الذي أفنى عمره من أجلنا ويريد لنا الخير فهل نجازيه بالعصيان .. لا وألف لا .
 
تتحرك جيوش الظلام يتقدمها الكثير من الإعلاميين والصحفيين الذين قضوا كل أعمارهم يـُقبلون أقدام الطغاة منحنية رؤوسهم لا يرفعونها بوجه الأسياد يتحركون وهو يستلون الأقلام وكأنها بنادق مخبئة تحت الملابس والأستار ويبدأ بوضع قطرات حبرٍ ليكتب كلمات ٍ تكون أسطرها مثل حبال ٍ  تلتف على الأعناق لكي تعصرها وتفجر الدماء من أجساد الأبرياء
إعلاميون لعبوا دوراً لا يقل خطورة عن أي انقلاب عسكري دموي يسحق الوطن تحت عجلات الدبابات.
 
إعلاميون ارتضوا أن يكتبوا صفحات وصفحات ضد الوطن والمواطن إرضاء للسجان حتى أنهم نسوا أن الله هو المحي والمميت فباتوا بقصائدهم وأشعارهم وأغانيهم ومقالاتهم يقولون في الطغاة ما لم تقله الكتب المقدسة في المرسلين والأنبياء.
 
نسمع الإذاعات والقنوات الفضائية وهي تبث أغاني وأناشيد تدعي أنها وطنية تصور لك بان الوطن بخير والأمور عال العال وكل شيء سوف يسير نحو الأمام وسوف يصبح وطننا أم الدنيا وأبو الدنيا وخير بلاد الله .
 
إعلام ٌ يرى أن أي مظاهرة أو اعتصام أو مطالبة بالحقوق هي عصيان وأن خيام المعتصمين هي معامل لصنع القنابل والمتفجرات لذا من المهم والضروري لكي نحافظ على أمن الوطن أن نسحب الدبابات والمدرعات من الحدود ونزجها في فض الاعتصام وأن تقلع الطائرات وتغير وجهتها إلى داخل المدن والقرى والقصبات لكي تهدم البيوت وتقتل العائلات لأن هذه العائلات في عرف إعلام ٍ محرض ٍ قاتلٍ هي عصابات إرهابية يجب تدميرها وسحقها وقتل أطفالها بدم ٍ بارد ٍ وتحت وقع الأناشيد والدعوات من وعاظٍ  قبضوا الثمن بالدرهم والدولار ، أعلام ٌٍ لا يستحي حين يدخل تلك الميادين والخيام وهو يسجل أنتصارت الجيش المقدام على أبناء وطنه والكاميرات تتنقل لكي تصور لنا مخابئ الأسلحة والمتفجرات وراجمات الصواريخ العابرة للقارات فإذا بهذه الكاميرات لا تجد ما روجت له طوال أشهر وأيام لان الخيام إما كانت منصوبة في الصحراء أو في الميادين وكلها مناطق مكشوفة وتحت الأنظار . ولا يوجد نفق أو سرداب أختبئ به هذا المارد العملاق وليس هناك مصانع أو أسلحة دمار شامل أو قذائف اللهب والنار .
 
أعلام يشد من يدي الطاغية ويعضد حملته على أهله وناسه وأبناء وطنه بدل ما يقول له قف فإنك ترتكب ُ المحرمات ، أعلام تصبح ُ فيه ممثلة الإغراء مفتية وعالمة بالدين والأعراف . ممثلون كاذبون خدعوا الملايين بالشعارات والأفلام التي تتحدث عن النضال والتقدمية ومصلحة الأوطان فإذا بهم يرتمون على فتات العسكر وطغاة هذا الزمان ، صحف ٍ ومجلات وقنوات فضائية وأرضية تبث السموم طوال النهار والليل تغير من الحق وتجعله باطل ، إعلانات وصور وملصقات كلها أو جلها مفبركة أو محرفة أو مجتزأة  ، مقدمي برامج يرقصون وينعقون مع كل ناعق وراقص ويلعبون على كل الحبال ما دام ذلك يرضي  السلطان ويدر عليهم بالدولار . تزيف وخداع وتبديل للوقائع والأحداث شهادات زور ٍ يخجل منها حتى الكذاب. هزائم بالحرب تم تصويرها من قبل الأعلام المخادع على أنها انتصارات .
 
 كل ذلك ودم الحبر وحبر الدم يزيد الاحتقان بالشارع ويرهب البسطاء وينفخ في النار ويجعل لهيبها ينتشر بين أرجاء الوطن الواحد ، ويشطر أجزاءه ويفكك أواصره الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية حتى بات الجار يخشى من جاره .  
 
أما من سكت من قنوات ٍ إعلامية بمختلف مشاربها وتوجهاتها عن استباحة الدماء فإن ذلك الأعلام الذي أراد أن يصور نفسه بأنه أعلام الجماهير والقناة الإعلامية الأولى المفضلة لدى الناس فانه لاذ بالصمت وتوجه نحو عرض أفلام ٍ وبرامج ٍ لا تمت للواقع وما يجري على الأرض وبذلك يسهم هذا الأعلام في التغطية على الجرائم المرتكبة من الحكومات والأنظمة وجيوشها وعسكرها الذي يبطش بالناس ،
 
هذا الأعلام الذي قبض الثمن مقدماً أو مؤخراً فهو كالجارية تباع وتشترى في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر. ولكن ما فات على هؤلاء المخادعين المخدوعين الخادعين أن الناس قد غادرت عالم الخوف والرعب وكسرت كل قواعد اللعبة التي أحكمت على رقابنا عقود ٍ طويلة أسست لها الدولة العميقة وجمهوريات الخوف ، فقد خرجت الجماهير بصدورها العارية وإيمانها الكبير تقف بوجه الطغاة ووسائل أعلامهم وقواتهم وبطشهم الدموي ، كما فات الأعلام الكاذب بأن وسائل الاتصالات الحديثة قد مكنت المواطن البسيط من تصوير كل ما يراه ويتعرض له هو أو مدينته ويقوم بالتعليق عليها وبثها مباشرة للعالم دون رقيب أو حسيب ، ولا نغفل دور بعض القنوات الفضائية التي أخذت على عاتقها عرض الحقائق وعدم حجبها للمعلومة وفتح أبوابها  أمام الجميع ليقولوا كلمتهم المكتومة منذ سنين .
 
كما هناك الشرفاء من أصحاب الكلمة والرأي ممن جعلوا أقلامهم وأشعارهم وكلماتهم وطاقتهم في خدمة قضايا الإنسان والوطن فهؤلاء هم الذين يستحقون التقدير والاحترام ويكفيهم فخراً انه وبعد أن يندثر الطغاة تبقى الشعوب الحية تنظر لصاحب الكلمة نظرة حب ٍ وعرفان ٍ واعتزاز حتى لو كانت عظامه مدفونة تحت التراب  أو قد ذاب في أحواض الأسيد .
 
 
كلمات الشرفاء تصبح أنشودة يغنيها الأطفال ولو بعد عشرات ومئات السنين أما كل ما صدر عن الطغاة وأعلامهم يصبح نسيناً منسيا . .
 
أن أهل الأعلام والصحافة وبكل مستوياتهم يتحملون وزراً كبيراً في توحيد شعب أو تمزيق وطن ٍ وأن حبر قلمهم أما يكون حبر خير ٍ على صدر الوطن أو دم ُ حبر ٍ على صدر الوطن .
 
الكلمة إما أن تكون رصاصة تقتل أو شجرة تــُثمر.
 
أختار كلماتك واختار موقفك ؟؟
 
فمن تكون ...
 
قاتل يــُحمل قلماً
أم إنساناً يداوي جرحاً بحبر ٍ وقلم ٍ ليبقى وساماً على صدر الوطن.
 
مثنى عبيدة حسين
 
4 / 2 / 2014 م

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع