يمثل الفنان المصري حسين فهمي حالة خاصة بأفكاره ورؤاه التي تتجاوز الفن إلى السياسة، فتفاؤله الواضح بالمستقبل السياسي لمصر لا يقابله تفاؤل مماثل بأوضاع الفن، حيث أكد فهمي في مقابلة مع “العرب” أن الحكومة التركية تدعم انتشار المسلسلات التركية لتمكن المنتجين من بيعها بسعر أرخص من المسلسلات المصرية حتى تغزو الدول العربية ثقافيا، رغم أن معظم تلك المسلسلات يخلو مضمونها من أي هدف أو رسالة حقيقية.
العرب هشام السيد:لا يزال الفنان المصري المخضرم، حسين فهمي، مقتنعا بأن الدراما المصرية رائدة في العالم العربي بدليل الإقبال الكبير على شراء المسلسلات المصرية، لكنه في ذات الوقت لا يحبذ المسلسلات المشتركة لأن تعدد اللهجات العربية مشكلة قد تعطل تواصل المشاهدين مع العمل، لذلك أبدى عدم حماسته للاشتراك في مسلسلات من هذا النوع، خاصة أن التجارب السابقة خرجت ضعيفة من وجهة نظره، وهو نفس موقفه من تحويل الأفلام القديمة إلى مسلسلات، لأنه ضد تشويه كل ما هو جميل.
يؤمن بأن شخصية الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تحمل من الثراء الإنساني والسياسي ما يغري أي فنان بالحلم بتجسيدها على الشاشة، مثلما يقتنع على خلاف كثيرين بأن مجلس النواب المصري سيكون رائعا بالمزيد من الصبر وعدم الاعتراض على أدائه.
ضد الرقابة
مشكلة الفن في الوقت الحالي حددها حسين فهمي لـ”العرب” في أن الصناعة تفتقد الرؤية والمبدعين، منذ أن فقدت كبار الكتاب والمخرجين أمثال إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وغيرهم.
وأدى ذلك بالضرورة إلى تراجع في مستوى الفكر والكتابة، وزادت المشكلة تعقيدا استعانة الفن بالأدب المعاصر، وهو لا يشتمل على العناصر الأدبية الصحيحة أو الفكر الثري مقارنة بالماضي.
وأوضح وجهة نظره بأن هناك فرقا شاسعا بين الكلمة واللحن في الغناء حاليا عما كان عليه في الماضي، لذلك لا بد من دفعة قوية للفن، وهذا هو دور الثورات التي حدثت في مصر، لكن الأمر يحتاج بعض الوقت لإحداث التغيير المحتوم.
حضور فهمي المسرحي نادر، لكنه فارق مثلما حدث عندما قدم مسرحية “أهلا يا بكوات” على المسرح القومي مع الفنان عزت العلايلي، لهذا يتألم لأزماته الحالية رغم محاولات مسرح الدولة للاستعانة بالنجوم مرة أخرى مثل الفنان يحيى الفخراني الذي قدم مؤخرا “ليلة من ألف ليلة”.
رغم هذه المحاولات لا يزال لا يوجد مسرح حتى الآن من وجهة نظره، لأسباب كثيرة منها ابتعاد النجوم وقلة النصوص، وربما هذا ما دفعه إلى التفكير بجدية في بطولة مسرحية “هولاكو” من تأليف الشاعر فاروق جويدة على المسرح القومي.
وحول تجارب مسارح الفضائيات التي أطلقها أشرف عبدالباقي بفرقته “تياترو مصر”، ثم انتشرت في العديد من الفضائيات الأخرى، قال فهمي لـ”العرب” إنه لم يشاهدها ويعتقد أنها تفتقد لمقومات المسرح الحقيقي ولا تزيد عن كونها مجرد تقليد.
وفي وقت يرفض فيه حسين فهمي مطالب بعض الفنانين بعودة الدولة إلى الإنتاج باعتبار إنتاجها للأعمال الفنية أمرا لم يعد موجودا في العالم كله، وإنما تقدم فقط التسهيلات والخدمات وليس مطلوبا منها الإنتاج، يؤكد أن الدراما التركية انتشرت بدعم حكومي.
حسين فهمي أكد أنه ضد الرقابة على الفن خاصة أنها لم تعد موجودة في الدول المحيطة، لكن هناك ما يسمى أخلاقيات المهنة التي يجب على الجميع احترامها.
وقال إن النقابات الفنية هي من يحاسب الخارجين على تلك الأخلاقيات، ويمكن أن يكون ذلك بحرمان المنتجين من الحصول على دور عرض جيدة، كما يجب على المشاهدين القيام بدورهم في مواجهة النوعيات السيئة من الفن.
لا لدراما السير الذاتية
من مفارقات الفنان حسين فهمي أنه ينظر إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، باعتباره من الشخصيات الثرية التي تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتحليل، وتغري أي فنان بتجسيدها لأنها كانت عنيفة ولها تصرفات شاذة جدا منذ أيام دراستها في كلية الحقوق جامعة القاهرة. ومع ذلك يؤكد رفضه المشاركة في دراما السير الذاتية، لأن هناك أسرارا تخص كل شخص من أصحاب تلك السير وتتعلق بآخرين عاصروه، لا يعلمها إلاّ عدد محدود، بينما ما يحدث أن معظم أعمال السيرة الذاتية تحتوي على كم هائل من الكذب.
حسين فهمي الولد الذهبي في السينما معشوق الفتيات في فترة السبعينات والثمانينات غائب كليا عن الفن السابع، وهو يبرر ذلك بأنه لم يعرض عليه دور مناسب، ويرى أن هناك أدوارا تنادي الممثل، وهو لن يتردد في تلبية النداء عندما يتلقاه.
أما عن علاقته بالوسط الفني حاليا، فقال لـ”العرب” إنه حاضر كمستشار لزملاء من الجيل الجديد، سواء في الإخراج أو السيناريو أو التصوير بالمشورة والرأي، وفخور بأن هناك أعمالا فنية جيدة في الفترة الأخيرة تهدف إلى الارتقاء بذوق المتلقي.
اهتمام فهمي بالسياسة قديم، وتحديدا منذ سبعينات القرن الماضي حينما فرض عليه الرئيس الراحل أنور السادات عضوية الحزب الوطني الذي تم حله بعد ثورة يناير 2011، فكان أحد مؤسسيه الافتراضيين.
ومع ذلك، يتذكر الأمر بابتسامة، وهو يقول إنه لم يحضر أي اجتماع للحزب، ليس اعتراضا على سياساته، إنما لإيمانه بأن حرية الفنان في ابتعاده عن التسييس ليقول ما يشاء، وهو ما دفعه إلى رفض الانضمام إلى أي حزب طوال حياته.
تطرق الممثل المصري إلى عدد من الأوضاع السياسية في بلده، فقال “مجلس النواب سيكون رائعا بالمزيد من الصبر وعدم الاعتراض على أدائه، حيث يجب الانتباه إلى أن منهم من يمارس العمل السياسي للمرة الأولى، كما أن وجود آراء معارضة شيء يبعث على السعادة كونه يعكس وجود حراك مجتمعي بخلاف دول أخرى”، لكن ما يحزن حسين فهمي انقسام المجتمع المصري الذي يجده صورة مصغرة من نظيره العربي في هذه الجزئية.
975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع