" لمحات واضواء عن بعض من تراثنا الشعبي فيه الاصالة وانعكاس للهوية "
التراث هو الأثر الناتج عن الفعل التاريخي الإنساني في مختلف أبعاده، فالتراث هو المعين الثري الذي لا ينضب من المعرفة، ومصدر للهوية الوطنية، والتراث في الحضارة بمثابة الجذور في الشجرة، وكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمن، فالتراث يفهم على أنه خلاصة ما تُخلفه الأجيال السالفة للأجيال اللاحقة، أو ما يُخلفه الأجداد كي ينهل منه الأحفاد، ويضيف إليه جيل بعد جيل من خبرات حياته وحاجاتها.
التراث الشعبي، هو عادات الناس وتقاليدهم، وما يُعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل، كالحكايات والاساطير وقصص الجن وقصص البطولة والمغامرات، والأشعار والقصائد المتغنى بها، ويشتمل على الفنون والحرف، وأنواع الرقص واللعب، والأغاني، والأمثال السائرة، والألغاز، والمفاهيم الخرافية، والاحتفالات والأعياد الدينية وهذا الشق من التراث لا يقل أهمية عن التراث الثقافي والطبيعي، فهو يُخلد ذاكرة الوطن وهويته، لأنه يرتبط بالمأثورات الشعبية والمعارف، والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، بما فيها المهارات المرتبطة بالفنون والحرف التقليدية وفنون الأداء.
يعتبر الموروث الشعبي "الفولوكلور" جزءاً مهماً من تاريخ وثقافة الشعوب، فهو الوعاء الذي تستمد منها عقيدتها وتقاليدها وقيمها الأصيلة ولغتها وأفكارها وممارستها وأسلوب حياتها الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية، وجسر التواصل بين الأجيال، وإحدى الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء، والمكوّن الأساس في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية، والفلكلورلم يكن نتاج زمن قصير أو جهد عدد قليل من الناس في مجتمع ما من المجتمعات.. بل جاء عبر قرون وقرون، بل آلاف السنين أحيانا، فالأعمال الفلكلورية الخالدة جاءت نتيجة تراكم معرفي ونقل من جيل إلى جيل.
البحث عن التراث الشعبي العراقي يشكل متعة كبيرة بما يزخر من جماليات وسلوك وممارسات، وهي تعتمد على الذاكرة الشعبية من تقاليد وسلوك توارثوها من اجدادهم تحكي روح التراث والاصالة والمحبة والتواصل الديني والاخلاقي والحياتي فيما بينهم، وقديم الإنسان هو تراثه وتاريخه، فالشخصية العراقية هى حصيلة التقاء ثقافي فريد، وإسهام حضاري متنوع، وتاريخ ممتد، بعض من ممارسات التراث الشعبي بات يختفي يوم بعد يوم وهو يجب المحافظة عليه؟.
الحكايات والأساطير : كما هو متعارف عليه، فالعراق موغل في القِدم له حكايات وعادات وأساطير ولكل معلم من معالمه أسطورة وابطالها آلهة وشياطين وجنّ وسعلوات ومغامرات وجنس وبطولات،
الأسطورة أو القصة، أو الأمثال الشعبية والأحاجي هي في الأساس نوع من التعليم غير المباشر للأطفال في أطوار نموهم الأولى، وهي في الأساس تتميز بسمات وخصائص معينة منها البساطة والمتعة التي تسعد الصغار والكبار معا، كما يلاحظ إن في معظم الأساطير ميل كبير إلى إدخال العنصر الأنثوي فيها بشكل بارز، وأيضا لمس للمناطق الغريزية والجنسية في الإنسان،
حيث نجد معظم الأساطير تدور حول الجنس .. ثم إلى الغنى والجمال والسلطة والفروسية …، ولعل ذلك يرجع إلى ميل الإنسان العراقي إلى حب المجد، والتحليق في عالم الخيالات والتمنيات، ليالي الشتاء الطويلة خلقت هذا النوع من التراث الشعبي، في تلك الليالي الباردة، فمن منا لم يسمع القصص الشعبية التي نالت شهرة كبيرة في الأوساط الشعبية '' السعلوة والتي هي محورة عن قصة من العهد السومري، والطنطل، والشاطر حسن، والف ليلة وليلة''، هذه القصص الإنسانية الجميلة تتداولها أوساطنا الشعبية الى اليوم، وغيرها من القصص التي كانت تسلي وترفه على الأطفال قبل أن يعرف هؤلاء الصغار التلفزيون والرسوم المتحركة.
القصاخون اوالحكواتي: اشتهرت مدينة بغداد قديماً بوجود القصاخون او الحكواتية في مقاهيها التراثية، فلم يكن هناك من مقهى إلا وبـه حكواتي، كان جزءاً مـن التراث الشعبي العراقي وخاصة في رمضان الــذي بات يختفي يوماً بعــد يــوم ، حيث كان يروي قصصه أمام حشد من الرجال كانوا يؤلفون حلقة حوله، في حين يكون جالساً على مصطبته المرتفعة عن باقي أرضية المقهى، كان يدخل حاملا كتابه الذي يفتحه أمامه ولكن نادرا ما ينظر إليه ليقرأ فيه، لكونه يعرف قصته عن ظهر قلب، لكثرة ما رواها، يراه الرجال الجالسون في المقهى، فيتركون طاولاتهم، ويتجمعون حوله لسماع قصته، أو باقي قصته التي كان قد بدأها في الأيام السابقة، ثم يبدأ بسرد الرواية، أو الحكاية، التي غالباً ما تكون عن شخصية تاريخية بطولية، كعنترة العبسي أو سيف بن ذي يزن او فصص من الف ليلة وليلة، وتدور جميعها عن البطولة والشجاعة والشرف ونصرة المظلوم. وكان، في نهاية كل حكاية، ينتصر الخير الذي يمثله بطل الرواية، على الشر، فالحكواتي له سـحر غريب بسبب قدرته على استعادة شخصيات تاريخية يبعث فيها الحياة من خلال أسلوبه في الإلقاء وحركات يديه وتعبيرات وجهه، و كان يقوم بتجسيد شخصيات روايته وكلامهم والتلاعب بنبرات صوته، لم يكن يكتفي برواية القصة فحسب، أو بقراءتها، فكان يؤديها بأدوار شخصياتها المختلفة والمتعددة، فكان وجهه يتخذ ملامح مختلفة حين تتغير الشخصية، وكان يغير طريقة جلوسه، وطريقة تلفته، ويغير صوته، فيبدو مسكونا بشخصيات القصة كلها، ويبقي الحكواتي جمهوره في تشوق دائم لمعرفة وقائع القصة، فيحرص على أن تنتهي أحداث القصة كل ليلة بموقف متأزم، والبطل في مأزق، حتى يحمّس السامعين لسماع بقية الأحداث وكيف سيخلص البطل نفسه من المأزق، في اليوم التالي.
الأمثال الشعبية:هي الجمل القصيرة والعبارات المختصرة التى تشبه القصة القصيرة وتتحدث عن تجربة معينة مر بها أشخاص في زمن معين ، يتناولها الناس عندما يعيد الزمن نفسه على شكل مختلف من الناس بينما الوقائع التى قيلت فيها هذه الامثال نعيشها في اى حقبة من الزمن، وهى مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم لتغلغلها في معظم جوانب حياتهم اليومية وهى لا تعكس المواقف المختلفة فقط بل تتجاوز ذلك احيانا لتقدم لهم نموذجا يقتدى به في مواقف عديدة.
بعض الامثلة العراقية الجميلة المستمدة من تراثنا الشعبي:
زعلة العصفور على بيدر الدخن
اللي ما يعرف تدابيرة حنطته تاكل شعيره
جدره على ناره وعينه على جاره
الحجارة اللي متعجبك تفشخك
الباب اللي تجيك منه الريح سده واستريح
اللي ما يحضر عنزته ما تولد توم
لاحضت برجيلها ولا خذت سيد علي
اخذ حسابك من دبش
عرب وين طنبورة وين
امشي شهر ولا تعبر نهر
اصفر مثل الخريط
احنا النخبطها ونشرب صافيها
اليدري يدري والمايدري كضبة عدس
احاكيك يا ينتي واسمعك يا كنتي
الشعر الشعبي: تقمص لكل الأدوار الشعبية كالأفراح والاتراح، الاقتصاد، الحكمة، اوجه الحياة الاجتماعية، التاريخ، ان كل ما يتحرك على هذه البقعة الجغرافية كان يرصده الشاعر ويلتقطه بطريقة أو أخرى ثم ينشره في المجتمع، فالشاعر أو رواة الشعر نجدهم في المقاهي والاسواق وضفاف الانهار والاهوار والصحاري، وخرجت من وجدانهم ابيات شعرية الهمت من يستمع لها او يطلع عليها، والعراق يزدهر بشعراء شعبيين اشتهروا ليس في العراق فحسب وانما على المستوى العربي والدولي، وكثير من اشعارهم قصائد مغناة، منهم عبد الكريم العلاف وسيف الدين ولائي.
الأغنية الشعبية: تراث فلكلوري عريق في كل جغرافية العراق وابرزها في الجنوب، فالأغنية الشعبية متنفسا عاطفيا في كثير من الحالات النفسية التي يمر بها الشعب أو الفرد على حد سواء، مثل التعبير عن الفرحة، أو للحث على القتال والحماسة، أو لاستنهاض الهمم لإنجاز عمل ما، أو للتسلية والترفيه وغير ذلك، يعرف باسم “الأبوذية والعتابا”. “وهاتان الأغنيتان تتشابهان تشابها يقل قليلا عن درجة التطابق، فهما لونان غنائيان كل منهما يتكون بيتهما من بيتين من الشعر، أي من أربع شطرات، تنتهي ثلاث منها بكلمة متحدة اللفظ مختلفة المعنى، بينما تختم الرابعة في الأبوذية بكلمة آخرها ياء مشددة وهاء مهملة، وتختم في العتابا بكلمة تنتهي بألف ممدودة أو بألف بعدها ياء ساكنة. والأغنيتان كذلك من بحر الشعر الفصيح الوافر،كما هو الحال بالنسبة للعتابا في أقطار بلاد الشام جميعا، انه في جنوب العراق وبين الحقول والمراعي وعلى ضفاف الانهار وفي بطون الاهوار تعيش الاغنية الشعبية في كل فم وحنجرة فتزرع الشباب والصبايا الفاظها المجنحة في كل قلب وروح فتزدهر وتنمو كما يزدهر وينمو العشب الاخضر في مواسم الربيع فتراها راقصة سكرى مع الامواج في المشاحيف الجميلة ،
اما المقام فهو تراث وطني في قمة الارتقاء الموسيقي، تصدحت به اصوات خالدة كمحمد القبانجى وناظم الغزالي ويوسف عمر والسعداوي وحسين الاعظمي وغيرهم، عظماء اثروا هذا الفن بالأداء بروعته وجماله البهي، وجعلوه معلما ترائياً وطنياً وشعبياً، وسيظل خالداً طالما ان حسين الاعظمي ومن يحب المقام، يحافظون عليه ويستديموه.
تراثنا الشعبي يزخر بترانيم الامهات التي تناقلتها الألسن جيلا بعد جيل وقد بدات تلك الترانيم التي رافقت الطفل منذ ولادته حتى صباه وقد عبرت الامهات البغداديات في مختلف محلات بغدا ،وترانيم الامهات تكون اما ملولاه (هدي) او ترقيص (تهشيش)، ويجري الهدي عادة بنغم شجي هو اقرب الى الغناء البكائي (النعي) منه الى الغناء، فالام اذ (تلولي) تخلو بنفسها مع ولدها تردد ترانيم بعبارات تصور الامها ومشاعرها وعواطفها وكانها تداوي بهذه الترانيم والعبرات الشجية جروح قلبها وتهدي اعصابها المرهقة، وتعتبر تلك الترانيم لونا من الوان الغناء الشعبي وما ينطوي عليه قلب الام من صدق ومرارة، فضلا عن ان للترانيم قيمة كبيرة من حيث دلالتها الادبية والاجتماعية والتاريخية، افتقدت هذه الترانيم مع الجيل الجديد.
الجوبي: رقصة تراثية فولوكلورية قديمة منذ العهد البابلي، تتضمن حركات راقصة لمجموعة من الاشخاص يدعون بالجوابة، تمارس في جميع محافظات العراق، سواء الجنوبية أو الغربية أو الشمالية؛ وتسمى عادة باسم المنطقة التي تؤديها لأن لكل منها طريقة معينة في الأداء، هناك ثلاثة أنواع للجوبي، أولها خاص بالرجال ولا يشترك في حلقاته النساء، ويكثر هذا النوع في وسط جنوب العراق
وأما الثاني، فتشترك فيه النساء مع الرجال بصورة مختلطة ويؤدين نفس الحركات، وينتشر هذا النوع في مناطق الشمال والموصل وكركوك وتكريت والقرى المجاورة لها
وأخيراً ، هناك نوع خاص بالنساء فقط ابتداءً من الراقصات وحتى العازفات وأحيانا يستعينون بأحد الصبية في العزف على المزمار وهذا النوع يوجد في مناطق الفرات الأوسط.
اشهر اغاني الجوبي:
كل الهلا بحبيبي الكان زعلان.... لابس وردة وخزامة وبالخشم عران
اكعد لك ع الدرب اكعود.... سمرة يم عيون السود
اصعد واكطع لك عنكود.... وردة من البستان
الحلوة رقصت جوبي....
عيد وحب هاي الليلة....
هلا يالو عيون وساع....
هاي اشلون حلوة ولابسة المودة....
العراق بلا شك يملك الماده الخام من التراث الشعبي الأصيل، كالرقصات، والشعر والأغاني، والموسيقي الشعبية، واكبر دليل على ذلك، تأسست الفرقة القومية للفنون الشعبية عام 1971، و التي تعد الفرقة الحكومية الوحيدة في بغداد لتقديم الفلكلور، خلفا لفرقة «الرشيد» للفنون الشعبية التي كان قد أسسها رائد الفن المسرحي العراقي حقي الشبلي، ومنذ تأسيسها من قبل دائرة السينما والمسرح لاقت دعما ماليا ومعنويا، حيث شهدت في السبعينات عصرها الذهبي وسمعتها العربية والعالمية التي اكتسبتها بفضل منجزها الإبداعي الكبير والنجاحات التي حققتها من خلال اضهار حضارة العراق الاصيلة بلوحات فنية متنوعة بتنوع أطياف الشعب العراقي، وبأزياء مميزة، وقد سبق أن حصلت الفرقة على جوائز
متقدمة كثيرة منها الجائزة الأولى في مهرجان (معبد هرقل الذهبي) عام 1980، من بين عشرات الفرق العالمية، إضافة إلى اعتراف الخبراء الدوليين بالفرقة، كونها من الفرق العالمية، ان هذه الفرقة الرائدة والتي قدمت لوحات من عمق تراثنا الاصيل، امتعن العراقيين والعالم برقصاتها التعبيرية باساليب حضارية وتأريخية، انطفأ بريقها بعد الغزو والاحتلال ومجيء ما يطلق عليه بالاسلام السياسي.
المسحراتي: كان «أبو نقطة» من مسحري شهر رمضان في العصر العباسي، اذ كان يوقظ الخليفة الناصر لدين الله في بغداد، ولما مات ابو نقطة، ذهب ابنه، وكان له صوت جميل ووقف تحت قصر الخليفة ، ثم انشد بصوت عذب <<يا سيد السادات>> لك في الكرم آيات،انا ابن ابو نقطة، تعيش ابويا مات، فاعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف اشارته وحسن بيانه، فاحضره وخلع عليه ورتب عليه ضعف ماكان لوالده، ومن بغداد انتشرت الى معظم الدول العربية، المسحراتي مهنة طوعية، اجورها رمزية من اصحاب البيوت، وهي متوارثه الى ان اختفت تقريباً في التسعينات الميلادية، ومنذ تلك البداية وما بعدها تتجدد الذاكرة بالحنين الى ذلك الماضي، وان كانت لا تعني مع المسحراتي غير سحور، سحور، سحور، اعتادها البغداديون سماعها طيلة ايام رمضان، هي ثلاث كلمات تليها ضربات طبل الايقاعات الحنينه التي تكسر صمت النائمين في الماضي.
الحمامات: اشتهرت مدينة بغداد منذ نشوئها في زمن الخليفة ابو جعفر المنصور بوجود الحمامات العامة، أو ما يطلق عليه حمامات السوق، وتقول المصادر التاريخية ان عشرة آلاف حمام كانت في بغداد في العصر العباسي الأول، حتى أن مؤرخا مثل احمد بن الحسن المنجم قال قولا ظريفا <<وجدت مساحة بغداد كلها حمامات ثم طلبت بغداد فلم أجدها من كثرة حماماته>>، وكان البغداديون يعشقون الاستحمام فيها)، وكانوا يذهبون إليها بشكل دوري،، كما أنهم ابتكروا العادات والتقاليد لجعل الحمام ليس مكانا فقط للاستحمام بل ليكون ملتقى لأهل الحي والأصدقاء للترفيه والطبابة والتعارف والغناء، وكانت له طقوس وعادات وأجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة، وكان من الطبيعي أن يسمع رواد الحمام من يرفع عقيرته بالغناء ليغني المقام البغدادي، أو ليثبت قدرته على الغناء ،وكانت هناك حمامات للنساء، فكانت نساء الحارة التي يوجد فيها الحمام يحضرنها بشكل جماعي ويذهبن مع بناتهن إلى الحمام وكأنه تقليد ونزهة للترويح عن النفس، وكثير من البغداديين يتذكرون قصصا طريفة عن ايام طفولتهم وهم في سن الخامسة أو السادسة من العمر حين كانت امهاتهم يصطحبنهم الى "حمامات النسوان" وبعضهم لايسمح له بالدخول برغم ان عمره كان دون السابعة.
حيث كان يمنع من دخول حمام النساء من هو في سن السابعة، اعتقادا بان الولد في هذه السن يبدأ بمعرفة اشياء عن المرأة، وقبل أن تجتاز الأم عتبة الحمام مع أطفالها تكون المراقبة قد تفحصتهم جيدا واستخدمت خبرتها ودقة حساباتها في تقدير عمر الولد قبل ان تسمح له بالدخول، كما ابتكروا طقوس الحمام للعريس والعروس قبل زفافهما، حيث كانت العروس تستحم قبل زفها إلى عريسها مع تقاليد الحنة في الحمام، في حين كان أصحاب العريس يأخذونه إلى حمام السوق ليستحم يوم زفافه ويخرجونه من الحمام بأهازيج حماسية ويوصلونه إلى مكان الرجال في حفل الزفاف، يقول الباحث عباس بغدادي في كتابه "بغداد العشرينيات": في الكرخ كانت هناك ثلاثة حمامات اشهرها "حمام شامي" الذي يعود تأريخ انشائه الى القرن السادس عشر الميلادي، ويقع في علاوي الشيخ صندل، والحمام الثاني هو "حمام ايوب يتيم" والثالث "حمام الجسر" ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ بجوار "مشهد بنات الحسن"
أما في الرصافة فهناك الكثير من الحمامات، تجد مابين محلة أو محلتين حماما عاما حسب منزلة صاحبه ومنزلة زبائنه، ومن أشهرها: حمام حيدر بقسميه الرجالي والنسائي وهو يقع بجوار ساحة الغريري في شارع المستنصر وحمام الشورجة وحمام بنجه علي مقابل سوق الصفافير وحمام كجو في باب الآغا، وحمام الباشا قرب سوق الهرج، وحمام المالح الذي سميت المحلة باسمه، إلا أن من اشهر حمامات الرجال في بغداد في مطلع ذلك القرن كان حمام يونس في محلة الميدان قرب باب المعظم والذي كان يغتسل فيه أبناء المحلات المجاورة للميدان
وفضلا عن حمام يونس هناك أيضا حمام القاضي بجانب المحكمة الشرعية، وهذا أكثر رواده من تجار بغداد، وفي الاعظمية حمام السوق في الحارة وفي الكاظمية حمام الملوك، فبدلاً من المحافظة على حماماتنا البغدادية كتراث موغل بالقدم اندثر اغلبها وطوته الذاكرة،؟ في حين ان الحمامات في الدول الاخرى مثل الحمامات السورية والتركية التي يعتبرونها جزءا مهما في جذب السياح والتعريف بالارث الشعبي القديم..
الالعاب الشعبية للأطفال: تراث العراق يزخر بعدد وافر من الألعاب الشعبية التي تنمي قدرات الأطفال الذهنية والحركية والاجتماعية والنفسية، وتجسد روح التعاون والألفة بين الجماعة، كانت الألعاب الشعبية تمثل التسلية الوحيدة للأطفال في الماضي نظراً لانعدام أماكن الترفيه، فالالعاب في مجملها ملائمة للظروف الحياتية وللمكان والزمان، فهي تراعي الأماكن والأوقات بشكل رئيسي، وتتأثر بالمواسم والبيئات، فطالما مارسنا، لعبة الدعبل، والمصرع، والبلبل حاح، عسكر وحرامية، والطائرات الورقية وجر الحبل، والركيضان، والتوكي، والختيلة، والصور، وشدة يا ورد شدة، والثعلب فات فات، والجلكة، ولعبة الجرخ، والمحيبس...، هذه الالعاب تتعرض شأن باقي فنون التراث الشعبي للتغير أو الانقراض أو أخذ الطابع العصري بدخول المكتسبات الإلكترونية الحديثة، وتوافر الإمكانات وتبدل أنماط العيش.
حفلات الختان "الطهور": الختان هو عملية ختن قلفة الذكر أي إزالته، و في العهد القديم أمر سيدنا إبراهيم “عليه السلام” بالختان فختن أولاده و أوصاهم عليه،
جرت العادة على اختيار أشهر الصيف الحارة لـ “ختان الأولاد”.. بداعي أن حرارة الجو تعمل على الإسراع في التئام الجرح ، في يوم الختان فالأم تقوم بتحضير إبنها نفسيا و جسديا من خلال تزيينه باللباس التقليدي "الدشداشة، ثم يأخذ للطبيب أو المختص "المطهرجي" في موكب كبير بحضور الأب، الجد، الجدة،الأم وبعض الأقارب المقربين والجيران، وعند إنتهاء العملية يستقبل الطفل في البيت بالزغاريد واحيانا بعض الطلقات، حيث تفضل الأسر العراقية أيام الجمع والعطلة الصيفية والمناسبات الدينية والوطنية والعطل الرسمية للقيام بهذه المراسم التي ترافقها الموسيقى الشعبية والدبكات وتوزيع الحلوى ونحر الذبائح فضلاً عن إقامة الحفلات بالنسبة للعائلات الميسورة والتي تمتد لأكثر من يوم… وتتشابه مراسم حفلات “الطهور” مع حفلات الأعراس مع فوارق بسيطة، كانت العادة المتبعة في المناسبات الوطنية أن تقوم المستشفيات بإجراء عملية الختان الجماعي لأبناء العائلات الفقيرة أو ذوي الدخل المحدود مجاناً فضلاً عن توزيع الهدايا والحلويات والملابس على الأطفال.
السدارة الفيصلية والطربوش: هو لباس الرأس الذي كان في الماضي يرمز إلى الوجاهة والهيبة والأناقة، كان أيضاً ضرورياً لاستكمال المظهر الذكوري، كذلك إكتسب دلالة قومية في ذلك الحين في مواجهة القبعة الأوروبية، ومثلت السدارة هيبة وشرف السياسي العراقي، إلى أن إنتهى إستخدامها، وبقيت مقتصرة في المناسبات والإحتفالات التراثية،
ظل الطربوش مستخدماً في عدد من الدول العربية مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان والمغرب. وكان ضرورياً لإستكمال المظهر الرسمي. وأصبح مع مرور الوقت رمزاً سياسياً، له هيبة في الشارع العربي حتى لُقّب من يرتديه بالباشا أو البيك أو الأفندي.
المتحف البغدادي: اقدمت الحكومة العراقية عام 1970 بانشاء متحفاً يجسد ويوثق فولوكلورياً التراث البغدادي ليسلط الضوء على معالم الحياة التقليدية الشعبية لبغداد القديمة وتراثها، واختارت بناية قديمة بنيت في زمن الوالي مدحت باشا عام1869 قرب الجامعة المستنصرية، انه المتحف البغدادي، اصبح المتحق من الاماكن السياحية وقد زارته كافة الوفود الرسمية واصبح معلما توثيقيا لكل من زاره من العراقيين والعرب والاجانب، اغلق المتحف بعد الغزو والاحتلال، ويقال انه افتتح قبل فترة بعد اهماله لسنوات عديدة.
ان التراث الشعبي في روحه العامة هو مخزون الذاكرة العراقية، والمطلوب منا بحث أفضل السبل للاقتراب منه بالصورة التي تجعل محتواه قادراً على مساعدتنا في تجاوز مظاهر التأخر العراقي، أن مسئولية الباحثين في الفنون الشعبية يجب أن تتركز في الناحية الدعائية لهذا الفولوكلور، حتي ينتقل من التلقائية الي المنهج العلمي التجريبي الحديث، فنستفيد من تجارب الذين سبقونا في هذا المضمار، أن فكرة النهوض بالفنون الشعبية لا تزال الى الآن عبارة عن مجهودات فردية يقوم بها بعض المتخصصين والهواء، لا تجمعهم رابطة، أو مركز علمي يقوم بتنظيم هذه المجهودات الفردية، ويبرزها في طابع قومي منسق، فنحن بلا شك نملك الماده الخام من التراث الشعبي الأصيل، كالاساطير والقصص والرقصات، والأغاني، والموسيقي الشعبية، واكبر دليل علي ذلك نجاح برامج الفرقة القومية للفنون الشعبية التي كانت تقوم بعرضها في المسرح القومي ببغداد وخارج العراق والتي انطفأ بريقها بعد الغزو والاحتلال، والمتحف البغدادي الذي يعكس افق ونمط الحياة الشعبية لتراث بغداد القديمة، كذلك ما ينقصنا هو تنظيم البحوث التي تعكس اصالة تراثنا الشعبي، وبالطبع هذا لايتم الا بعد أن نجتاز مراحل طويلة حتي نصل إلى غايتنا المنشوده، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
4756 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع