فاضل البراك صـائـد الجـواسـيس الـذي أعـدم مع الجـواسيـس!

  

فاضل البراك صـائـد الجـواسـيس الـذي أعـدم مع الجـواسيـس!

       
فاضل البراك، اسم سَيبقى يلوح في ذاكرة العراقيين كأحد أساطين الرعب والفزع، مدير الأمن الذي يعد بلا أدنى منازع خليفة الأسطورة ناظم كزار في منصبه،

 ناظم كزار

الرجل الغامض في حياته وسيرته وصعوده والذي تكتنف نهايته أسرارا بقيت تلوح بعلامة استفهام كبيرة تؤطر قصته.. أسوة بمعظم طلاسم حكم البعث التي بقيت بدون حل أو جواب..

ولعل الحقائق المؤكدة عن الدكتور البراك تكاد تعد على أصابع اليدين، تتقدمها كونه موهبة أمنية متفردة سيطرت على زمام الأمور في البلاد بقبضة من فولاذ في أخطر مرحلة مرت بها حكومة البعث، نهاية السبعينيات من القرن الماضي.. وقدمت لها من الخدمات ما لا يتناسب والنهاية البائسة التي اختتمت بها حياته والتي ترقبها معادوه بكل لهفة وشوق!
قريب وليس بقريب!
ينتمي فاضل البراك المولود في بيجي عام 1941 الى عشيرة البو ناصر منحدرا مع البكر وصدام من أصول واحدة، لكنه يعد الأبعد عنهم من باقي اولاد العمومة منتسبا الى فخذ  فرج الموسى الناصري، انتمى الى صفوف البعث سنة 1960، وتخرج من الكلية العسكرية عام 1962 الدورة الحادية والاربعين،

       

ولم تعرف عنه موهبة عسكرية أسوة بأقرانه أمثال عدنان خير الله ونزار الخزرجي وسعدي طعمه الجبوري وسواهم، ولعل لحبسه المتكرر وشدة الرقابة عليه أثر في عدم بروزه كعسكري، غير أن اعتقاله وتلقيه صنوفا من التعذيب الشديد إبان حقبة عبد السلام عارف بدون أن يدلي بما يسهم في القاء القبض على قيادات البعث، برغم معرفته بمواضع أوكارهم الخفية، كانت نقطة لفتت نظر صدام نحوه بشدة بدون دخل لصلة قربى أو انتماء لعشيرة.
فرصة نحو القمة
رقي البراك عقب (الثورة) الى رتبة رائد عن استحقاق، وقد ألحق بحماية البكر الذي أحبه وقربه اليه، وتروى عنه قصة نكاد نستبعدها تماما، ألا وهي تهجمه خلال مشادة هاتفية عنيفة على أم هيثم عقيلة البكر، نقل على أثرها الى خارج نطاق القصر الجمهوري، فهو فضلا عن التزامه البعثي المعروف به، إلا أن التهجم على السيدة الأولى حينها يعد ضربة موجعة لهيبة نظام سلطوي قاس كالبعث، وفعلة لا يمكن أن ينجو فاعلها من الموت المحقق مهما كان تأريخه وأيا كان انحداره العشائري، ولا يمكن أن ينسب شخص يرتكب هذا الذنب كمسؤول عن حماية مبنى الاذاعة والتلفزيون كونها مهمة خطيرة وحساسة للغاية بدون أدنى شك.

  

كانت مفاتحته للاشتراك بما سمي (مؤامرة غني الراوي) من قبل أحد أقطابها وهو المرحوم الدكتور حسن الخفاف، هي نقطة التحول في حياته، اذ  تظاهر بقبول التعاون مع الانقلابيين من جماعة الراوي، وأبدى من المراوغة المدهشة وتقمص شخصية المعارض للنظام ما جعله موضع ثقة الانقلابيين المطلقة، وقد قاد الضباط المتمردين الى القصر الجمهوري لا لكي يشهدوا كيفية القاء القبض على البكر وصدام، بل ليلقى القبض عليهم تحت مرأى ومسمع من البكر وصدام، لتموت هذه المحاولة مع ولادة العام الجديد 1970، فيكتشف فيه صدام كذلك موهبة أمنية قل نظيرها بشهادة جميع (المتآمرين) الذين أوقعهم بفخه المحكم حيث لا خلاص ولا نجاة!


مدير الأمن.. الذي لم يتكرر
تسلم الدكتور فاضل البراك مهام الامن العام سنة 1976 عقب اللواء عبد الخالق عبد العزيز، وكانت الامن العامة عبارة عن مديرية تابعه لوزارة الداخلية على عهد عزة الدوري، قام  البراك باعادة هيكلتها وتنظيمها وتوسعتها وتأهيلها ومد جسور التعاون والتنسيق  بينها والأجهزة القمعية الأخرى مما جعلها أقوى دائرة أمنية في البلاد، وكانت أولى مهامه تصفية الحركة الشيوعية وابادة رموزها بعدما نجح النظام باحصائهم وجمع المعلومات عنهم عبر ضمهم للجبهة القومية التقدمية! وهنا شمر هذا المديرالشاب عن ساعديه وعمل ليل نهار لالقاء القبض عليهم، فاكتظت بهم السجون وأقبية التعذيب وقواطع الاعدام، ولتكتب النجاة من الموت المحقق (حصرا) لمن لجأ الى خارج العراق بدون تفكير بعودة الى أحضان الوطن! غير أن العملية الكبرى التي أنجزها باتقان تام هي تصفية تنظيمات حزب الدعوة الاسلامية، وهي مهمة في غاية الخطورة والحساسية لأنها تتطلب اعتقال رجال دين لهم ارتباطاتهم الروحانية وعلاقاتهم القوية بمقلديهم ومريديهم، كما وأن الدعوة نفسه هو حزب قوي ومنظم يمتاز افراده بالايمان والاندفاع والشجاعة مثلما وصفهم التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن للحزب عام  1982 نفسه، غير أن البراك وبما عرف عنه من قدرات على البطش والقسوة، وعبر عتاة ضباط تحقيقه أمثال علي الخيكاني ومهدي الدليمي وعبد الرحمن التكريتي وسواهم، تمكن من تفكيك تنظيمات ذلك الحزب، وتقطيع الخيوط التي تربط  قادته بقاعدته والقاء القبض على الثقل الأكبر من منتسبيه خلال زمن قياسي، كما واقيمت تحت اشرافه الشخصي حفلات تعذيب مهولة ومجازر دموية بشعة داخل اقبية الأمن العام والدوائر المرتبطة بها في جميع أنحاء العراق، مجازر راح ضحيتها الآلاف من خيرة الشباب المؤمن الذين لم يعثر لهم على (اثر) منذ اعدامهم بقرار دموي رجعي (الأثر)!


البراك.. صورة قلمية.. وأمور أخرى
مما لا شك فيه ان اللواء فاضل البراك كان على قدر عال من الجرأة وتحمل المشاق والمطاولة والصبر وقوة الأعصاب، تلك الجرأة التي جعلته يطالب صدام في ندوة حزبية متقدمة نقلت على شاشات التلفاز بالغاء الاتحاد العام لطلبة وشباب العراق! مبررا ذلك الطلب لقيام أفراده بممارسة مهام أمنية تربك عمل الأجهزة المختصة تاركين مهمتهم الأساسية وهي الدراسة والتفوق.. حتى قال له صدام: هذه هي المرة الاولى التي يطالب فيها مدير أمن العراق بالغاء اتحاد طلبة وشباب العراق! كما وانه هاجم وبكل ضراوة القياديين الكبار برهان الدين عبد الرحمن التكريتي وجعفر قاسم حمودي وطاهر توفيق اثناء انعقاد المؤتمر القطري الثامن للحزب، بدعوى قيامهم بأداء الصلاة وايتاء الزكاة في مكاتبهم الحزبية، وهو ما يتنافى ومبادئ الحزب القائد المؤمن! أن البراك كان على قدر عال من حب الثقافة والميل الى المطالعة، ولعل هذا الأمر - وللانصاف - هو ما ميز القياديين الذين نالوا قسطا حقيقيا من التعليم قبل (عام 1968) أمثال طارق عزيز وعدنان خير الله والدكتور عزة مصطفى عن سواهم من الأميين على شاكلة الدوري وجزراوي وكيمياوي وسبعاوي! اننا ومن خلال مطالعة ما دونه سامي الساعدي في كتاب (ليالي ابو غريب) والدكتور حسين الشهرستاني في مؤلفه (الهروب الى الحرية)  ومؤلفات سالم الجميلي وفاضل المشعل، يمكن لنا ان نرسم شيئا من ملامح شخصيته، حيث أنه: (شجاع، جريء، قوي الشخصية، مهيب الجانب، ذكي وموهوب أمنيا حد الدهاء، حاد النظرات حتى يخالها المتحدث اليه أنها تخترق جسده لتسبر أغوار فكره، متحدث لبق مع كونه قليل الكلام، يحيط نفسه دوما بالغموض، ذو خلفية ثقافية جيدة خلاف أقرانه انصاف الأميين من قادة الاجهزة الأمنية كبرزان ووطبان وعبد حسن المجيد، نال شهادة الدكتوراه مبكرا ((وان كانت هنالك دلائل قوية تشكك في كونه واضعها الحقيقي، وأن كاتبها هو الدكتور الياس فرح!)).. لا يبالي بالمغامرة بحياته من اجل تحقيق هدفه، يقوم بالتحقيقات مع المتهمين بنفسه ويشرف على تعليقهم وصعقهم وضربهم بالسياط، يستقبل المتهم بوجه العِباد النُسّاك، وينتهي به المطاف الى ذئب سفاك، تعتور نفسه الكثير من العقد النفسية وبغض الاخرين، نرجسي حد الجنون، لا يمكنك التنبؤ بقراراته التي تتغير حسب ما يمليه عليه تفكيره حصرا، لا يبالي بصلة قربى، ضاربا عرض الجدار أية علاقة مع صديق أو رفيق ان مثُل بين يديه متهما، شديد التحمس لتطوير وسائل التعذيب والتحقيق ومسايرة العصر فيها، لم تفشل لديه أية خطة امنية رسمتها يداه برغم عدم تخرجه من (مدرسة) قصر النهاية الرهيب.. باستيل العراق).
الكاتب:سعد محمود شبيب
المصدر: المشرق

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1379 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع