إبراهيم الزبيدي
من يراقب الأجواء السياسية العراقية هذه الأيام، وستزداد سخونتها في الأيام القادمة، لا يملك إلا أن يبكي بحرقة وهو يشاهد هذا الدرك من الانحدار الأخلاقي والقيمي والسلوكي الذي بلغه من يظنون أنفسهم زعماء وقادة، وهم لا يملكون من أخلاق القادة والزعماء شروى نقير.
فبدل أن يكون صراعهم الانتخابي صراع فرسان بالبرنامج الانتخابي وبالحلول الوطنية المقترحة لمصائب الوطن والمواطن أصبحوا يدخلون على ناخبيهم والرشوة بيد والخنجر والسكين باليد الأخرى، مع آخر االمبتكرات من الكلام الجارج الذي لا يقل أذى وتخريبا و(هجمان بيوت) عن براميل الأسد المتفجرة.
فليس من الأخلاق الرجولية أن تستخدم أساليب لاأخلاقية في الترويج لنفسك أو لكتلتك الانتخابية ثم تزعم أنك وطني وتريد أن تفوز لتبني وطنا وتحرر شعبا من عشر سنوات من الذل والخوف والجوع والعمالة والتخلف والفساد.
وليس من الزعامة في شيء أن تستغبي ناخبيك، وهم المفتحون في اللبن، فترمي منافسيك بقلة الخلق والأمانة والشرف وتزكي نفسك وحدك من كل عيب.
إن سلاح الشتم والتجريح ذو حدين، وقد يضر بحامله قبل عدوه، لأنه يكشف للناخبين ضحالة الشاتم وإسفافه وقلة تهذيبه فيهربون منه إلى خصومه بسهولة. والرجل القوي والواثق من نفسه يقارع منافسيه حجة بحجة، وفكرة بفكرة، وبرنامجا ببرنامج، ولا يحتكم إلا لعقل الناخب وضميره وحرية اختياره.
أما استحداث المواقع الألكترونية المجهول مكانها وعنوانها ومديرها المسؤول، واستكتاب مرتزقة يتخفون وراء أسماء مستعارة ليصبوا على السياسيين المنافسين، عربا وكوردا، شيعة وسنة، سيولا من الكلام البذيء والقصص الملفقة التي لا يصدقها عقل سليم. فكلهم، في نظر الموقع المشبوه، عملاء للموساد، وجواسيس للسي آي أي، وتجار رقيق يتاجرون بالنساء الأوكرانيات (لا أدري لماذا أوكرانيات)، إلا واحدا فقط، هو ممول الموقع ودافع أجور الشتامين، فوحده الشريف والنظيف والعفيف والأليف والخفيف.
حتى أنا العبد الفقير لله لحقني رذاذ من شتائم تلك المواقع، على لسان شتامٍ شجاع جدا يقاتل باسمٍ مستعار، ردا على مقالاتي السابقة عن تماسيح السياسة العراقية المعاصرة، فجعلني عميلا لكل مخابرات الدنيا، ومنها الموساد، طبعا، والسي آي أي، ولفق علي قصصا أقل ما يقال فيها إنها مضحكة لا قيمة لها ولا يصدقها سوى أصحاب الموقع الذي لا يعرفه غير مموله وشلةٍ من أبنائه وأفراد أسرته ومرتزقته لا غير.
والعراقيون كلهم يعرفون جيدا أن العميل للموساد والسي آي أي لا يعيش متغربا (مُهجوَلا) من بلد إلى بلد، ويقنع بالقليل، دون معين. بل إن مكانه هناك، وزيرا أو نائبا أو قائد قائمة أوزعيم كتلة، وصاحب ملايين وعقارات وشركات وفضائيات ومراكز دراسات ومواقع ألكترونية عديدة تلهج بكرمه ونزاهته ووطنيته، بما لا يقال حتى عن نلسن مانديلا.
تخيلوا هذا (الزعيم) الأمي الذي لم يقرأ جريدة في حياته وقد أصبح يوما رئيس جمهورية أو رئيس وزراء أو وزيرا أو نائبا، وهو الذي يحارب منافسيه ومعارضيه، اليوم، بهذه اللغة الهابطة التي لا تليق إلا برواد المقاهي الرخيصة التي يرتادها الجهلة والنصابون واللصوص والحشاشون والسكارى.
أو تأملوا هذا (الزعيم) الأمي وهو يصنع لكم وزراءكم ونوابكم وسفراءكم وقادة أمنكم وشرطتكم ومخابراتكم. إن من المؤكد ألا يكونوا إلا مثله ومن خامته السيئة.
ثم إذا كان هؤلاء ينافسون بعضَهم اليوم بتلفيق القصص الشوارعية المعيبة إلى هذه الدرجة، فكيف يمكن أن يكون أن يتفاهموا غدا تحت قبة البرلمان، وكيف سيعمل أحدهم زميله في الوزارة القادمة، إذا فازت هذه الشراذم في الانتخابات المقبلة.؟
تتباهى دول العالم التي تحترم نفسها بجهودها المضنية لتصبح دولَ مهذبين، أما هؤلاء فيتبارون لجعل دولتنا دولة نصابين وشتامين وملفقين.
ولكن العتب ليس على هؤلاء الجهلة الذين أصبحوا أصحاب ملايين في غفلة من الزمن، بفضل الاحتلال. ولكن العتب على من يرضى بالعمل بإمرتهم ووفق توجهاتهم وتعليماتهم من كتابٍ وأدعياء ثقافة لا يجيدون سوى القبض من أيٍ كان لقاء تدبيج مقالات الدجل والكذب والدس والنميمة وتجريح كل ناجح وتلويث كل نجاح، وينكرون كلَ نقيصة في ولي نمعتهم، وغالبا ما يكون من خامتهم الفاسدة، ويجردون معارضيه من كل فضيلة.
أليس من حقنا إذن أن نبكي على الوطن وأهله، وعلى السياسة والنيابة والوزارة والصحافة والثقافة والرجولة والشهامة والخلق، من هؤلاء المخابيل؟؟
4514 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع