وثيقة تاريخية .. من اوراق المرحوم اللواء الركن غازي الداغستاني

        

المرحومان/ سعيد قزاز وزير الداخلية واللواء الركن /غازي الداغستاني

وثيقة تاريخية.. من اوراق المرحوم اللواء الركن غازي الداغستاني

                    

       

              

كتب الكثير من الكتاب والمفكرين من عسكريين ومدنيين عن الحرب العربية -الأسرائيلية عام 1948 والتي سميت من قبل الجيش العراقي في حينه حركات 1948 أو حركات فلسطين .

تناولت تلك الكتابات وضع فلسطين قبل الحرب ثم أسباب تلك الحرب وتفاصيل المعارك التي دارت بين الجيوش العربية واليهود وكيف فشل العرب في تحقيق أهدافهم وما نتج عنها من كارثة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والتي لازالت تأن من نتائجها ونتائج المعارك التي تلتها في عام 1967 ثم عام 1973 . والشيءالأخر المهم هو أن العرب لم يستفيدوا من كل تلك التجارب ومن العبر التاريخية التي مرت عليهم وعلى غيرهم , ومع الأسف ومع مرور الزمن زادوا تشتتا وتفرقا أكثر مما كانوا عليه وهذا ما يحز في نفوسنا ويدمي قلوبنا يوما بعد أخر لما آلت أليه أمور أمتنا . أن الغاية من هذه الوثيقة ومن غيرها مما كتب هو للتذكير والتفكير وليس القصد منها أيجاد التبرير أو التقليل من شان البعض على حساب البعض الآخر فنحن جميعا في مركب واحد ,اما ان نعبر وننقذ امتنا واما ان نغرق ونضيع في لجة البحار المتلاطمة حولنا .
وضمن  السياق التاريخي في البحث عن المزيد من المصادر التاريخية التي نستقي منها العبر حصلت على وثيقة ممن عاصر تلك الحرب من القادة العسكريين العراقيين  الوثيقة كتبت من قبل المرحوم اللواء الركن غازي الداغستاني حصلت عليها من أبنته السيدة تمارا غازي الداغستاني مشكورة .

             

                         السيدة تمارا الداغستاني

             

                      

كان المرحوم اللواء الركن غازي الداغستاني برتبة عقيد ركن وكان يشغل منصب رئيس أركان القيادة العراقية في عمان خلال تلك الحرب ومن بعدها اشغل مناصب عديدة ابرزها مدير الحركات العسكرية ثم قائد الفرقة الثالثة عام 1956 ثم معاون رئيس أركان الجيش حتى 14تموز 1958 عندما وقع الأنقلاب العسكري على الحكم الملكي في العراق ...

  

أحيل على أثرها الى محمكة المهداوي الذي حكم عليه يالأعدام وبقي في السجن حتى عام 1961  صدر بعدها العفو عنه من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم . وتوفي في لندن عام 1966 على أثر نوبة قلبية.

    

كان المرحوم اللواء الركن غازي الداغستاني من أبرز الضباط خبرة وكفاءة كما أمتاز بالخلق العالي والحرص والأخلاص والنزاهة ,رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .

            

    صورة لضباط الجيش العراقي قبل الزحف الئ فلسطين 1948

نص الوثيقة

ما كتبها اللواء الركن غازي الداغستاني حول تشتت الجهود وأختلاف القيادة في حرب فلسطين 1948- 1949.
أذكر أنني بدات بالقول بأن التراشق في التهم بين الدول العربية فيما يخص حرب فلسطين لا يفيدنا في شيء وأن الحكمة في درس الأخطاء  التي أرتكبت لتجنب تكرارها في المستقبل ثم بينت أن هناك خطأين رئيسيين أرتكبتها الدول العربية أديا الى ضياع فلسطين وهما :
1.قيام بعض الدول بتعقيب سياسة تستهدف أقتسام فلسطين أو أقتطاع جزء منها تلحقها بها وذلك قبل أن يتم انقاذ فلسطين من العدو المشترك وقد ادى هذا بطبيعة الحال الى :
2.تشكك البعض في نوايا وأهداف البعض الآخر الأمر الذي جعل توحيد القيادة والجهود مستحيلا ما ادى الى أن تكون الحركات العسكرية عبارة عن مناوشات تعبوية موضعية غير منسجمة ضمن أطار سوقي عام .
وأذكر أنني قلت لو أن كارثة فلسطين علمت الدول العربية درسا بوجوب نبذ التناحر والعمل على التقارب فيما بينها والعمل على تفهم مشاكل واهداف بعضها البعض والتقارب فيما بينها لهان علينا قبول الكارثة ثمنا لهذا الدرس غير ان الواقع يشير الى أننا لم نعتبر بل اخذ بعضنا ينعت البعض الآخر دون أي مبرر ودون انصاف بالخيانة ما أدى الى زيادة شقة الخلاف ولم يستفد من هذا الوضع الفائدة الحقيقية سوى عدونا المشترك اسرائيل .
اما عن موضوع التهم الموجهة الى الجيش العراقي بالذات فقد اوردت مثالين وهما:
1.في بدء الحركات طلبت هيئة الأركان العراقية الملحقة بما سمي بالقيادة العامة في عمان ,طلبت هذه الهيئة من شبيهتها المصرية معلومات مفصلة عن موقف القوات المصرية في الجبهة ونواياها مبينة أن تلك المعلومات ضرورية للتوصل الى وضع خطة للعمل المشترك بين الجيشين اللذين كانا عماد الجانب العربي في الحركات الهجومية . فأبرزت الهيئة المصرية ورقة أدعت انها تبين الموقف بالتفصيل وعند دراسة الورقة ظهر انها كانت عبارة عن تكرار لما أذاعت محطة القاهرة عن حركات الجيش المصري في أذاعتها العامة لذلك اليوم . فأتصل الجانب العراقي بالجانب المصري ثانية مبينا انه لو اراد مثل هذه المعلومات لما كلف نفسه عناء طلبها من الهيئة المصرية أذ سبق له ان سمعها هو عند الأستماع الى الأذاعة من القاهرة . أن هذه المعلومات لا تفيد من الناحية العسكرية أذ انها تستهدف الدعاية ولا تشمل معلومات دقيقة عن قوة القطعات في الأسلحة والأعتدة والأشخاص والخطة التي تنوي القيادة المصرية تنفيذها في المستقبل . فما كان من الجانب المصري ألا ان أجاب بأن تلك المعلومات سرية ولا يجوز لهم اعطاءها الى هيئة ركن أجنبية . فاجاب الجانب العراقي بانهم يستغربون لوجهة النظر المصرية هذه أذ انهم يعتقدون بوجوب اعتبار الجيوش العربية كاملا جيش واحد لتأمين العمل بنجاح وكدليل على حسن نيتهم فان الجانب العراقي مستعد لأن يدلي للجانب المصري أية معلومات يود ان يقف عليها فيما يخص الجانب العراقي وعند أصرار الجانب المصري في رفضه الأدلاء باية معلومات أقترح الجانب العارقي السماح لرئيس هيئة الركن العراقية بزيارة الجبهة المصرية والأتصال شخصيا بالقائد العام المصري .

              

                             الملك فاروق

اعتذر الجانب المصري بحجة انهم لا يستطيعون قبول زيارة الجبهة من قبل ضابط غير مصري قبل زيارتها ( أي الجبهة ) من قبل الملك فاروق وانهم سينظرون في الأمر أذا تمت الزيارة المليكة . فعاد الجانب العراقي وعرض على الجانب المصري أيفاد ضابط مصري كبير لزيارة الجبهة العراقية وقد كان الجواب انهم سيفكرون بالأمر وانتهت القضية عند هذا الحد فلم يوفد الضابط المصري ولم يدع الضابط العراقي لزيارة الجبهة المصرية كما ولم نجهز بأية معلومات عن القوات المصرية وخططها .
2.كان جحفل اللواء المصري محاصرا في الفالوجة واتجهت نية الدول العربية نحو القيام بعمل مشترك لفك الحصار وانقاذ القوة المصرية واتفق على ان يقدم كل من العراق والأردن فوجا واحدا وان تقدم سوريا فوجين وان تتحشد هذه القوة المؤلفة من اربعة أفواج في منطقة بيت لحم للقيام بالهجوم وعلى أثر هذا القرار أوفد الجانب العراقي الفوج فورا الى تلك المنطقة وكانت الكتيبة الأردنية ( أي الفوج ) في بيت لحم في الأساس كما اوفدت سوريا ضابطا برتبة كبيرة للمذاكرة حول موعد وطريقة أيصال الفوجين السوريين وفي تفاصيل الخطة . وبالنظر لضرورة تعيين قائد عام لهذه القوة فقد قر قرار الدول التي أشتركت في تأمين الأفواج بأن يعهد بالقيادة الى ضابط مصري كبير وهو الأميرالأى سعد الدين صبور رئيس هيئة الأركان المصرية في القيادة العامة في عمان . وقد كان السبب لهذا القرار أن القوة المنوي انقاذها هي قوة مصرية لذا فقد كان لمصر الحق في ان يكون لهم شرف قيادة القوة المنفذة تلك  , ثم ان وجود قيادة مصرية للقوتين يؤمن تعاونا اوثق بينها خاصة بعد ان ثبت بتجاربنا السابقة ان الجانب المصري يتردد في تجهيز قيادة غير مصرية بالمعلومات المفصلة السرية الضرورية لتأمين التعاون الوثيق المطلوب لنجاح مثل هذه الحركة . وقد رفض الضابط المصري المشار اليه اعلاه أستلام القيادة هذه وماطل لمدة تقارب من الشهر بأدعاءه انه يحتاج الى مدة طويلة لتقدير الموقف ووضع خطة وحل مشاكله . وخلال هذه  المدة الطويلة بلغ اليهود خبر التحشد العربي في منطقة بيت لحم فأتضحت نوايا الحرب وفقدنا عنصر المباغتة التي كانت العامل الرئيسي لتأمين النجاح فتقرر صرف النظر عند ذاك عن القيام بالحركة . وأضيف ان بعض  كبارالضباط العراقيين عند سماعهم بخبر أمتناع القائد المصري عن قبول مسؤولية قيادة القوة طلبوا بألحاح ان يعهد أليهم  بشرف قيادة القوة وبينوا انهم يقبلون احالتهم الى محكمة عسكرية لمحاكمتهم في حالة فشلهم بتهمة المسؤولية المباشرة في الفشل فلم يقبل عرضهم هذا للسبب اعلاه عن تردد الجانب المصري في تجهيز القائد أن لم يكن مصريا بالمعلومات اللازمة للتعاون الوثيق . انتهت الوثيقة .

ملاحظة: أبقيت الوثيقة كما هي دون تغيير في صياغتها حفظا للأمانة التاريخية .


الفريق الركن
محمد عبد القادر الداغستاني
30 /1/ 2014

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع