أوراق الأستاذ صبري الربيعي..خفايا الحكام والأعلام .. ماذا تضمنت ؟/ح2
الگاردينيا:عندما لبى الأستاذ صبري الربيعي طلبنا بوقت سابق , لإطلاع القراء الكرام على مستلات من كتابه القيم الموسوم (اوراقي في الصحافة والحياة) ,
ونشرت صحف ومدونات كثيرة تلك المستلات , وردتنا عديد الإتصالات المباشرة وغير المباشرة تتمنى علينا والكاتب نشر بعض مضامين الكتاب , ونباشر منذ الآن في نشر بعض تلك المضامين ثلاث مرات في الشهر ..مع التقدير
ما أشبه الليلة بالبارحة ؟ الذي عاشته بغداد فجر17/ كانون ثان/ 1991 , يشابه الى حد كبير مايجر الإستعداد له لضرب سورية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية! الإستعدادات هي هي والتصريحات هي هي والتنسيق هو هو والإعلام هو هو وان اختلفت بعض التفاصيل .. وربما يكون من المصادفة ان تضم اوراق الأستاذ صبري الربيعي فصلا عن ليلة وفجر القصف الأمريكي على العراق , في ذلك الفجر المفجع , وقد اخترنا هذا الفصل المتضمن عروضا انسانية لوضع عائلة في ظروف الحرب ! تزامنّا مع ما يمكن ان تسفرعنه الساعات المقبلة من هجوم اميركي متوقع على سورية ..ومن المثير ان مقدمات هذا الهجوم ووسائل الإعداد له تماثل وسائل الهجوم عن بعد , حيث لاحول ولاقوة للعراق انذاك , ولسورية اليوم في صد مئات الصواريخ الأتية من البحر
من المجرم ..الصواريخ أم الأرعن ؟
لم يكن أحدا من المخدوعين بتوفر شيء من أخلاقية النظام الأمريكي حيال قضايا الشعوب وحريتها , يتوقع ارسال (الولايات المتحدة الأميريكية ) اطنان من القنابل المصممة (خصيصا للأهداف الحيوية) وصواريخ كروز فجر يوم 17/1/1991 , استهدفت تحطيم البنى الارتكازية في دولة مثل العراق , كعقوبة معلنة استهدفت بها معاقبة (نظام صدام حسين) , الذي لم تؤذيه (شظية او اطلاقة واحدة) , فيما سقط الآلاف من العراقيين ضحايا , ودمرت خلالها مئات المنشآت العسكرية والإستراتيجية اقتصاديا واجتماعيا , بعد ان انهكت العراق والعراقيين و انهكتها ثمان سنوات من الحرب , بمواجهة مع الجارذي العداء التقليدي ( ايران) , تكلفت 450 ملياردولار و مليون شهيد وخلفت ملايين الأرامل واليتامى بالإضافة الى الهدر الفاحش في الأموال العامة المنفقة على المشاريع الكبرى المدمرة !.. في حين قال الرئيس الأسبق صدام حسين واعلامه (يامحلى النصر بعون الله), ولعلّ (النصر) من وجهة نظر الرئيس (المكابر ) و المعجب بنفسه الى حد (النرجسية), يعني "خروج الرئيس والعراق من تلك الضربات الجوية والصاروخية المؤثرة بسلام " مع انه سلام المنهك سياسيا وعسكريا واقتصاديا , الاّ من هيكل دولة ! ..
الروح عزيزة
لم يعد سكني في مزرعتي ب(الدورة) ملبيا لمتطلبات أمن العائلة , نظرا لوقف الخطوط الهاتفية وسيلة الاتصالات الوحيدة , ولعدم وصول المياه , وكذلك لوحشة المكان , فالإنسان بطبعه كائن إجتماعي , على الأخص في مثل تلك الظروف التي تجعلني استيقظ صباحا لأجمع من حول الدار وسياراتي الثلاث ,العشرات من القطع المتناثرة من قذائف بطاريات مقاومة الطائرات والمقذوفات المتنوعة ! كما بقي أثر اطلاقة متوسطة في سقف سيارتي لعدة ايام , حتى عالجها (تنكجي) في البياع !
وبسبب من ان (الروح عزيزة ).. فقد تداعى الأصهار الى لقاء تقرر بنتيجته مغادرة بغداد الى بعقوبة في ساعة صفر محددة , وهي اعلامنا من قبل احد الأصهار الذي كان يعمل في مكتب الأمم المتحدة المتخذ من (المرسة الفندقية ) على قناة الجيش , شرق العاصمة بغداد مقرا بأن موظفوا الأمم المتحدة قد بدأوا رحيلهم عن العراق ! وتلك اشارة معتمدة في احداث مماثلة سابقة أبان الحروب التي (تمتع) بها العرب من دون غيرهم ..جاءنا الإشعار برحيل ملاكات الأمم المتحدة .
مشردون !
تحركت إثر ذلك ست سيارات نقلت العائلات الى (بعقوبة) , وقد بدى الطريق القصير طويلا بسبب حركة النقل الكثيفة .. وكنت قبل ذلك قد زرت محافظ ديالى خضر الدوري (القريب المقرب الى صدام حسين لجهة الأم) , الذي كان قد أمر باعداد كافة العمارات السكنية او المشغولة كعيادات طبية او مكاتب وكذلك المدارس لإستقبال الوافدين من بغداد , وقد اقترح عليّ ان أقيم ( أنا وجماعتي) بطابقان من عمارة بأربع طوابق , قسمت الى عدة شقق لم تستكمل اعمالها التكميلية بعد , تقع في مركز المدينة الى جانب (حسينية بعقوبة) إ حيث دأب كل من عديلي وصهري (السنيان) على مزاولة صلاتهما فيها , فقد هرع كثيرون الى أداء واجبات العبادات اليومية بعد ان تركوها بغواية الدنيا !..أقمنا هناك من دون مياه معقمة , ولا كهرباء , فكان عديلي (المقدم المهندس ) يتولى متبرعا نقل الماء بما تيسر من الأواني من النهر الى الحمامات , وعادت (الطاسة) و(السطلة) الى مجدها القديم !
قلوبنا تعتصر !
أمضينا ليلة 17/1 بطولها من دون نوم حقيقي , نقلب الأفكار بشأن ماسيحمله فجر غد من مفاجئات لا أحد يعرف حقيقة مجرياتها ..مع الضياء الأول من شروق اليوم تحلقنا حول شرف العمارة لنشاهد بأم أعيننا سلسلة صواريخ (كروز) المترادفة متجهة الى (بغداد) يدفع بها وهج شعلة تعلقت بذيول الصواريخ , بمعدل صاروخ كل 10 دقائق , وكنا نعد ..الأول , الثاني ,الثالث ,وهكذا ..حتى فقدنا الحساب ! ومع كل صاروخ , كانت آهاتنا ترتفع وقلوبنا تعتصر تأسيا على نتائج ستحل ببغداد. ساد صمت في اجواء المدينة .صمت رهيب , وهدأت حركة الطيور المذعورة , لنتبادل نظرات متسائلة , وكأننا أمام امتحان عسير, حتى قالت طفلة من بيننا "يعني بغداد راحت " ؟ داعبت شعرها المنسدل الجميل ودغدغت مآقيي دمعات حارقة وقلت لها "بغداد متروح " .
" بعد عيني ..ابو عبد الله ..أثويهم "!
في اليوم التالي , عن لي الوقوف عل رأي (الحكومة ) فيما يجر , ومحاولة التعرف على (اخبار من مصادرها) ..وعندما اقترح المحافظ على مجموعة من زائريه وموظفيه الكبار وأنا من بينهم , الخروج الى حديقة مبنى المحافظة , لمشاهدة تواصل (مهرجان الصواريخ القاتلة) , ضحكت كاتما ما تثيره صيحات (المحافظ) المتباهي وهو يرتشف قهوته من فنجان مذهب , مرددا بصوت عال نازعا هيبته ك( محافظ) مرددا "بعد عيني ابو عبد الله ..اثويهم" معتقدا أن الصواريخ المنطلقة من البوارج الأمريكية في الخليج هي صواريخ (الحسين) ! التي طالما قال (الفريق) حسين كامل , أنها عابرة لآلاف الأميال .. وفي حقيقة الأمر , لم تكن غير مجموعة من صواريخ ( سكود) الروسية , طورالمهندسون العراقيون في هيئة التصنيع العسكري حشواتها المتفجرة لتحقق مدى أطول ..عند ذلك أدركت ان الأوضاع في غاية الخطورة ! وأننا مستسلمون ومرتهنون للإرادة الغاشمة , حيث كنا كمن يتلقى الضربات على رأسه ويصيح "لاتضرب.. تره أدمرك "!
الفريق عامر رشيد
التصنيع العسكري في ملجأ !
تطلبت الأمور العائلية ذهابي الى بغداد بسيارتي الخاصة , مع عديل لي يعمل موظفا في التصنيع العسكري , وكان عليّ ايصاله الى الموقع البديل لهيئة التصنيع العسكري في ملجأ الجادرية ..نزلنا سلم الملجأ المخصص لهيئة الرئاسة ..في زاوية قصيّة منه وجدت الفريق عامر رشيد رئيس الهيئة , صحبة عدد كبير من الضباط والموظفين .. الذين مثلوا من وجهة نظري آنذاك, صفوة العقول العراقية الساعية في طريق انماء العراق وتطوير قدراته , وقلت في نفسي حينها ربما كانت مبادرة (ادولف هتلر) , قد اصبحت سنّة في ظروف الحرب الخارجية, عندما احتجز العقول الألمانية في رعاية خاصة , وكم كان تصرفا ساذجا عندما فرض النظام الحزبي ارسال آلاف التخصصيين والملاكات رفيعة المستوى , الى جبهات الحرب العراقية الإيرانية , حيث قتل وأعيق العشرات منهم من دون فائدة ملموسة !.تفرغت بعدها لشئوني الخاصة , وقبيل وصولي الى تقاطع (قصر المؤتمرات) من جهة الجسر المعلق , سقطت أمامي قذيفة لم اعرف مصدرها , الا اني شاهدت اثرا بعمق 10 سم على اسفلت الشارع , والغريب في الأمر انني كنت لوقت طويل أشاهد ذلك الأثر عند مروري في تلك المنطقة!
الهروب الى ايران!
فجر احد الايام وقد تواصل قذف الصواريخ على بغداد , ومنشآت التصنيع العسكري وغيرها , اوقظت من قبل زوجتي طالبة إرتداء ملابس الخروج بسرعة ..وعندما سألت لماذا ؟ إجتمع حولي الأصهار وعائلاتهم وهم في كامل ملابسهم وكثير تعليقاتهم ..ومفادها "أنهم سمعوا من الإذاعات ان الأمريكان سيضربون بغداد والمحافظات القريبة بالأسلحة الكيمياوية" .. كما أن هؤلاء المعتدون الأشرار في طريقهم الى بعقوبة ,"وعلينا جميعا امتطاء سياراتنا والهروب صوب الأراضي الإيرانية :..خلال ثوان تجسدت لدي الكثير من الرؤى عن مصير عائلات في هذه البرية من دون هدف محدد ! وأدركت بسرعة أن علينا عدم المغادرة وانتظار القادم المعلوم أفضل من القادم المجهول , وفي النتيجة صح رأيي .
السقا ..عاد!
أمضينا في (بعقوبة ) عشرة ايام ,عرفت خلالها أن الخوف والقلق دواءه اللجوء الى الله , فكانت (الحسينية- الجامع) المجاورة لمكان اقامتنا مرتعا لآوقاتنا , نصلي فيها ونستغفر الله ان يمن علينا وعلى العراقيين بالسلامة , وكثيرا ما كان التجوال في سوق الخضار وشراء المستلزمات العائلية يستغرق شطرا من النهار, فيما حاول المحيطون بي تعليمي اي من لعب (قتل الفراغ) من دون جدوى , فأنا وهذه الألعاب على خصومة تأريحية منذ وعيت الدنيا ! أما ليالينا فقد أعادتني الى جلسات السمر البريئة للعائلات العراقية ,التي أضاف اليها البعض منّا انواع (المكسرات) حيث كنا (نكرزها) في تلك الليالي الباردة , في مبنى عسلت ارضيته وأبوابه , وكثير من غرفه من دون زجاج ! كنّا نمضي تلك الليالي الغريبة على على ضوء الشموع , فقد صارت الكهرباء مثل امرأة جميلة لاتأتي الاّ بالأحلام ! فيما نتبادل الأفكار والمعلومات من مصادرها الوحيدة المتمثلة باذاعاتا (مونت كارلو) الموجهة فرنسيا , و(بي بي سي) البريطانية , وأهم مصادرها (سي أن أن) و(رويتر) , ولم يكن يسر أحدا منّا الإستماع الى اية اذاعة عربية ,بسبب من الغث الذي كان يجعلنا نكفر بالعروبة . فهذا العراق ..العراق بكل تأريخه ودوره وغيرته على هذه الأمة يذبح ..و(الأمة ) تتفرج ! بل وتشمت ,في كثيرمن الأحيان !
"رزق البزازين على المعثرات" !
صار مهما تفقد بيوتنا بعد استشراء ظاهرة سرقة البيوت !..وعندما عدت الى مزرعتي وبيتي فيها , توقفت عند كارثة ..فقد افتقدت معظم حاجات البيت واجهزته الكهربائية المهمة ..وفي قائمة بلغت مفرداتها 26 مفردة قوامها اجهزة معمرة ثمينة وتحفيات وبندقية صيد وكاميرا (مينولتا) احترافية مع طقم عدساتها ..ولكي تكتمل صورة هذه السرقة , اصطحب الحرامية معهم ست الواح من البيض وضعت في (الفريزر) لتجميدها تغطية للطواريء(فكرة عراقية مبتكرة ) ..كما بدا ان اللصوص قد طاردوا (الأوز) المتوحش في المزرعة لينجحوا في سرقة أوزتين , تاركين بقايا من ريشهن كدليل (غير معتبر) على تلك الجريمة ..أما حارس مزرعتي (سالم) فقد هرب الى (اعمامه) في (عرب الجبور), فيما ولى هاربا (كركور) كلبي الوفي الذي رعيته (جروا) , قدمه لي جاري في المزرعة (سلمان) مرافق عزت الدوري , ولم اعرف له أثرا !
لقد حدث هذا كله , ومزرعتي تجاور مزرعة ودار معاون مدير الأمن العام (اللواء....)..فلا أحد يسمع ..أو يهتم (فكل لشة معلكة من كراعها )..المسئولون المدججون باسلحتهم , صارت لهم مواقع بديلة , والقصف المتواصل على بغداد لم يتوقف ., فيما بقيت الى وقت طويل .غصاتنا التي تواصلت في صراع لم يكن يوما الى جانب حياة كريمة مستحقة . لشعب يعوم على بحيرة من النفط !
يمكن طلب الكتاب من مكتبة (دار الجواهري) بشارع المتنبي , فيما يطلب من خارج العراق من خلال الكتابة الى الإيميل عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الگاردينيا: للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى.. النقر على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/5878-2013-08-13-18-20-32.html
1069 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع