النفط : لكي لايدق اسفينا بين المركز والاقليم

                                          

                           د. مؤيد عبد الستار
تبرز  بين آونة واخرى أزمة حادة بين المركز والاقليم حول انتاج النفط في اقليم كردستان أو نقله أو تصديره أو بيعه .. . الخ.

واذا حصرنا الازمة ونظرنا  اليها من زاويا محددة ، سـنجد انها بدأت منذ اليوم الاول لاستخراج النفط  في كردستان ، اذ انطلق النقاش بين المركزوالاقليم حول أحقية استثمار الحقول ، وهل يحق للاقليم المباشرة باستخراج النفط وابرام العقود  مع شركات عالمية  دون الرجوع الى وزارة النفط العراقية ؟
تـمت تسـوية تـلك المشـكلة بعـد أن أقـر المركز حق الاقـليم في اسـتخراج النفط والمضي في العقود التي ابرمها مع الشركات الكبرى على أن يصدر النفط بمعرفة  المركز  الذي سيدفع  تكاليف الشركات المستخرجة .
حين بدأت عملية تصدير النفط  بواسطة الناقلات الحوضية ( الشاحنات ) احتج  المركز على تهريب النفط خارج الاقليم ، وفيما بعد اتفق على نقل النفط الى تركيا عن طريق انابيب كركوك الى ميناء جيهان ، وبعد ان سويت هذه المشكلة ظهرت اخرى تتعلق بانشاء انبوب نقل جديد ينقل النفط الى تركيا غير مرتبط بالانابيب المركزية ، وقيل انه ربط  وراء العدادات كي لا يعرف المركز كمية النفط المصدر .
وفيما بعد ظهرت أزمة العوائد الـمالية الواردة للاقليم من بيع النفط ، وتم الاتفاق على وضع الاموال في صندوق التنمية في امريكا  على أن توزع فيما بعد على المركز والاقليم  بنسب معينة  بعد حسم حصة تركيا من المبيعات .
وهكذا نجد ان مسلسل الازمات المتتالية اسـتمـر لسنوات دون التوصل الى حـلول عملية لوضع عربة  النفط على السكة .
كان النفط منذ اليوم الاول لاستخراجه في العراق مثار نزاعات وحروب خفية وعلنية ، تجلت في العديد من المظاهر ، وادت الى اضطهاد المواطنين سواء العرب او الكرد او التركمان ، ولكن حظ الكرد من الاضطهاد  كان متميزا ، حتى تعريب كركوك على حساب سكانها الكرد كان سببه النفط ، كما لم تسلم خانقين من التعريب بسبب نفطها المعروف بحقل النفط  خانه ، اضافة الى تعرض الكرد الى تمزيق جسدهم القومي والجغرافي من قبل بريطانيا اوائل عشرينات القرن الماضي ، والتحايل على الشعب الكردي وشعوب المنطقة وتقسيم السكان والبلدان وفقا لاتفاقيات سايكس بيكو الشهيرة وما سبقها من اتفاقيات استرقاقية جعلت شعوب الشرق الاوسط غنيمة ولقمة سائغة  لاوربا النهمة الى الثروات الطبيعية و المعدنية والى الاسواق لترويج وبيع  بضائعها وصناعتها المتنامية .
قيدت الدول الاوربية  شعوب الشرق الاوسط باتـفاقـيات اضافية  واملاء شروط شركات النفط  الاحتكارية  واخضاع البلدان والحكومات الى سياساتها الاقتصادية المستغلة – بكسر الغين -  حتى كانت الشركات تتدخل في تنصيب الحكام ومعاقبة الشعوب من خلال ايقاف دفع المستحقات المالية التي عليها والاستيلاء على الاراضي المنتجة للنفط دون مقابل ومنها حقول النفط العراقية  التي  انتزعها القانون رقم 80 في عهد الجمهورية الاولي على يد الزعيم عبد الكريم قاسم ، فعملت الشركات على التخلص من حكومته بمجازر دموية عام 1963.
وهي تلك الشركات  نفسها التي تخلصت  ايضا من حكم مصدق في ايران في خمسينات القرن الماضي بسبب تأميمه النفط .
العراق الفيدرالي
بعد تحرير العراق من طغـمة صدام عام 2003 اصبح  العراق دولة فيدرالية ( اتحادية ) واختار الكرد البقاء ضمن عراق موحد فيدرالي ، وهو ما يستوجب العيش ضمن شروط اخرى تختلف عن ما كان سائدا في العراق السابق ، اي عراق الطغمة الصدامية ، عراق الدكتاتورية ، عراق الدولة الموحدة  الواحدة ، عراق الحكم الشمولي ، عراق السلطة المركزية الواحدة ، عراق الحزب الواحد ، عراق الدين الواحد ، عراق الاقتصاد الواحد ، عراق الحاكم الواحد .. الخ من وحدانيات تستطيع استنباطها بما يتناسب مع فهمك وقبولك للفيدرالية .
في ظل  اختيار العراق للحكم الفيدرالي - الاتحادي، حصل على أكثر من طريقة للعيش المشترك ، سواء بين الاديان او بين القوميات او بين الطوائف والمذاهب  ، لاينص عليها  بالضرورة مصطلح الفيدرالية  بالتفصيل والتحديد ، لان الشيطان يكمن في التفاصيل ، لذلك بات من الضروري  الاتفاق على صيغ معلومة لهذه الفيدرالية تتماشى مع الواقع القومي او الديني او الطائفي ، فالفيدرالية ليست شارع نيفسكي كما يقال عن السياسة ، على اساس ان شارع نيفسكي شارع مستقيم ، وهو ما شاهدته حقا في مدينة سانت بطرسبرج  الروسية ، فالفيدرالية تحتمل العديد من الصيغ التي تسهل تعايش القوميات والاديان والطوائف والمذاهب ضمن الدولة الفيدرالية الواحدة .
ليس من العدالة الالتزام بصيغة ضيقة الافق تكون نتيجتها حربا او معركة بين الاطراف الراغبة في التعايش ضمن بلد واحد ، او مجتمع واحد ، وانما الاسلم البحث عن صيغ مرنة تسهل مسيرة العيش المشترك بين الاطراف المختلفة كي تتمكن من انجاز مهام المرحلة التاريخية الحالية ، التي قد تكون فيها احتمالات  الخسارة الجزئية  قائمة ، مقابل  الاستفادة من دفع عجلة الزمن الى أمام والتي ستذلل المشاكل الحالية مستقبلا .
 فالمستقبل الواعد لازدهار العراق بسبب موارده النفطية الهائلة فيه مفتاح حلول المشاكل المعقدة التي ورثها من النظام الطغموي السابق الذي عمل على تـدمـير أسس ومقومات مشروع الدولة القابلة على العيش برخاء يعم جميع مواطنيها . بدلا من ذلك  جعلها نظام حزب البعث دولة ممسوخة عم البؤس ملايين المواطنين فيها  مقابل حفنة  رثة استولت  على  السلطة و نعمت  بثروات البلاد .
الذهب الاسود
ينتج العراق ما يزيد على  ثلاثة ملايين برميل نفط  يوميا في الوقت الحاضر مرشحة للزيادة الى  خمسة ملايين برميل يوميا ، واعلنت كوردستان انها تنتج حوالي نصف مليون برميل يوميا ستعمل على زيادتها في المستقبل القريب الى مليون برميل يوميا.
إن أسـلم الحلول الجادة للسيطرة على هذه الثروة النفطية ، العمل على انجاز قانون النفط والغاز ، واقراره في مجلس النواب ، مع التأكيد على ان يكون نافذ المفعول لمدة زمنية محددة ، كأن يكون نافذا لمدة خمس سنوات فقط غير قابلة للتمديد ، على ان يعاد النظر فيه وتعديله  في المستقبل  كي ينظم العلاقة النفطية بين المركز والاقليم ، وفـق هذه الصياغة  وتحديد المدة ، ستكون تجربة تطبيق القانون المحك الفعلي للطرفين  تظهر الاستفادة من الثروة النفطية والغازية ، والحكم على هذه التجربة من خلال تقييمها واعادة كتابة  القانون ليكون ملائما لمتطلبات الاقتصاد العراقي بشقيه في المركز والاقليم .
اما الاصرار على حـق المركز فقط في استخراج و تصدير وبيع النفط  واستلام العائدات المالية ، فلن يسهم في الحفاظ على العراق الفيدرالي ، بل ربما سيفتت العراق الى اقاليم ، لذلك يجب التضحية ببعض الجزئيات من أجل البقاء على الكل خلال هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق ، فالشرق الاوسط يعج بالمعضلات التي تنتظر الحلول العقلانية والحكيمة ، وبدأت بوادر الانفراج من خلال البوابة الايرانية والغاء بعض العقوبات والمفاوضات حول البرنامج النووي ، ولربما يسهم انعقاد مؤتمر جنيف 2 في تهدئة الجبهة السورية المشتعلة بالنيران الملتهبة .
العراق ايضا يصارع من أجل القضاء على الارهاب المستوطن في الصحراء  الغربية ، واعلان امريكا الوقوف الى جانب العراق في هذا الصراع ربما يساعد على تعافيه من آثار هذا الجرح النازف .
لذلك فالاحتكام الى العقل والحكمة في التعامل مع المشكلات الاقتصادية الناتجة عن استخراج النفط وتصديره وبيعه خير علاج للازمة الحالية ، وبالمقابل يتوجب على الاقليم فتح ابواب التفاهم الجاد مع المركز وعدم اعتبار المركز طرفا معاديا او حكومة معادية ، بل يجب على الاقليم التفاهم على سبل التصدير وتسويق وبيع النفط ، والشفافية في الكشوفات المالية استنادا الى التعاون بين الجهات والبنوك والدوائر المالية المسؤولة في المركز والاقليم ، وترك امر تلك البيانات والجداول الحسابية والمالية والرقابية   للجهات المختصة والبنوك الرصينة  لدى كلا الطرفين .
 نفط البصرة
جراء تفاعل ازمة النفط بين المركز والاقليم تطرح الجهات المسؤولة في وزارة النفط قضية حق المركز في الاشراف على الثروة النفطية باعتبارها ثروة الشعب ، وهي ثروة سيادية اقر الدستور بان المركز هو الذي يشرف عليها ، واذا استطاع اقليم كردستان التصرف بنفطه ، استخراجه وتصديره وبيعه ، فان ذلك يحفز المدن المنتجة للنفط مثل البصرة والعمارة على التصرف بنفطها ايضا .
هنا يجب ان لا نغفل عدم شرعية مثل هذه الافكار والطروحات  ، لان الاقليم ليس مثل المحافظات ، صحيح ان البصرة وكركوك والعمارة وواسط والناصرية تشترك في انتاج النفط والغاز ، ولكن هذا لا يعطيها الحق في ان تحذو حذو اقليم كردستان في التصرف بالنفط ، ويجب بيان الوضع الفيدرالي الخاص لاقليم كردستان والذي يؤهله لامتلاك حرس حدود ، البيشمركة  – متفق عليها ، وموجودة كحقيقة على الارض قبل سقوط  النظام ، ساهمت في اسقاط النظام الصدامي ايضا – ، ميزانية خاصة  بالاقليم ، منافذ حدودية متعددة  ، علما ان كل تلك الامتيازات تصب بشكل مباشر او غير مباشر في صالح العراق كبلد فيدرالي ، ويجب ان لاننظر الى اقليم كردستان كجزء منفصل عن العراق  ما دام موجودا كأقليم فيدرالي .
 قد يعتقد البعض ان الاقليم  يتمتع بامتيازات اكبر من المحافظات،  ولكن تقسيم الموارد وتخصيص 17 % من الميزانية لاقليم كردستان يجعله في مستوى بقية المحافظات ، علما ان تغيير هذه النسبة او قبولها يجب ان يعتمد على التعداد السكاني وهو ما يجب ان تحرص على انجازه الحكومة المركزية  .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

651 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع