إبراهيم الزبيدي
14 سيارة مفخخة تحصد في العراق في يوم واحد أرواح العشرات من المدنيين.
وفي عشرين يوما فقط من شهر شباط الحالي يُقتل أكثر من 480 مواطنا بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا الى مصادر أمنية وطبية، فيما قتل اكثر من 1460 مواطنا في هذه الأعمال منذ بداية العام الحالي، أي في أقل من شهرين. أليس العراق إذن سوريا أخرى تقتل أبناءها كل يوم؟
كل هذا والشارع العراقي ساكت، ورئيس الحكومة ساكت، وكأنه شيء طبيعي واعتيادي لا يثير ولا يخيف ولا يحتاج إلى كلام من أمير ولا غفير.
إلى هنا والأمر باقٍ شأنا عراقيا داخليا لا يؤذي سوى المواطنين العراقيين المدنيين الذين لا ناقة لهم مع المالكي، ولا جمل مع القاعدة أو داعش أومجاهدين آخرين مجندين تحت راية الإمام.
هذا كله يحدث وإدارة أوباما ما زالت تتغنى بـ (ديمقراطية) العراق، وترسل إلى حكومته الأسلحة والخبراء لدعم (جهادها) ضد الإرهاب والإرهابيين، وتعلن باستمرار عن دعمها الثابت والأكيد للعملية السياسية، وهي تعلم بأنها فاشلة وميتة ولا تستحي .
وهذا بحد ذاته لغز محير. فكيف تحتضن ديكتاتورا في العراق، وتطالب ديكتاتورا آخر في سوريا بالرحيل؟.
وهنا دعونا ننتقل إلى سوريا. فقد زعمت صحيفتا (وول ستريت جورنال) و (نيويورك تايمز) أن إدارة باراك أوباما، " تسعى إلى الضغط على النظام السوري وحليفه الروسي، وأنها تعيد النظر في خيارات (عسكرية) تتراوح بين تدريب المعارضة وتسليح الثوار المعتدلين وإنشاء مناطق حظر جوي"، وذلك بسبب فشل محادثات (جنيف2)، وخيبة أمل واشنطن في الدور الروسي، بعد أن أخل الكرملين باتفاقه معها ولم يضغط على بشار الأسد لزحلقته وإخراجه من الحكم بهيئة المرحلة الانتقالية .
ولكي نتأكد من جدية هذه الأنباء التي من المؤكد أن مخابرات أمريكا ووكالاتها المتخصصة بالأمن القومي هي التي قامت بتسريبها، علينا أن نختبر إدارة أوباما بما ستفعله في أعقاب اعتزال السيد مقتدى، بموضوع الدورة الثالثة التي أحرق المالكي، حليفُها وصديقهُا، من أجل الفوز بها ثلاثة أرباع العراق، وأغرقها بالدخان والدم والدموع.
إن خيارات أمريكا المفترضة، للخروج من المأزق السوري، لابد أن تكون عسكرية سياسية، دون شك. وحلولٌ عسكرية سياسية من الوزن الذي تحدثت عنه الصحيفتان الأمريكيتان لابد لها من خطوات واتفاقات وتفاهمات وتدريبات واستعدادات وتمهيدات، دولية وعربية وإقليمية، يحتاج القيام بها إلى شهور عديدة، وربما إلى عام، لتهيأة الساحة وتعبيدها وتنقيتها من المفخخات والمفرقعات والألغام، وضمان كسب معركة إسقاط الأسد بالحد الأدنى من الخسائر.
ودون أي شك سيكون الولي الفقيه أهمَّ وأكبرَ المتضررين من جهدٍ عسكري أو سياسي أمريكي إقليمي أوربي من هذا النوع يُراد له أن ينتهي بإسقاط بشار الأسد، وطرد كتائب حرسه الثوري ومسلحي حزب الله ومليشيات المالكي من سوريا.
ولأن مشروعه القومي الكبير الخطير الذي كلف شعبه أموالا طائلة ودماءً غزيرة سوف يتبخر برمشة عين إذا كُسر ظهرُه السوري، فإن العقل السليم يقول إن لطهران وعملائها المنتشرين في كل مكان أكثرَ من وسيلة مخابراتية وعملياتية لكي تتأكد من جدية مثل هذه التسريبات. وإذا ما تأكد لها أنها حقيقية وفي طريقها إلى التنفيذ الفعلي الأكيد فلابد أن تفاجيء خصومها المتآمرين على مصالحها القومية العليا بخطواتٍ احترازية استباقية لعرقلة هذه الجهود، حتى قبل أن تبدأ.
ويقول العقل والمنطق أيضا إن العراق هو الساحة الأولى المرشحة لكي تجري عليها المناطحة الإيرانية المرتقبة مع أمريكا وحلفائها.
ويقول العقل والمنطق أيضا إن إيران لن تجد أكثر إخلاصا لها من نوري المالكي وشلته، ولا أكثر فهما لمخططاتها، ولا أكبر قدرة على تفعيلها، ولا أشد حاجةً لجهدٍ إيراني عسكري سياسي يمنع الأمريكان والسعوديين والأتراك من الإطاحة بحليفه بشار، وإسقاطه هو شخصيا بعد ذلك، أو محاصرته وإضعافه، على أقل تقدير.
وبعد اعتزال السيد مقتدى الصدر، وهو الضلعُ الثالث المهم والأساسي في الائتلاف الشيعي، والمساهم بأربعين نائبا في البرلمان، وبثماني وزراء في الحكومة، وإعلانه أن العملية السياسية " بابٌ للظلم والاستهتار والامتهان ليتربع ديكتاتور وطاغوت، فيتسلط على الاموال فينهبها، وعلى الرقاب فيقصفها، وعلى المدن فيحاربها، وعلى الطوائف فيفرقها، وعلى الضمائر فيشتريها" صار لزاما على أمريكا أن تعلن موقفها الواضح والصريح في هذا المفصل الحساس من تاريخ العراق والمنطقة.
طبعا لا يستطيع المالكي أن يقنع الأمريكان بأن السيد مقتدى بعثي صدامي أو (قاعدي) أو (داعشي)، ولا سني تكفيري عميل للسعودية وتركيا، ولا حاسد وحاقد لم يحصل على وزارة أو مقعد نيابي، أو أنه اختلف مع المالكي على صفقة أو عمولة، كما فعل مع خصومه الآخرين.
من هنا يصبح من واجب السوريين أن يتمهلوا ويترقبوا ما سوف تفعله إدارة أوباما بحليفها وصديقها نوري المالكي، بعد أن تحول إلى طاغوت وبيدق إيراني مكشوف ومفضوح.
فمن الذي يستطيع أن يصدق جديتها في إسقاط الطاغوت السوري، في الوقت الذي ترعى فيه الطاغوت العراقي، وهما أخوان وحليفان ولا يفترقان؟ .
إن أمامنا أسابيع معدودة لكي يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فإن آمنت أمريكا بشهادة السيد مقتدى بأن العراق أصبح مجزرة وبؤرة تآمر وإرهاب وظلم وفساد وعمالة، وإذا اعترفت بأنها أخطأت بحق العراقيين حين ابتلتهم بنوري المالكي وشلته، وصار عليها تصحيح الخطأ، ثم انحازت بعد ذلك، علنا وبصدق وقوة وحماس، إلى ملايين العراقيين المتطلعين إلى الانعتاق، مثلُهم مثلُ أشقائهم السوريين، فصدقوها.
وبدون ذلك يكون ما زعمته صحيفتا (وول ستريت جورنال) و (نيويورك تايمز) هواءً في شبك، وكلاما عن السلاطين، ربما لإلهاء الناس، وتشغيل الإذاعات والفضائيات، وتهدأة الخواطر المكسورة، ولو إلى حين.
3443 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع