مصطفى العمري
عرفته من وجهه المكفهر انه على غير حالته العادية جلس من غير حركة ثم تحرك من غير كلام , قال هل سمعت الاخبار اليوم ؟ قلت لا , ما الخبر هل احد أقاربك السياسيين قتل بعبوة قال لا, ياريت يقتل كل هؤلاء الصعاليك , قلت له , قل ما عندك يا أخي .
تنهد , تنهد الثكلى ثم صمت لبرهة وانفجر بذكرياته فقال : كنت أتذكر عندما كنا صغاراً نلعب في زقاق شارعنا الذي نتصارع فيه نحن ومجموعة من الحيوانات على أخذ المساحة الاكبر من الشارع الصغير كنا نلعب الكرة بصياح مرتفع دون ان نعرف شروط اللعبة فكلنا يريد الاستحواذ على الكرة لكي نروي شبق الشهوة المتصاعد لإثبات الجدارة الغائبة في ساحة الملعب الضيق و المتعرج .
كنت يا صاحبي واحداً من بين مجموعة كبيرة مجتمعين في ذلك الجو الهادر عندما بددت مسامعنا هدير تلك الطائرات التي كانت تحلق بمنخفض و تصدر أصواتاً تختفي من خلالها أصوات طفولتنا , مرت بسرعة البرق فقلنا إنها ليست ايرانية معادية انها عراقية حامية لسماء بلادنا , تبدد الصوت بعدما رجفنا خوفاً منه , لكن لم تمضي إلا دقائق و إذا بتلك الطائرات تصب حمم الموت على منطقة لم تبعد كثيراً عنا كان الناس الكبار في السن يتهامسون فيما بينهم دون ان نعرف فيما كان همسهم او قل خوفهم منا نحن أطفال المنطقة لكنني كنت أسمع كلمة ال جويبر تتردد على لسان كل من يمر بجنبنا . المهم يا صاحبي هو بقاء تلك الطائرات و قصفها المستمر و الذي لم ينقطع الا بعد وقت متأخر .
إستمر صاحبي بحديثه وأنا أسمع , قال عند الساعة التاسعة ليلاً من ذلك اليوم جاء بعض اصدقاء والدي وهم يتمتمون بكلام كنت أفهم منه ( والله حرام يا ناس يعني معقولة هكذا يقتلون و يحرقون الجويبر )
و بعفوية الطفل و فضوليته سألت أمي ما الخبر ( شنو السالفة ) قالت أمي روح نام ! فألححت عليها وما كان من أمي إلا ان تستجيب لرغبات طفلها فقالت إياك ان تخبر أحداً بما سأقوله لك . قالت هذه الطائرات التي مرت اليوم كانت قد قصفت عشيرة الجويبر فحرقت بيوتهم وقتلت بعضاً من رجالهم و اطفالهم و نسائهم قالت بلهجتها ( سوتهم فحم )
قلت لها لماذا قالت لآن الجويبر مجاهدون و معارضون للحكم و لصدام فهم أي الجويبر لا يقبلون بهذا الحكم الذي يقتل أبناء شعبه الذين يختلفون معه , لذلك يا ولدي هم من أكبر الاماكن المعارضة في الجنوب العراقي ومنطقتهم في منتصف الهور مكن بعض المعارضين الالتحاق بصفوفهم و العيش معهم . قال صاحبي وهو يحترق هل شاهدت علي حسن المجيد و الزبيدي و مجموعة كبيرة من كبار القادة البعثيين من خلال فلم مصور عن انتفاضة 1991 وهم يأمرون الجيش بسحق عشيرة الجويبر و الشيخ كاظم الريسان ؟
تأمل صاحبنا لوهلة ثم حرك رأسه أكثر مما حرك يده وقال : أي خدمة جهادية يتحدث عنها هؤلاء النواب ؟ و أي جهاد الذي يعنوه ؟ معقولة يا أخي هذا الاستهتار , دعني أذهب بهم الى الهور فإذا تمكن أحد هؤلاء المجاهدين الجدد العيش ليوم واحد فاننا سنقول عنه انه عاش سنة .
قال لقد شرع البرلمان اليوم قراراً مزوراً باطلاً هو إحتساب الخدمة الجهادية لأعضاء البرلمان وهم كانوا في لندن و أمريكا و سوريا وايران و دول العالم مرفهين منعمين لم يلمس جلودهم (الكارص ) حشرات الصيف و لا تبلل جسمهم بماء الهورالشتوي فكيف أصبحوا مجاهدين ؟
أيعقل يا صاحبي ان الذي كان يحارب بلده و يقف ضد جيشه و يخون وطنه و ينتهك حرمة أرضه مجاهد ؟ بينما تبقى مناطق الناصرية و البصرة و العمارة مهملة بائسة متروكة ؟
ثم وقف صاحبي ورفع يديه و قال يا ربي أتقبل أن تكون أرض المجاهدين و المضحين و المعارضين مهجورة بسبب قلة الخدمات و الحرمان بينما يزعم كل هؤلاء النكرات البرلمانية من أنهم كانوا يجاهدون في تلك الارض ؟ أتقبل يا ربي ان لا رصيف في الجويبر بينما الشيخ فلان ... الذي عرف الجويبر في وقت الانتخابات و تنكر لها بعد الفوز تعذر عليه بناء قنطرة بعدما وعد بها قبل الانتخابات , تعذر عليه إنفاق أموال الوطن على المواطن بينما هم لا زالوا يخضمون مال الوطن خضم الابل نبتة الربيع . يا ربي أليك أشتكي و بعونك و تسديدك سأنتخب المستقلين و أبتعد عن كل المتحزبين و المجاهدين في قصور لندن وشاليهات باريس .
مصطفى العمري
________
*الجويبر عشيرة عراقية تابعة لمحافظة الناصرية
641 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع