سياسة التفرد والحرب اللاإنساني للمالكي على إقليم كوردستان

                                            

                            د.سامان سوراني

في عام ٢٠٠٣ سقط أحد أصنام الفكر القومي العروبي في المنطقة ، تصورنا بأنه إنقشع حقبة الحكم الشمولي في العراق و تفاءلنا  بتغيير خارطة العلاقات بالمفاهيم والأشياء وقلنا في نفسنا ، لقد حان الوقت لكي تتأنسن الذوات وتذهب الهويات العنصرية المصبوغة بالأصولية المقيتة الی غير رجعة.

كنا ننتظر من الأحزاب والتيارات السياسية التي تريد أن تكون لاعباً أساسياً علی المسرح العراقي وفاعلاً قوياً في المشهد السياسي  أن تجرّد فلسفتها في الحكم و الإجتماع من كافة الأفكار والعقائد و الصفات والشعائر و الشعارات الميتة أو المستهلكة التي تبقی دوماً عائقاً أمام بلورة صيغة جديدة للوجود أو مشروع للحياة.
أما من الأحزاب والتيارات السياسية التي ذاقت الإضطهاد والممارسات التعسفية اللإنسانية من قبل أيادي الغدر البعثي فكنؔا ننتظر دعم التركيبة الجديدة للعراق ومساندة القضية العادلة لشعب كوردستان و حقه في تقرير المصير أو بناء دولته الكوردستانية المستقلة أسوة بالشعوب الأخری في العالم والعمل علی إنماء الشراكة والمبادلة والتعاون والتضامن في مواجهة القوی التي تنوي خلق الإنسان الأمبريالي الساعي الی نشر أسمائه وصوره أو سلطته بهدف فتح الإمكان أمام الحرب الأهلية المذهبية والقومية و بناء حكومة الشراكة الملغومة.
كل هذه التصورات إصطدمت بالواقع المرير ، فما نراه هو تحرك العراق نحو إنهاض المشاريع الإنفرادية لتشكيل النموذج الديكتاتوري الفردوي و قولبة و تدجين و تعبئة و عسكرة المجتمع العراقي لتحويل الناس الی شهداء و ضحايا لدعوات مستحيلة أو لاستراتيجيات لا تعود بالنفع علی البلاد والعباد بدافع ردع التجربة الديمقراطية في إقليم كوردستان و إزالة الآخر المخلتف المخالف لهذا النهج و إن أمكن سلب حقوقه. إنها حكومة بغداد التي تطبق فقه نوري المالكي. فما يحصل الآن في العراق هو العمل بعقل تقوده القوة الصرفة والمآل هو إما الحمق أو الجنون.  دولة حکومة المالکي تعمل علی إبتزاز حکومة أقلیم کوردستان وتمارس بأساليب غير دستورية حرب إقتصادية ضد حكومة و شعب كوردستان بعد قطع رواتب الموظفين منذ أكثر من شهرين.
فالحصار الإقتصادي وحجب الأموال هي ليست فقط محاولات للضغط علی الإقليم للتخلي عن خطط تصدير النفط من حقوله الی الأسواق العالمية عبر خط أنابيب جديد يمتد إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ، بل إنها عقوبة تجويع شعب بأكمله ومقدمة لحرب عبثية عدوانية. في السابق عزم المالكي أيضاً خلال التحالف الوطني طرح قانون لتعديل الفدرالية بما يضر باقليم كردستان، مع التنويه بأن القانون الجيد سيقلل من فرص الاقليم ويزيد من صلاحية "المركز"، هذا هو الاستغراق الاستبدادي بعینه والعيش في ثنايا الإرث الدكتاتوري ، الذي يتفق العراقيون جميعاً على رفضه ومحاربته بكونه علامة سوداء من زمن السلطة المطلقة والعدوانية العنصرية للنظام الفاشستي الذي اسقطته الإرادة الدولية قبل أكثر من عشر سنوات.
كيف يمکن بناء الدولة المتحضرة إذا ما لم يحترم أسس الديمقراطية وبنود الدستور من قبل دولة القانون ورئيس الوزراء  والسيد الشهرستاني ، نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن الملف النفطي ، الذي يجب أن يکون قدوة للآخرين. إذ من المعلوم بأن ولادة الاستبداد والدكتاتورية مرتبط بانتهاء سلطة القانون . ومن أُعجب برأيه ضلّ وإن خصال المتفرد في الحكم في غير مكان من العالم هو، إنه لا يحسن سوی الخراب والدمار بثوابته المطلقة و أقانيمه المقدسة ، لأن الوحدة لا تقام إلا علی أساس التعددية. والسيد المالكي إذا لا يغير شاشة رؤيته السياسية و لايوقف قراره المجحف الصادر بحق الشعب الكُردي ولا يعيد النظر بالمسلمات والبداهات و لا يعود بأسئلته الی البداية ، ينتج في النهاية بسياستە هذه إستراتيجيات الرفض والإستبعاد وإستئصال الشريك في الحكم التي تترجم عداءً و بغضاً أو نزعات و حروب بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم.
إن محاولة إشاعة عدم الاستقرار بالإقليم لن تخدم الوضع العام بالعراق، كما إن محاولة إثارة المتاعب في طريق تشكيل الحكومة الجديدة بالإقليم وابتزازها لن يقود إلى توطيد الأمن والسلم الداخلي.
شعب إقليم كوردستان يرفض لغة "حافة الحرب" ضد الاقليم وسكانه وسوف يكون له موقفاً صارماً تجاه القرارت والمحاولات الفاشلة لرئیس حکومة بغداد ، لكنه يعرف بأن السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كوردستان ، الذي يتمتع بخبرة وحنكة سياسية واحترام وتقدير علی الصعيدين الداخلي والإقليمي والدولي والذي يساهم في ابتكار صيغ حضارية جديدة لإدارة مجتمعتنا الكوردستاني على قاعدة الديمقراطية ، قادرعلی حل الأزمة الحالية والمواضيع العالقة مع الحکومة الاتحادية بأسلوبه الموضوعي الفريد والرافض لعودة حکم الفرد في السلطة.  
و ختاما نقول : الحدث العراقي عام 2003 كان فرصة وجودية فتحت أمام شعب العراق الذي يری نفسه الی الآن أمام التحدي الكبير لكي يثبت جدارته في إعادة بناء بلده بعقل حضاري مدني ومنطق تواصلي تداولي لكن محاولات الديناصورات التي تريد ممارسة وكالتها السياسية و العسكرية والدينية علی العراق الفدرالي بصورة إمبريالية و تعمل علی طغيان العقل الأمني علی الدولة والمجتمع والناس هي المانع الأكبر أمام بناء عراق فيدرلي إتحادي تعددي يصان فيه الدستور ويطبق بنوده. أفكارهم و ممارساتهم تتجلّی جهلاً و نفاقاً و تسلطاً و تخريباً.
الدكتور سامان سوراني

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

659 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع