حظ أمحيسـن ! ..الحلقة الحادية عشر

                                           

        


حظ أمحيسـن!مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق منذ الحقبة الواقعة في الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد في 9/3/2003
  

                      الحلقة / الحادية عشر


غادر امحيسن مركز شرطة العباخانه, فرحاً وغيرمُصدقاً بزوال النحس عنه, ومـرًت الأيام,..وهدأ بعض الشـيئ, وتمكن من الوصـول الى مبنى وزارة الداخلية,.. وتوجه نحومكتب الأستعلامات,..وما ان وقف امام شـباك المراجعة,..حتى اطلت منه شـابة جميلة,فحملق فيها, وغصـت الكلمات في فمه,والفتاة تنظراليه بذهول, ومن دون كلام قدم لها الوثائق,فأستلمتها, وراحت تتصفحها, ثم طرحت عليه عـدة اسئلة فأجابها,..ثم طلبت منه ان يأخذ مقعداً في صـالة الأنتظار,حتى تناديه.
تمت المقابلة, وحصـل امحيسن على توصـية الى مديرالجنسية,  لتزويده  بشـهادة حسـن السلوك وعدم المحكومية,وهكذا, وبعد أتمامه لكافة الوثائق, قدمها الى دائرة البعثات لقبوله في بعثة هذاالعام لأكمال دراسته خارج العراق, وبعد عدة اسابيع, ظهرت النتائج وحصل على بعثة لدراسة الهندسة النووية خارج العراق!
حــسـد امحيسن نفــسه على  المكاســب التي تحققت, او قل, رحيل  النحس عنه, وحجزت له دائرة البعثات مقعداًعلى الخطوط الجوية الهولندية,كما زُودَ بالمال لشـراء الملابس اللائقة بطالب البعثة, وقبل موعد السـفر بيومين, قام بزيارة خاطفة وبسرية لقريته في أطراف الشطرة, لتوديع ألعائلة,وكان مشهداً أمتزجت فيه الهلاهل والدموع! وقد رافقه الأصدقاء لغاية محطة القطارفي ناحية (أور).   
توجه امحيسن في يوم السـفرالى مطاربغداد,.. وبعد انجازه كافة الأعمال المتعلقة بالمغادرة, دخل قاعة الأنتظار,.. فوقعت عينه على السـائق المبهم (الطلــسم), مرتدياً زياً أوربياً في غاية الأناقة,وحاملاً بيده حقيبة دبلوماسـية, ويدخن (الجرود),..فندب حظه,وتعجب لعودة النحـس بهكذا سرعة,.. فصرخ في قرارة نفسه,.. ثم أنزوى في مقهى المطاروراح يستمع لأغنية: عبد الجبار الدراجي:

دكتور جرحي الاولي عوفه
جرحي الجديد عيونك تشوفه
اكبر من الاول .. او مدته طول
جرحين صارن بالكَلب والروح ملهوفه
جرحي الاول بالگلب من يوم عشرتنه
والثاني آخ شكَد صعب واسبابه فركَتنه
دكتور هالاسباب منها الكَلب ما طاب
وهذه طبيبي حالتي مبينه ومعروفه
دكتور وصفو لي الصبر والصبر مليته
ولمن صبح حالي خطر شخصك تعنيته
اشكي لك الحاله .. من ولفي واعماله
وهذه طبيبي قصتي مبينه ومكشوفه !

 

انهارأمحيسن,وألتفت شـمالاً ويميناً, فوقعت عينه على الأنضباط العسـكري, .. واخبره بقصـته مع ذلك السـائق الذي ســـبب له كارثة كادت ان تقضي على مستقبله لولا تدخل السـيد وكيل وزارة الداخلية شخصياً,..ثم عرض على العسكري بعضاً من الوثائق الثبوتية!
 أسـتغرب العسكري, وراح ينظرله بأمعان,..وطلب جوازسفره ودقق في صلاحيته, وظل ممسـكاً به, وطلب منه مرافقته, وتوجها الى قاعة الأنتظار,.. نحو ذلك الرجل الذي اشار له, فحياه العسكري,.. فجاءه الجواب بلغة انكليزية سـليمة !
أستغرب الأنضـباط مما سـمع,..ونظرلمحيسن بريبة, ثم طلب جـواز ســـفر الرجل, وفحصـه بدقـة, وتبين انه اسـترالي!, وانه وكيل احدى الشـركات العالمية التي لها فروع عديدة, في العالم ومن بينها العراق, ولقد وصل القطربمهمة خاصة قبل شـهر!
اعتذرالأنضباط العسـكري من المسـافر,..وأعاد له جوازسـفره, ثم قاد امحيسن الى غرفة أمن المطار,وأنبه بقسـاوة, وأسـمعه محاضرة, وطالبه بعدم زج الناس بتهم قبل التأكد من صحتها!
اعتذرامحيسن  للعسـكري, بالرغم من ثقته التامة من ان ذلك الرجل هو نفـسـه السـائق المبهم , ولكن من اين له الدليل لكي يثبت صـدقه؟!
حان وقت المغادرة,..وركزامحيسن  نظره على مكان ذلك السائق ولم  يعثرله على اثر, ودب الأطمئنان عنده,..ولام نفسـه على التسرع بالشكوى من ذلك الأنسـان, طالما انه لم يبدي اية اسـاءة له.
صعد امحيسن الطائرة مع بقية الركاب, واسـتقبلته المضـيفة وقادته الى المقعد المخصص له وفق رقم تذكرة السـفر, ثم تناولت حقيبته ,.. ووضعتها في الرف المخصص لذلك الغرض.
حان موعد الأقلاع , وبدأت محركات الطائرة بالأزيز, ثم تحركت بسـرعة متزايدة, وبعد فترة وجيزة شـعرامحيسن باقلاعها, والتحليق في سـماء بغداد!,..و كان منظراً خلاباً,.. تنعم به  امحيسن من خلال النافذة المجاورة له, ولم  ينتبه كم مضـى من الوقت,..فقد بدأ توزيع الأطعمة الشـهية على المسـافرين, ووضـعَ امامه طبق يحتوي على عدة صحون من الطعام والخبز, واللحم, وملعقة وشـوكة وسـكين.
لم يتعود امحيسن على تناول الطعام بالشـوكة والسـكين, فمسـك الشـوكة باليمين والسـكين باليسـار وما ان غرزالشـوكة في قطعة اللحم لقطعها بالســكين حتى سـمع  صـوتاً من على يســارمقعده:
"ِوِلِك..بالعكـس,..السـكين باليمًنه, أتظًل دوم أمعيدي؟!"
التفت نحو الصـوت, وكان صوت السائق المبهم, ثم ابتسـم له وقال : أشــلون الصـحة.. يا أمحيــسن؟! "
صـرخ امحيسن بأعلى صـوته  ورمي الشـوكة والســكين من يده على الصحون , فولدت صوتا مزعجاً جلب انتباه الجالسـين بالقرب منه فهرعت نحوه احدى المضـيفات وقادته نحو مقصورة الخدمات, مبدية قلقها, وقدمت له  كوباً من الماء وبعض الأقراص المهدئة ,..وراحت تسـتفسـر منه عما اصـابه,..ولم يرغب بالكلام خوفاً من المضـاعفات التي قد تنجم من ذلك البلاء الذي لحق به لغاية الطائرة,..ولذا أخبر المضيفة عن سـبب آخر, وعلى ما يبدو اقتنعت وتركته يسـتلقي على كنبة في المقصـورة !
نام امحيسن, بعد ذلك نوماً عميقاً بسـبب الأقراص المهدئة,ولم يدري كم من الوقت قد مضى,الى أن شــعر بأنامل ناعمة تمـســد على كتفه برقة وحنان واستيقظ, وسـمع المضـيفة تقول له,ها نحن على الأرض فقد هبطت الطائرة  وحمداً لله على السلامة.
عاد امحيسن الى وعيه, ونظرالى من حوله,..فلقد غادركافة الركاب, ولاحظ المضيفات من حوله,وهن مبتهجات بعودة صحته من الصـدمة التي كادت ان تؤدي بحياته,.. وساعدته المضيفة التي اعتنت به ,..ثم توجهت معه نحو مقعده لأخذ شـنطته,وشكرها بحرارة,. ثم توجه نحو قاعة القادمون, وفي الممرلاحظ شـابة انيقة,حاملة لوحة مكتوب عليها اسـمه, فتوقف امامها, وقدم نفسـه, ورحبت به,..ثم قدمت له نفسـها, على انها موفدة من اتحاد الطلبة العرب,وطلبت منه جوازسفره, حتى  وكأي عراقي نقطة ضعفه المرأة تساعده في اكمال معاملة الشقراء,..وعلى الفور قدم لها دعوته لتناول العشاء, فشكرته,..وقالت ربما غداً سـأمرعليك للتجول طيلة اليوم!,لأنك ستبقى هنا ليومين!,..
 فودعها بصعوبة , ولسان حاله يردد ما قاله الزريق البغدادي :
 ودعته وبودي لو يودعني=صفوالحياة على أن لا أودعه


                              

وما أن دخل أمحيسن غرفته في الفندق, حتى أستلقى على السرير بملابسه ,..ثم فتح مسجله, وراح يستمع لأم كلثوم,.. وهي تغني من من كلمات الشاعر الهادي آدم ولحن الموسيقار محمد عبدالوهاب..

أغدا ألقاك ؟ يا خوف فؤادى من غدي
يالشوقى واحتراقى فى انتظار الموعد
آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه إقترابا
كنت أستدنيه لكن هبتهُ لما أهابَ
وأهلت فرحة القرب به حين إستجابَ
هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا
مهجة حرى وقلباً مسه الشوق فذابَ
أغداً ألقاك؟  
وغداً تكتنف الجنة أنهارا وظلا
وغدا ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولى
وغداً نسموا فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا
قد يكون الغيب حلوا
إنما الحاضر أحلى

                                                               

استيقظ أمحيسن متأخراًعلى رنين التلفون,..وفهم من المتحدث أن زميلته تنتظره, فكلمه مذعوراً, وقال : بعد ربع ساعة سأكون في الصالون, وبسرعة أخذ الحمام وغيرملابسه وهبط للقاء الصبية,وهو يردد:

"الحياة فرص والفرصـة ان لم تمسـك بها,..لا تتكرر!"
  

    

يتبع /ح 12
......
اقدم شكري لزميلي الدكتور حمدي القريشي, استاذ الأدب العربي في جامعة بغداد و الفاتح سابقاً, لمراجعته القصة لغوياً.
وأضيف شكري لأخي الدكتور عدنان على تقليمه المقالة من الشطحات النحوية الضارة !
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
استاذ جامعة بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

للراغبين الأطلاع على الحلقة العاشرة:

http://www.algardenia.com/maqalat/8883-2014-02-14-11-02-50.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

484 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع