بقلم/ الصقر
اطلعت على مقال تشرشل وجعفر العسكري, الشخصية العسكرية والسياسية المهمة في تاريخ العراق منذ تاسيسه ولحين اغتياله, وقد تأثرت بشخصيته بسبب ان احد الضباط الذين قاموا باغتياله كان قرب دارنا وبالتحديد مقابل بيت خالي الوزير في حكومة الانقاذ الوطني في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 في الاعظمية الشارع الاول الموازي لشارع سهام المتولي باتجاه ساحة عنتر ,وكنت اسمع وانا صغير بان هذا الشخص الجالس في الطارمة الامامية لداره هو(جمال جميل) احد الضباط الذين اغتالوا جعفر العسكري وزير الدفاع لرفضه انقلاب بكر صدقي عام 1936,فكنت انفر واشعر بالخوف عند رؤيته فكيف يستطيع انسان ان يقتل اخاه الانسان!
بدأت بكتابة تعليق على الموضوع بعد ان اطلعت على طلب الشيخ الجليل الاستاذ جلال چرمگا , واسترسلت في الموضوع وكان حاث يجر لحادثة اخرى مما جعلني احوله الى مقالة حول مشكلة الحدود مع الكويت ورأيه في الموضوع اتمنى ان يسلط الضوء على ما جرى من احداث واجبار العراق على الموافقة مرغما على قبول الحدود مع الكويت لاجل دخوله عصبة الامم عام 1932.
اعتمدت في المعلومات على كتاب تاريخ الوزارات العراقية الجزء الثالث للمرحوم السيد عبد الرزاق الحسني ومذكرات المرحوم الاستاذ صبحي عبد الحميد الصادرة عام 2009 .
مشكلة الحدود العراقية الكويتية
( منقوله من تقرير وزارة الخارجية العراقية عن الحدود العراقية الكويتيه الصادر في شباط 1966 )
كانت الكويت جزء من الدولة العثمانية وكانت قضاء تابع للواء البصرة امتد النفوذ البريطاني الى الكويت في القرن التاسع عشر من مشيخات الخليج العربي واصبحت محمية تابعه للتاج البريطاني في الهند.عقد الشيخ مبارك الصباح معاهده مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج ( م.ج.ميد ) في 23-كانون الثاني 1899 قبل بموجبها الحماية البريطانية على الرغم من بقاء ولائه لحاكم ولاية البصرة العثماني .
تم في لندن في 29- تموز 1913 التوصل الى مسودة اتفاقية بين الحكومتين البريطانية والعثمانية منحت بموجبها شيخ الكويت ممارسة حكم ذاتي محدود ضمن منطقة تمتد من فتحة خور الزبير (مصب خور الزبير في خور عبدالله) وتتجه نحو الغرب تمر في جنوب صفوان وجبل سنام حتى وادي الباطن ثم تنزل نحو الجنوب بمحاذاته حتى حفر الباطن, ثم تتجه نحو الجنوب الشرقي الى (الجبة) ثم شرقا الى الخليج قرب جبل( منيفة ) الا ان هذه الاتفاقية لم تصدق لنشوب الحرب العالمية الاولى سنة 1914 لذلك لا اهيمة ولا سند قانوني لها واهملت حتى قيام الحكم الوطني في العراق.
وعند نشوب الحرب العظمى الاولى ارسل المعتمد السياسي البريطاني في الخليج ( كوكس) رسالة الى حاكم الكويت يطلب اليه مهاجمة ام قصر وصفوان وجزيرة بوبيان والاستيلاء عليها ثم يتفق بعد ذلك مع امير نجد عبدالعزيز ال سعود وشيخ المحمره الشيخ خزعل للتقدم نحو البصرة واحتلالها وهذا يدل على ان جزيرة بوبيان لم تكن داخلة ضمن مشيخة الكويت المحمية .
بعد تأسيس الحكم الوطني في العراق 1921 فصلت بريطانيا الكويت عن ولاية البصرة وقررت بريطانيا توسيع اراضي الكويت على حساب اراضي العراق و اوعزت الى شيخ الكويت الشيخ احمد الجابر الصباح ان يبعث رسالة الى المندوب السامي البريطاني في العراق يطالب فيها بضم جزيرتي وربى وبوبيان الى الكويت فأرسل المندوب السامي ( السير بيرسي كوكس) الى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 19-نيسان 1923 يطلب منه ابلاغ شيخ الكويت موافقة الحكومة البريطانية على وصف الحدود العراقية الكويتيه كما ورد في مسودة الاتفاقية البريطانية العثمانية سنة 1913 وانه يوافق على ادعاء الشيخ احمد الجابر الصباح بالحدود الذي ذكرها برسالته المؤرخة في 4 نيسان 1924 واقتبس من رسالة السير كوكس مايلي :
المرجو مراجعة كتابي المرقم س- 52 في 4 نيسان 1932 والمرسل بطيه كتاب الشيخ الكويت المؤرخ في 17 شعبان 1341هـ (4 نيسان 1923) يفهم منه انه يدعي بأن الحدود بين العراق والكويت هي كل الاتي ( كما جاء ف اتفاقية عام 1913), وفي عين الوقت يدعي الشيخ احمد بعائدية جزر وربه وبوبيان ومسكن (مشجن) وفيلكة وعوهه وكبار وقار وام المرادم للكويت وفي الاستطاعه اخبار الشيخ بأن ادعائه الحدود والجزر المبين اعلاه معترف به بقدر مايتعلق بحكومة صاحب الجلالة . وبذلك تكون هبة وربه وبوبيان من قبل المندوب السامي لشيخ الكويت غير شرعيه لان بريطانيا كانت دولة محتله للعراق والقانون الدولي لايجيز لها منح اي ارض عراقية لدولة اخرى.
يذكر السيد صبحي عبدالحميد وزير خارجية العراق 1963-1964 انه عند استلامه منصب وزير الخارجية اولى دول وامارات الخليج العربي ومشيخاته اهتمام خاص وعزمت على تحسين العلاقات مع الكويت. ولاجل ترسيم الحدود وجدت بأن مباحثات ترسيم الحدود والتي تم الاتفاق عليها بين البلدين في المحضر في 4 اكتوبر 1963 ينص على ان تعترف الجمورية العراقية بأستقلال دولة الكويت وسيادنه التامه بحدوده المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق في 21/7/1932 والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابة المورخ 10/8/1932.
لذلك طلبت تهيئة اوليات الموضوع لدراستها وبالاخص كتاب السيد نوري السعيد الصادر سنة 1932 والذي اعترف بموجبه بخط الحدود الذي املاه عليه المعتمد البريطاني في بغداد .
الوزارة السعيدية الثانية
في 19-تشرين الاول – 1931 تشكلت الوزارة السعيدية الثانية برئاسة نوري السعيد و استوزر فيها جعفر العسكري وزيرا للدفاع والخارجية وناجي شوكت وزيرا للداخلية .
وفي 1- تشرين الثاني انتخب السيد جعفر العسكري رئيسا لمجلس النواب واستقال من منصب وزير الدفاع والخارجية . في 30-تشرين الثاني من نفس العام استقال من رئاسة مجلس النواب وجاء في كتاب استقالته :
( لما كنت اعتقد بأنا المصلحة العامه تقتضي علي التخلي عن رئاسة المجلس النيابي فأني ارفع الى مجلسكم العالي استقالتي من الرئاسة شاكرا لزملائي الكرام ما لقيته منهم من الثقة والمعاونة في اثناء قيامي بالواجب المقدس )
وقد انتخب جميل المدفعي رئيسا لمجلس النواب في يوم استقالة جعفرالعسكري وصدرت الارادة الملكية بأعادتة تعيين جعفر العسكري وزير للدفاع و وكيل لوزارة الخارجية كما كان .
ويقول السيد صبحي عبد الحميد في مذكراته الصادرة عام 2009
عكفت في شهر اذار 1964 على دراسة اضابير الحدود وكان يهمني بالدرجة الاولى ان اطلع على مضمون كتاب نوري السعيد .. فوجدت ان السيد جعفر العسكري ( وزير الدفاع ) ووكيل رئيس الوزراء تسلم كتابا في 17 تموز 1932 من المعتمد البريطاني في بغداد(السير فرنسيس همفريز) يقترح فيه ضرورة تثبيت الحدود الكويتية العراقية وارفق مع كتابه مسودة تضمنت نصا لرسالة يطلب الى رئيس الوزراء العراقي توجيهها اليه يعترف فيها العراق بخط الحدود المثبت بها والذي تريده بريطانيا .
السير فرنسيس همفريز
وفي 18-7-1932 احالت سكرتارية مجلس الوزراء اقتراح المعتمد البريطاني مع المسودة الى وزارة الداخلية مع بيان ملاحظاتها واعطت صورة منه الى رئاسة الديوان الملكي و وزارة الدفاع .
فاجابت الداخلية يوم 21-7 بأنه ليس لديها ملاحظة وفي اليوم نفسه وجه السيد نوري السعيد رئيس الوزراء الى المعتمد البريطاني الكتاب التالي وهو مسودة المعتمد نفسها ..
عزيزي السير فرنسيس همفريز
افتكر ان فخامتكم توافقون على ان الوقت قد حان الان لأن يكون من المرغوب فيه اعادة تثبيت الحدود الحالية بين العراق والكويت , وعليه ارجو اتخاذ التدابير اللازمة لاستحصال موافقة السلطة او السلطات ذات الصلاحية في الكويت على الوصف الاتي للحدود الحالية بين البلدين :
من تقاطع وادي العوجة بالباطن ومن هناك نحو الشمال على طول الباطن الى نقطة واقعه تماما في جنوب خط العرض لصفوان ومن هناك نحو الشرق مارا بجنوب ابار صفوان وجبل سنام وام قصر تاركة هذه كلها الى العراق وهكذا الى ملتقى خور الزبير بخور عبدالله وان جزائر وربه و بوبيان ومسكن (او مشجن ) وفيلكة وعوهة وكبار وقارو وام المراديم تعود الى الكويت
المخلص
نوري السعيد
حضرة صاحب الفخامة السير فرنسيس هـ ز همفريز المعتمد السامي لحكومة صاحب الجلالة البريطاني في العراق .
وارسلت سكرتارية مجلس الوزراء نسخة من الكتاب الى رئاسة الديوان الملكي و وزارة الدفاع .
كما ارسلت وزارة الدفاع في 30-7 كتابا الى ديوان مجلس الوزراء تستغرب فيه من الشروع في الموافقه على ارسال الكتاب الى المعتمد البريطاني , وانها كانت تأمل ان لايبت في الموضوع الا بعد معرفة رأيها نظرا لما ولوجهة النظر العسكرية من الاهمية الكبيرة في قضايا الحدود وارفقت مع الكتاب مذكرة توضيح وجهة نظرها واهم ما جاء في هذه المذكرة هو :
(ان وزارة الدفاع تصر على ان تكون جزيرة وربه و بوبيان ضمن الاراضي العراقية لانها متداخلة بارض العراق ومسيطره على خور عبدالله وخور الزبير ) .
تسلم وكيل رئيس الوزراء في 25-اب 1932 من وكيل المعتمد السامي البريطاني كتابا مرفقا به كتاب حاكم الكويت المرقم 560 في 10-8-1932 الموجه الى الوكيل البريطاني السياسي في الكويت عن الموافقه على تثبيت الحدود بين العراق والكويت كما جاء وصفها في كتاب رئيس وزراء العراق .
ومن هنا نجد ان الحدود رسمتها بريطانيا كما تريد ولم تجري مفاوضات او لقاء بين الكويتين والعراقيين . والكتاب العراقي موجه الى المعتمد البريطاني الذي ارسله الى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت والذي بدوره قدمه الى حاكم الكويت . وكتاب حاكم الكويت الموجه الى الوكيل السياسي ارسل هذا بدوره الى المعتمد البريطاني في بغداد وبدوره سلمه الى رئيس وزراء العراق .
و مما جاء اعلاه اكتشفت ان خط الحدود لعبة بريطانية اضطر العراق الى قبولها لكي توافق بريطانيا على ترشحيه وقبوله في عصبة الامم . وان حاكم الكويت الذي لاسلطة له من مصلحته ان يقبل هذا الخط .
وهكذا زرعت بريطانيا كعادتها مشكلة بين العراق والكويت ستبقى مثار جدال وخلاف حتى يستعيد العراق الجزيرتين .
واستمر العراق منذ سنة 1932 حتى سنة 1958 يرسل المذكرات الواحدة بعد الاخرى الى السفارة البريطانية في بغداد يطالبها بتعديل خط الحدود بحيث تعود وربه وبوبيان الى العراق ويبتعد خط الحدود عن ميناء ام قصر الى الجنوب بحيث يستطيع العراق توسيع هذا الميناء نحو الجنوب .
وفي سنة 1938 التقى وزير خارجية العراق السيد توفيق السويدي وزير خارجية بريطانيا اللورد( هال فاكس )وضغط عليه لقبول وجهة النظر العراقية اعلاه و وعده بذلك ولكنه لم يفي بوعده .
وهنا يبرز دور كل من وزير الدفاع جعفر العسكري الوطني في قضية مهمة لها تاثيراتها لحد اليوم ولحين تصحيح الخطأ الذي جرى بحق العراق واستعادته حقوقه كاملة في اطلالته على الخليج العربي او توحد الامة العربية بعد ان تشعر كل دولها باهمية توحدها وتكون مطلبا عن قناعة بانها لن تقوم لها قائمة بدون توحدها باي طريقة كانت موحدة او نظام فدرالي او بصيغة اخرى كمثال الوحدة الاوربية. لتستطيع ان تواجه التحديات التي تواجهها مستقبلا حفاضا على سيادتها وحفاظا على اقتصادها ..وبتبين دور السيد نوري السعيد في هذه القضية وغيرها من امور يقول (بانه كان مضطرا عليها لكون العراق كان ضعيفا وتحيطه دولتان طامعتان به وهما ايران وتركيا ).
1057 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع