فؤاد حسين علي
محتال على أرض السويد
يلقبه الجالسون على كراسي المقهى الوحيدة لرواد عراقيين في مدينة أوربرو بالحاج، لا يعيرون اهتماما للاسم فلقب الحاج كفيل بالتعبير عن الاسماء ومعاني الأشياء في بيئة عاودت التعامل بالالقاب.
مظهره العام وسير كلامه المنتظم يتناسب وهذا اللقب فقد وصفه السيد سالم أقدم الرواد بأنه رمزا لهدوء الأخيار وأمتدادا لورع المشايخ الاتقياء. كلامه في النقاش الجاري داخل المقهى بين الحين والحين عن الدنيا وذنوب البشر وآفاق المستقبل للمسلمين في الغرب يعطي الأمل باختفاء الخطايا والذنوب من قائمة التفكير التي ترهق غالبية المسلمين المقيمين بعيدا عن أوطانهم الاسلامية، ويعطي الأمل أيضا لسواد العدل كأساس للتعامل بينهم وبين غيرهم من باقي الأديان، حتى أجمع الرواد ان ورعه هو الأمل لمستقبل افضل في هذه البلاد التي أكلت الثلوج المتساقطة طوال أشهر الشتاء جزءا من احساسهم بالرضا عن الحال.
ينهض من مكانه عند حلول الصلاة وقت الظهيرة، يستأذن جالسيه لأدائها في مكان يدعي مخصص للدعاء عند شيخ يبعد شارعين عن المقهى.
غاب شهرا كاملا في آخر موسم حج الى بيت الله الحرام، سبق له أن كرر هذا الغياب ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة بدعوى الحج، قسمها بين حج له كركن من أركان الدين وحج بالنيابة عن والد لم تتح له فرصة الحج قبل الوفاة في أحد سجون النظام السابق، وثالث عن زوجته المقعدة في الفراش. حضر بعد أنقضاء الشهر يحمل مسبحة بلون أسود قدمها هدية حج للسيد سالم ومثلها أخرى لصديق يشاركه المكان، وبيده اليسرى قطع سجاد خاصة بالصلاة، وزعها على الرواد الحاضرين من العراقيين متأملا الدعاء ومباركة الحج الميمون.
سأذهب الى العراق قالها هذه المرة، سأزور الأئمة الأطهار، سأدعوا لكم جميعا في حضرتهم سأطلب غفران الذنوب وقضاء الحوائج لكم جميعا دونما استثناء.
عرض خدماته لمن يريدها من العراق، استعرض اقرباءه العاملين في الحكومة بأعلى المستويات، نوه عن أصدقاء له يعملون في السياسة كذلك بأعلى المستويات، أشار الى ترك مصاحبتهم في الأشهر الاولى من سقوط النظام لكثر خطاياهم وأختلافه معهم في معنى الزهد والنزاهة.
رجاه سالم أن يوصل أمانة الى أهله في الصويرة ، مائة ألف كرونا مقدمة بيت يريد شراءه ضمانا لما تبقى من العمر، وأعطاه حميد مائة وخمسون ألف كان قد نذرها قربانا للامام عند تخرج ابنه من الكلية، أكد على ضرورة رميها بالصندوق بنفسه وقراءة الفاتحة فور استقرارها في قعر الصندوق.
الساعة الخامسة عصرا، بدأ الظلام يزحف على الشقة في احد احياء مدينة اوربرو الذي تسكنه غالبية صومالية مع قليل من العراقيين، يرن جرس الباب، يقف الحاج راجيا السماح بالدخول:
- ممكن تفتحون لنا طريق؟.
- أهلا وسهلا بالحاج، البيت بيتك.
يبدأ في الكلام جمل مترابطة عن التكافل في الاسلام وعن الصداقة وضرورات العون وفك الضيق ومقادير الاجر الذي يمنحه الخالق لعباده في مثل هكذا حالات، يسحبه بالتدريج الى حاجته الطارءة لمبلغ من المال يغطي فيه الحاجة الملحة لعائلة أيتام في اوربرو لا يريد ذكرها بالاسم خشية افساد الاجر، ولا يريد التجاوز على الامانات التي ارسلت معه الى العراق، يدعمها بآيات من ذكر الحكيم تُكبر من وقع الأمانة في النفوس، بعدها حدد الطلب مائتي ألف كرونة سيعيدها حال رجوعه من العراق.
- المبلغ كبير ولا أملك مثله في هذه المدينة التي أستنزفت ما ادخرته طوال الحياة، كل الذي املكه مائة ألف كرونا سأقسمها مناصفة بين حاجتي لتسديد مصاريف البيت للأشهر القادمة وبين حاجتك لدعم الايتام واجراءات السفر الى العراق.
لا يجادل في الموضوع، قدم شكره مضاعفا، نزع محبس يضعه مع آخر في أصابع يده اليمنى.
- هذا المحبس للرزق الوفير لك هدية تستحقها كأعز صديق، عليك الاحتفاظ به لانه ثمين وقد بات ليلة في ضريح الامام.
ترك الشقة ترافقه غيمة ورع كأنه من أهل الجنة، عاد بعد شهر ووعد بتسديد المبلغ حال اتمام التصريف لمبلغ ضخم جلبه من العراق بالعملة الامريكية.
يختفي ثانية، يسأل سالم عن الحاج بعد تأكده من عدم استلام المبلغ في الصويرة ، يحتار محمود في أمره كيف له أن يتأكد من وصول المبلغ الى صندوق الامام، يطمئنهم صديق جالس حول الطاولة المجاورة قائلا:
الحاج رجل أعمال خير، ليس بحاجة الى مال بالارقام التي أودعتموها أمانة لايصالها الى العراق، مؤكدا أنه قد أعطاه مائة ألف كرونا ليشغلها عنده من شهرين رد منها عشرة آلاف ربح خلال في الشهر.
يعم الهدوء الطاولة التي يتقاسمها عراقيون كأنهم يفكرون بهذه الشهادة، يفضلون جميعهم الانتظار على مجرد الشك، فهيئته وورعه لا يجلبان الشك ولو من بعيد.
تمر الايام والاسابيع لا خبر يذكر عن الحاج الغائب عن المكان ولا أحد يشير الى وجوده في المدينة.
بدأ الشك يتسلل الى عقول الموجودين حتى أثار قلقا من النوع الشديد.
توسعت دائرة النقاش، التحق الى هذه الطاولة السيد حازم الذي يفضل الجلوس وحيدا في عموم أيام السنة وقد زادت صفرة وجهه، مؤكدا أن الحاج قد أستلف منه مائة ألف كرونة قبل غيابه بأيام. يزداد النقاش حدة و يسترسل الجميع في آرائهم يكشفون خباياهم يتبين أن غالبيتهم قد أعطوا الحاج مبالغ من المال قسم منها سلف والقسم الآخر لتشغيلها في مشروع تجاري مضمون داخل السويد.
ينهض السيد حليم من طاولته المجاورة، يلتحق بالطاولة الرئيسية للقلقين الشاكين بذمة الحاج، يضحك بصوت عال:
- المفلس في القافلة أمين، وأنا مفلس جاءني الحاج الى البيت قبل أسابيع طلب مبلغا من المال عن حصته في بناء جامع بمدينته في الكوت ، أعتبرها دين يرد نهاية الشهر، وقد أنتهى الشهر، أحمد الله أنني مفلس.
يحتدم النقاش بانفعال تختلف شدته من واحد الى آخر تبعا للمبلغ المأخوذ منه. يشير اليهم عصام بضرورة الذهاب الى بيته الذي يعرفه في مدينة اوربرو، يصحيه سالم ومحمود أكثر المتضررين، يطرقون الباب بقوة يزداد وقعها تدريجيا.
تظهر من باب الشقة المجاورة أمرأة سويدية تقترب من السبعين عاما، تعترض أولا على شدة الطرق وتكراره، تؤكد لهم أن العائلة الساكنة قد تركت شقتها من ثلاث أسابيع، اثر شجار بين الزوج المخمور والزوجة المعترضة على الاسراف في شرب الخمر.
صُدم القادمون الى الحاج استفسارا عن مآل أموالهم!!.
عادوا الى المقهى يلومون أنفسهم، على الثقة المفرطة برجل مغلف بالورع.
استمروا كعادتهم يقدم الواحد منهم رايا يختلف عن الآخر، أقترح أحدهم الذهاب الى مرابع العشيرة في الكوت ومطالبتها بالفصل، وأقترح آخر الاتصال بالمرجعية الدينية للأفتاء في الامر، وثالث فضل ايكال الموضوع الى محام في العراق عساه يتابع الأثر.
لم يتفقوا على رأي،بل وبعثرتهم تلك الآراء المختلفة،وبقي الحاج مجهول الاقامة والاسم، وبقيّ العراقيون يجمعون الاخبار دون اشارة لوجوده ولو من بعيد.
تنويه للساده القراء المحترمين
أن المقصود في أصل القصه هو تعرية البعض من شواذ المجتمع الذين أتخذوا من الدين الاسلامي غطاء لأعمالهم التي تخالف تعاليم الدين الاسلامي والتي تؤثر سلبا على الاخيار والشرفاء من المسلمين الذين يحضون بتقديرنا وأحترامنا وهم الاغلبيه مع الشكر..
فؤاد حسين علي
24/2/2014
3603 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع