الدكتور هيثم الشيباني
1. المدخل:
أتردد كثيرا في الكتابة ايجابا عن الشخصيات الفذة خشية أن أقع في فئة من يكتب مجاملة , وعليه أبتعد ما استطعت عن مدح الأحياء الا استثناء كي لا أقع في دائرة غير مستحبة الى نفسي ,أما الانسان الذي سوف أكتب عنه اليوم وهو في رحاب العلي القدير فأسأل الله له جنة عرضها السماوات والأرض , فانه ظاهرة يتعذر تكراراها , فمن الرجال من يبرز من خلال مشروع موضوع أصلا , ومن الناس من يخلق المشروع بنفسه وينشب أضافره متسلقا الجبال كي يصل الى غاياته , والراحل خليل ابراهيم حسين من الطراز الثاني .
وهو من ابرز الشخصيات التي تأثرت بها في مسيرتي الوظيفية والانسانية . كان رجلا صاحب رؤية وطنية ينظر بأفق استراتيجي نحو بناء منظومة علمية متطورة تعبر فوق الماضي الرتيب نحو المستقبل الفسيح الرحب , الذي يتسع الى كل الأفكار السليمة محتضنة منابع العلم والمعرفة وراعية لها .
من الثوابت التي تعلمناها هي ان المنصب الوظيفي ليس للتشريف والتكبر بل للخدمة والتفاني , وحسب هذا المفهوم يمكن أن تسقط عناوين الى القاع وترتفع أخرى الى القمه , ولنا امثلة من هذا الكلام.
لقد غطت فترة عملي في منظمة الطاقة الذريه مرحلة فارقة من عمري الوظيفي , وسوف أخصص لها ما تستحق من الكتابة اذا مد الله بالعمر . وهذا الوصف لا يعني أن العمل فيها كان نزهة بل كان تعبا حتى الأعياء وساعات طويلة من العمل دون كلل وطموح لا يعترف بالتوقف وانضباط عال حتى الصرامه.
وحيث أن توثيق تأريخ الأمة وقع في مصيدة الصراع بين الموضوعية التي تتطلب التأني والأنتظار كي نخرج من هول المصائب وبين الخوف من هروب المشهد عن عدسات المصور حتى لا تضيع تفاصيل اللقطه.
سبق عملي في المنظمه , وبعدها محطات مهمة طبعت صورها في ذاكرتي أبرزها ما أحدثته شخصية الراحل خليل ابراهيم حسين الزوبعي , ويتعذر على من يتحدث عن البرنامج النووي العراقي أن يتجاهل دوره في هذا العنوان المشرق من سفر الأمه , وهو المؤسس للصنف الكيمياوي في القوات المسلحة أيضا. (1)
أطل علينا أول مرة يبهرنا في محاضراته الفريدة في التأثير والمضمون في عام 1959ونحن طلاب على مقاعد الدراسه في الكلية العسكرية. منه سمعنا لأول مرة بمفاهيم استهوت عقولنا مثل السنة الضوئيه ونظرية اينشتاين النسبيه وعلاقتها بالأنشطار النووي التي استغلها تجار الحروب لانتاج السلاح النووي , وبالتالي استخدامه لقصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانييتين في آب 1945 مما أحدث خسائر بشريه وماديه مروعه بين السكان المدنيين والمباني والبنى التحتيه وبالتالي استسلام اليابان , في حين أن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا تعد ولا تحصى .
كانت محاضراته متباعدة لأنه معلم زائر وليس دائمي , ويقضى وقته في مسؤولياته الأخرى والسفر الى دول العالم لحضور المؤتمرات ا لعلمية , لكن ما كان يدهشنا هو أنه يحفظ كافة أسماءنا وكأنه لم يفارقنا .
2. مشوار مشرف :
·بعد قيام ثورة 1958 وهو من مؤسسي حركة الضباط الأحرار بصفتها الهيئة العليا التي خططت للتغيير , لم يستغل منصب معاون مدير الأستخبارات العسكريه ( المدير هو الشهيد رفعت الحاج سري) , وانما سلط اهتمامه على البناء العلمي في الدوله وصار يقتنص فرص تأهيل الملاكات البشرية في روسيا وأمريكا , دون كلل وكأنه يتسابق مع الزمن وحسنا فعل اذ سرعان ما غيرت السياسه الكثير من تلك الفرص مترجما مبدأ ننهل من كل مشرب مع الأحتفاظ بالأستقلال و الكرامه والثوابت الوطنيه . فانطلق بحركة وتنسيق لا يتوانى من أجل هذا الهدف . كان يحث على الثقافة العلميه والعسكريه ويشجع على النشر في هذه المجالات وقد أبهرتنا معلوماته الزاخرة التي جعلته يشبه الموسوعة التي تمشي على الأرض .
·بسبب توتر العلاقات السياسية بين العراق وأمريكا في عام 1959 , فقد أصدر المرحوم عبد الكريم قاسم قرارا بايقاف كافة الدورات العسكرية الى امريكا , بعد أن كنا في انتظار السفر في عام 1962 في أي لحظة , و تجاوزنا اختبارات اللغة والاختصاص العلمي . لكن العميد خليل بما كان يمتلكه من مهارات في اقناع المسؤول فقد استحصل موافقة المرحوم عبد الكريم قاسم على مشاركتنا في الدورة وكان عددنا خمسة وهكذا صارت دورتنا بالنسبة له هي القاعدة الصلبة التي تأسس عليها الصنف.
· هو المؤسس للصنف الكيمياوي في القـوات المسلـحة العراقية في عام 1965 , ثم استلم مسؤولية وزير الصناعة فأبدع فيها كعادته ووضع فيها بصماته القيادية والتتنظيمية , وبعده استلم راية الصنف اللواء الركن عبد الحافظ خزعل العباسي الذي كان خير خلف لخير سلف فنهض بالصنف بقفزات نوعيه باهره وجهود متميزة , و يمتلك شجاعة قول الحق والتمسك بالمبادئ والقيم وآداب الفرسان والاعتداد بالنفس سائلا الله له طول العمر , وأكمل برنامج التأهيل وايفاد المستحقين للدراسات العليا , وواصل مبدأ التعاون مع وزارات الدولة , فأسأل الله أن يمد بالعمر كي أكتب بحقه ما يليق في القادم من الأيام.
·استثمر العميد خليل موقعه في لجنة الطاقة الذريه في اشراك عدد من المختصين والفنيين من ضباط الصنف وأنا من ضمنهم , في دورة علميه في ستينيات القرن العشرين في معهد التدريب للنظائر المشعه الكائن في منطقة الشالجيه . عبرت الدورة عن قدرته في تخطي الروتين بين الوزارات واستثمار مناصبه ومهامه العلميه في وزارات متعدده منها لجنة الطاقة الذريه للتعشيق وتبادل المنفعه العلميه وتوسيع دائرة المستفيدين من أبناء البلد الواحد في علوم الفيزياء الذريه والفيزياء النوويه والأشعاع المؤين وطرق قياسه . قام بالتدريس في هذه الدوره العالم المتميز الدكتور جعفر البقال رحمه الله فقد كان مثالا للتواضع باقتدار , ومن شخصية هذا العالم القدير تعلمنا الكثير من الدروس الانسانية اضافة الى العلمية , فأسأل الله العون كي أعطيه حقه في مقال قادم.
· تضمنت برامج التدريب التي صممها العميد خليل ابراهيم على اشراك المتميزين من المختصين والفنيين في دورات متعاقبه في الولايات المتحده والأتحاد السوفياتي السابق واستقدام الخبراء السوفيات للتدريب بناءا على الشروط التعاقديه التي فرضها في كل صفقة شراء لمعدات الوقايه من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها تصليح وتعييرأجهزة كشف وقياس الأشعاع المؤين.
·أصدر سبعة أجزاء من موسوعة ثورة 14 تموز وكان في نيته اكمال الموسوعة الا أن أمر الله كان أسرع . أن ما يميز هذه الموسوعه هو الموضوعية والأمانة في نقل الحدث من أصحابه وبتوقيعهم الخطي وهذه المنهجية في توثيق التأريخ نادرة وعندما كتب عن الثوره وهو من صانعيها لم يفرض تلك الصفه على توثيق الحدث وتحليله.
· على الرغم من تمتعه بالقيادة الصارمه وجديته في العمل الا أن ذلك لم يسبق رعايته الأبويه والأنسانيه لكل من عمل معه وله في هذا الوصف مواقف مشهودة . لقد شق الراحل طريقه بمؤهلاته الشخصيه ومثابرته وكفاحه دون أن يوظف السياسة وهو من الفاعلين في حركة الضباط الأحرار ولا العشيرة وهو الزوبعي ولا أي عنوان ضيق فقد كان يؤمن بانتماءه الى العراق والأمة العربيه . صارت هذه الصفة نادرة في دنيا اليوم , وهناك تفاصيل مهمة أخرى عن شخصيته الفذه .
· لقد كان يؤمن رحمه الله ويبشر في بداية مشواره بضرورة بناء صرح عراقي علمي سلمي شامخ للطاقة الذريه يضم نخبة خيرة من أبناء العراق الغيارى ثم أصبح في أيامه الأخيره سعيدا بما سمعه عن النهضة التي حققتها منظمة الطاقة الذريه على يد قيادات مقتدرة وابناء غيارى و صار كأنه يقوي جسمه النحيل بمدد من تلك النهضه ليباهي بها الدنيا.
· من نتاجه السياسي المتميز ما صدر عن بيت الحكمة في بغداد حديثا وبطبعته الاولى لعام 2014كتاب ( الايام الاخيرة من حكم عبد الكريم قاسم في الوثائق البريطانية 28 كانون الثاني – 15 اذار 1963) تأليف العميد المتقاعد خليل ابراهيم الزوبعي واعداد الدكتور نوري عبد الحميد العاني ويقع في (112) صفحة من القطع المتوسط وتصدر غلاف الكتاب صورة فوتوغرافية تاريخية للفريق الركن الراحل عبد الكريم قاسم . يتضمن هذا الكتاب معلومات مثيرة وحقائق في غاية الاهمية استمدت من وثائق دائرة السجلات العامة.
وكان المؤلف قد صور هذه الوثائق من دائرة السجلات العامة في لندن وترجمها الى اللغة العربية وعلق عليها وفند بعض الاراء الواردة فيها , الا أن الكتاب طبع بعد وفاته .
3. مواقفه الانسانية :
آ . في منتصف ستينيات القرن العشرين فتح قرار تأسيس الجامعة المستنصرية حلما جميلا كنت أتمناه , اذ أن طموحي العلمي كان لدراسة الهندسة أما دخولي الى الكلية العسكرية فان له قصة أخرى , الا أن الجامعة لم تفتح فرع الهندسة في ذلك الحين وكان الأقرب هو فرع الفيزياء . كنت أعمل معلما في مدرسة الصنف وتبلغت مثل من يرغب من أقراني بأن وزارة الدفاع مستعدة أن ترشح منتسبيها وتتكفل بدفع أجور دراستهم وكانت ثمانين دينارا سنويا, فقمت بالتسجيل مع اثنين آخرين من الزملاء . بعد فترة من الانتظار اكتشفت أن ترشيحي كان محجوبا في ذلك الحين لأسباب تعصبية لا يعلم فيها العميد خليل . فحزنت حزنا شديدا وكتمت الحزن في داخلي انتظارا للحظة تحقيق الحلم , وكنت على ثقة أن هذه اللحظة قادمة باذن الله. بعد أيام قليلة أصدر رئيس الوزراء المرحوم عبد الرحمن البزاز أمرا بمنع موظفي الدولة من التسجيل في جامعة المستنصرية . علمت بالصدفة أن الصديق الوفي المرحوم هاشم حسون ( أبو اتحاد ) كان مسؤولا في الادارة والذاتية في جامعة المستنصرية في ذلك الحين , فعبرت له عن رغبتي في الدراسة فبشرني بأنه سوف يضمن قبولي في الجامعة شريطة أن أقدم أوراقي بصفة طالب وليس موظف , وهكذا تم قبولي في الصف الأول علوم , ووضعت التعصب خلفي .
باشرت في الدراسة بكل حماس ولم تكن سهلة علي بسبب ضغط العمل الوظيفي والتكتم الذي ترتب علي بسبب قرار رئيس الوزراء , وساعدتني عائلتي في تخفيف أعبائي المنزلية لأتفرغ الى الدراسة.
كنت قد كلفت في اجراء التدريب الأساسي للمراتب الجدد , فأعطيت لهذا الواجب كل الاهتمام , وساعدني بالارتقاء في مستوى التدريب الى أعلى ما يمكن وجود مقري مقابل مقر القوات الخاصة في معسكر الرشيد وفيها تعرفت على المرحوم الضابط اللامع المتميز شكري العزاوي , واستفدت منه كثيرا في أساليب التدريب الأساسي . زارني العميد خليل الى ساحة التدريب فأبدى اعجابه بالمستوى الراقي الذي شاهده بنفسه . وهنا جاءت فرصتي كي أستثمر الفوز فقلت له أريد اخبارك بمخالفة قمت بها لغاية نظيفة وأحتاج دعمك , فدهش وطلب مني الاستمرارا في الحديث . قلت له أنني الان في الصف الثاني كلية العلوم رغم صدور أمر من رئيس الوزراء بمنع تسجيل موظفي الدولة في الجامعة المستنصرية . أجاب بدون تردد سوف أدعمك وتوكل على الله طالما أنت مبدع في عملك , وهكذا بدأ مشواري الأكاديمي بعد بكالوريوس الفيزياء في الحصول على دبلوم عالي في الوقاية من الاشعاع المؤين ثم الماجستير في الفيزياء النووية ثم الدكتوراه في الفيزياء النووية من بريطانيا في سبعينيات القرن العشرين , وبعد العودة من دراسة الدكتوراه وجدت أن العباسي قد غادر ادارة الصنف الى التقاعد بناء على طلبه و أن أجواء الصنف ليست كما أتمنى وأحلم.
ب . دفاعه من أجل الحق:
بسبب حركة نقل الضباط في عموم الجيش في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين , نال ضباط الصنف نصيب من التنقلات المتسرعة وغير المدروسة الى صنوف أخرى , فبعد أن تأكد أن هؤلاء الضباط لا حول لهم , انتخى الراحل خليل ابراهيم حسين لاعادة الحق الى نصابه واستعادة الضباط الذين عول عليهم الكثير لبناء الصنف الموعود , فقام بمقابلة المرحوم عبد السلام عارف , فشرح له أهمية الصنف ومستقبله والقواعد التي تبنى هذا الصنف وايجازا وافيا عن أهمية بناء الأسس السليمة من الملاكات البشرية . اقتنع رئيس الجمهورية بمبررات العميد خليل وايضاحاته المهنية الموضوعية , فتم اعادة الجميع الى الصنف وتصويب الخلل , فالسؤال بعد تجاوزي السبعين من عمري هو كم من الناس نرى مثل هذا الرجل في عالم اليوم؟
4. بعض ما كتب عن الراحل
آ .قال عنه الاستاذ حميد المطبعي في (موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين) وكتب عنه باحثون عدة منهم الأستاذ الدكتور ابراهيم العلاف ما يلي : (2)
- ولد خليل ابراهيم حسين الزوبعي في ناحية العزيزية في محافظة واسط ( الكوت)سنة 1924 وفيهاأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية .
تخرج من الكلية العسكرية في بغدأد , وتلقى علومه العسكرية العليا في المدارس العسكرية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ( السابق) وبريطانيا ومصر والمانيا , وحصل على شهادات عليا كان منها حصوله على شهادة الماجستير في اقتصاديات البترول والطاقة . عمل في مناصب عديدة كان أبرزها عضويته في لجنة التنسيق للهيئة الفنية الثانية في مجلس الاعمار للفتره 1957 ـ1958 ومعاون مدير الاستخبارات العسكرية بعد ثورة 14 تموز 1958 عندما كان مديرها المرحوم العقيد الشهيد رفعت الحاج سري . ترأس تحرير المجلة العسكرية لبضعة سنوات. اصبح مسؤول التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع لفترة من الزمن ثم شغل منصب وزير الصناعة 1967 ـ 1968 . له مؤلفات عديدة زادت على الـ (20) كتابا. ترجم بعض الكتب . كان عضوا في اتحاد المؤرخين العرب .
كان من تنظيم الضباط الاحرار في العراق ، وقد عرف بين صحبه واصدقائه ب ( خليل رويتر)، لما كان يحمله من ذاكرة حادة وقادة، ومتابعة متميزة وما يجري حوله , ولثقافته التاريخية والاسلامية والعلمية والعسكرية والاقتصادية والذرية .
-أضاف الى سلسلة كتبه عن ثورة 14 تموز مجموعة أخرى من الكتب الجديدة وصل عددها الى (اربعة كتب) حول ( العراق في الوثائق البريطانية - 1958 1959 ) .
- كان الاستاذ خليل ابراهيم حسين الزوبعي يحفظ تاريخ العراق المعاصر في أدق مراحله , وذلك من خلال المعلومات القيمة التي أخذها من رجال ذلك العهد , سواء كانوا ضباطا أو قادة عسكريين او وزراء او رؤساء وزارات ومن وثائق بريطانية وعراقية وجهده في هذا الجانب يعد مكملا لجهد مؤرخ العراق الكبير الراحل السيد عبد الرزاق الحسني صاحب ( تاريخ الوزارات العراقية) 1921 ـ1958 .
- اشترك المرحوم الزوبعي في حرب فلسطين 1948 , واسهم في تدريب الثوار الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي . صار عضوا مؤسسا في ادارة المجلس العربي المشترك للطاقة الذرية. وشغل عضوية لجنة الطاقة الذرية 1957 ـ 1968، وتولى منصب المحلق العسكري في السفارة العراقية بواشنطن 1967 وشارك لاكثر من مرة في اجتماعات مجلس الدفاع العربي المشترك .
- كرم الاستاذ الزوبعي في مناسبات عديدة وكان آخرها تكريمه من قبل مؤسسة بيت الحكمة ( بغداد) التابعة لمجلس الوزراء . وقد جرى احتفال كبير كتبت عنه الصحافة العراقية يوم 24 تشرين الثاني سنة 2002 ومما قالته الصحافة انذاك ما يلي :
- لقد تخرج بتفوق ضابطا في عام 1943 وحصل على شهادات جامعية أولية وعليا في اختصاصات مختلفة وألف اكثر من سبعين كتابا وبحثا مطبوعا في اقتصاديات الطاقة والنفط والذرة والتاريخ والاقتصاد الاسلامي . لقد كان مؤرخا موضوعيا منصفا شجاعا في قول الحق صاحب مروءة أمينا .
- فالرجل لم يكف عن تقديم مالديه من وثائق وكتب ومعلومات الى من يطلبها من طلبة الدراسات التاريخية العليا.
ب . في عقد الستينيات من القرن الماضي كان أنشط سكرتير عام للجنة الطاقة الذرية هو العميد المرحوم خليل ابراهيم حسين الزوبعي فهو بالرغم من كونه مديرا للصنف الكيمياوي فقد كان يمتلك نظرة صائبة وامكانات عالية في التخطيط والتنفيذ وترك بصماته الواضحة على المشاريع التي تولت اللجنة تنفيذها في تلك الفترة ( 3 )
5. من نتاجه السياسي المتميز ما صدر عن بيت الحكمة في بغداد حديثا وبطبعته الاولى لهذا العام 2014كتاب ( الايام الاخيرة من حكم عبد الكريم قاسم في الوثائق البريطانية 28كانون الثاني – 15 اذار 1963) تأليف العميد المتقاعد خليل ابراهيم الزوبعي واعداد الدكتور نوري عبد الحميد العاني ويقع في (112) صفحة من القطع المتوسط وتصدر غلاف الكتاب صورة فوتوغرافية تاريخية للفريق الركن الراحل عبد الكريم قاسم.
يتضمن هذا الكتاب معلومات مثيرة وحقائق في غاية الاهمية استمدت من وثائق دائرة السجلات العامة.
وكان الراحل العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين الزوبعي قد صور هذه الوثائق من دائرة السجلات العامة في لندن وترجمها الى اللغة العربية وعلق عليها وفند بعض الاراء الواردة فيها , الا أن الكتاب طبع بعد وفاته .
6. كان الراحل خليل ابراهيم حسين يمتلك مكتبة نادرة زاخرة بكل أنواع العلوم والمعارف , وفي يوم من أيام شدة المرض عليه التقيته قمت بزيارته فقال أن الأطباء نصحوه بالعلاج في خارج العراق لكن تكاليف علاجه تقتضي منه بيع مكتبته , ثم أضاف قائلا لو بعت مكتبتي أموت أيضا لأني لا أستطيع العيش بدونها . لكن معلوماتي أن الدولة التفتت اليه بشكل ما والله أعلم . وكنت أتابع اخباره من خلال زميلي في منظمة الطاقة الذرية وجاره في مدينة اليرموك الأستاذ ناطق الدايني صاحب الوجه البشوش والنكتة الذكية الساخرة . لقد رحل العملاق خليل ابراهيم حسين في السابع عشر من كانون الأول عام 2002 الى الحياة الآخره, فنسأل الله له الرحمه والفردوس الأعلى وعذرا لك يا معلم الأجيال ان كان الكلام أقل مما تستحق .
7. رأي كاتب المقال :
اشتهر مصطلح أسلحة الدمار الشامل في العقود السابقة خصوصا بعد الحرب على العراق في عام 1991 , وهو نفس المصطلح المراد به الأسلحة الكتلوية وتسميه مصادر الجيش الأمريكي أسلحة ( الأن . بي . سي ) أي ألأسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية . وتشترك هذه الأنواع من الأسلحة بضراوتها وقدرتها على ابادة الحياة وفي مقدمتها البشر , ويضيف السلاح النووي أبعادا اخرى في التدمير فيشمل احداث الحرائق والعصف فوق سطح الأرض والماء والزلازل تحت سطح الأرض والماء . يسمى السلاح الكيمياوي سلاح الفقراء كما وأن السلاح البايولوجي أسهل وأرخص كلفة من الأسلحة الثلاثة.
من حيث الاختصاص العلمي الدقيق والخبرة المتراكمة والرؤية التحليلية لما يحصل في العالم بشكل عام وفي منطقتنا بشكل خاص , يعتقد الكاتب أن السعي لامتلاك السلاح البايولوجي والكيمياوي خطأ فاحش ومن السهولة أن يسعى اليه كل من العدو المؤكد والمحتمل, ويسهل أيضا أن تحصل عليه المجموعات غير النظامية مثل الميليشيات المسلحة , وهذه القوات تتتصرف دون ضوابط أو روادع وهناك أمثلة عالمية واقليمية على ذلك. أما السلاح النووي فان السعي لامتلاكه ينطوي على محاذير كثيرة منها كلفته العالية وسهولة استهداف المنشآت النووية في حالة نشوب صراع مسلح بين الدولتين أو اعلان الحرب بينهما , أو أنها تتعرض للاستهداف دون حرب , كما حصل عندما دمرت اسرائيل مفاعل 17 تموز في حزيران من سنة 1981 الذي تم شراؤه من فرنسا بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية . ثم دمرت الحرب على العراق مفاعل 14 تموز الروسي في ك2 من سنة 1991 المخصصان للأغراض السلمية .
والمسألة المهمة جدا هي أن استراتيجية الردع والردع المتدرج في الصراع النووي ما هي الا انتحار متبادل , ولا يوجد ضمان على توقفها عند حد معين وربما تؤدي الى فناء الحياة على المعمورة بأكملها. والأصح انسانيا و منطقيا هو نزع أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي من كل الدول التي تمتلك هذه الأسلحة ابتداءا من منطقتا .
ان مثالي اليايان وألمانيا بعد خسارتهما الحرب جديران بالتأمل والاقتداء , فقد صارتا من أقوى الدول المؤثرة في العالم بقوة الآقتصاد والتكنولوجيا , وهما على اقتدار تام و قريبتان جدا من خيار السلاح النووي في حالة اتخاذ القرار السياسي .
ان العقيدة الاستراتيجية لكاتب المقال بخصوص الطاقة تتلخص باستغلال الوقود الأحفوري المتاح في الوقت الحاضر جهد الامكان لانشاء المشاريع التنموية ذات الطبيعة المستدامة والصديقة للبيئة , والتخطيط من أجل التوجه الى البدائل الرخيصة والآمنه , تمهيدا للوصول الى نصب محطات عملاقة للطاقة الشمسية لكونها متوفرة في منطقتنا بسهولة ومعظم أيام السنة , ويجب الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والمد والجزر والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية , وتتميز هذه المصادر بأنها متوفرة لدى معظم دول العالم , وأن المصادر المحلية منها تنفع للأماكن النائية من نفس البلدان , وكونها اقتصادية وان استمراريتها مضمونة ولا تحدث ضوضاء ولا تستخدم تقنيات معقدة , كما أن العالم قد أعلن في مؤتمر كيوتو في اليابان خططا نحو تخفيض استخدام كافة مصادر الطاقة التي تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري والتلوث البيئي .
أما الطاقة النووية فقد صارت مغرية للانسان لأن بإمكان قطعة من اليورانيوم في حجم كرة المضرب إنتاج ما يساوي كمية الطاقة التي تطلقها حمولة من الفحم الحجري يبلغ وزنها ثلاثة ملايين ضعف وزن قطعة اليورانيوم , فانصرف العالم بقوة نحو استغلال اليورانيوم كمصدر للطاقة . لقد سبقنا العالم في استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية , فبدأ منذ عام 1954م في تسيير السفن الحربية و الغواصات حيث تعمل المحركات عدة شهور وتقوم برحلات طويلة حول العالم دون الحاجة للتزود بالوقود من الموانئ , و توجد حاليا أعداد هائلة من الغواصات وحاملات الطائرات العملاقة وكاسحات الجليد التي تسير بواسطة الطاقة النووية .
كما وتستخدم المفاعلات النووية في توليد الطاقة الكهربائية في كثير من دول العالم المتقدم ( مع تحفظنا على هذه الوسيلة بسبب كوارث ثري مايلز ايلاند في أمريكا وتشيرنوبيل في الاتحاد السوفياتي السابق وفوكوشيما في اليابان ) , و في توليد الطاقة اللازمة لتحلية مياه البحر حيث أن بعض الدول تعتمد على تحلية مياه البحر باستخدام هذه الوسيلة.
وللمفاعلات النووية استخدامات أخرى مثل تحضير النظائر المشعة للتطبيقات والأبحاث في كل فروع الطب والصناعة والزراعة , و الكيمياء و فيزياء الحالة الصلبة , ومتابعة العمليات الحيوية في النبات والحيوان والإنسان, ومشاكل مقاومة الآفات وزيادة المحاصيل الزراعية , وتشخيص وعلاج الأمراض في الجسم البشري وخاصة التعرف على الأورام وعلاجها , ودراسة الظواهر الطبيعية في الأرض والماء والجو , وتحديد أعمار التكوينات الجيولوجية والأملاح المعدنية وآثار الحضارات القديمة والنيازك القادمة من الفضاء والكشف والإشراف والتحكم في العمليات الصناعية والتركيب الداخلي للمواد المعدنية والخزفية وحفظ الأغذية والبسترة , بالإضافة إلى حل كثير من المشاكل العلمية ذات المردود الاقتصادي .
( 1 )استراتيجية البرنامج النووي في العراق في اطار سياسات العلم والتكنولوجيا , همام عبد الخالق عبد الغفور وعبد الحليم ابراهيم الحجاج , مركز دراسات الوحده العربيه , بيروت , نيسان 2009, ص 48.
( 2 )خليل ابراهيم حسين الزوبعي والتأريخ العراقي المعاصر , أ.د.ابراهيم خليل العلاف,
جريدة فتى العراق (الموصلية )العدد193 6 كانون الاول 2007 .
( 3 ) الاعتراف الأخير, حقيقة البرنامج النووي العراقي , د.جعفر ضياء جعفر, د.نعمان النعيمي , مركز دراسات الوحدة العربية , بيروت , آيار / مايو 2005.
الدكتور هيثم الشيباني
شباط 2014
الگاردينيا: اهلا بالأستاذ الدكتور/هيثم الشيباني في حداقنا.. زارتنا بالركة دكتور..
484 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع