يواصل الكاتب الرائد الأستاذ صبري الربيعي , موافاة (الگاردينيا) حصريا , ببعض افكار ومضامين كتابه القيم (اوراقي ..في الصحافة والحياة) , الذي يعرض لأحداث وحكايات , شارك فيها ,او اقترب منها خلال السنوات اال50 الماضية , في مختلف اوجه الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ..وفي ادناه يروي لنا مقابلة مثيرة مع (معمر القذافي) خلال(مؤتمر قادة دول عدم الإنحياز) في (هراري) عام 1986.
وجه لوجه مع (القذافي)
دعوة زيارة ليبيا لم تتم
قذاف الدم منعني من دخول القاعة !
الزمان عام 1986..المكان ( هراري) عاصمة ( زمبابوي) الأفريقية الخارجة من حكم الأقلية البيضاء والرازحة تحت حكم ديكتاتورها ( روبرت موغابي).
قم ..قابل ( ألقذافي) !
بعد إحدى جلسات( مؤتمر قادة دول عدم الانحياز) الطويلة ,التي استمرت أحدى عشر ساعة ,,جعلت جسدي ( يتمطى) ,وأنا شبه مستلق على تلك الأريكة الجلدية السوداء الوثيرة في صالة الاستراحة , حيث غلبني النعاس, لفترة قصيرة ,استيقظت, وكأن هاتفا صدح في إذني , لتأخذني خطواتي, إلى مدخل أحدى القاعات الجانبية, المخصصة للاجتماعات والمداولات التي يجريها قادة الدول أو وزراء الخارجية مع بعضهم البعض الآخر.. وماهي الاّ ثوان, حتى وجدت نفسي في وسط قاعة خلت من أحد, الاّ ثلاثة أشخاص..أحدهم ترك مكان وقوفه خلف الأريكة المذهبة من طراز( لويس السادس عشر) مسرعا ناحيتي.. والطريف أنني لم أركز على من يكون هذا المسرع باتجاهي.. وكان كل تركيزي ينصب على سرعة اندفاعه في الوصول لي, وبيني وبينه حوالي عشرة أمتار! ولم أفق من دهشتي الاعلى صوت القادم الحازم, وهو يرفق قوله التالي , بحركة من يديه تمنعني من التقدم أكثر, وكأنه (شرطي مرور) يأمر بوقف السير في حركة مفاجئة ! وأدركت أنه يطلب مني التوقف..فوقفت, وسمعته يقول..
وين رايح؟
قلت مربكا..ماذا؟
لم يجبني الرجل ..بل راح يمطرني بأسئلة سريعة .:من أنت؟كيف تدخل ؟
ولم ينتظر إجاباتي.. بل حدّق في شارة (المؤتمر) التي أحملها وقال متسائلا..
أنت من العراق؟
في تلك اللحظة, استرجعت شريط الذاكرة سريعا, لأدرك أن الواقف أمامي (أحمد).. لكن أي أحمد هذا؟..
أنه(أحمد قذاف الدم), رئيس المخابرات الليبية..ولأن هذا (القذاف) كان (بطلا أسطوريا) لكثير من الروايات الواقعية والخيالية أيضا عن وحشيته وسلوكه ألإجرامي, في تصفية وتعذيب المعارضين لحكم ( ألقذافي)..اختلست نظرة سريعة إلى (الكنبة) التي تتوسط القاعة, لأرى (معمر ألقذافي), بلحمه وشحمه, صحبة رجل فيه بعض بدانه, ذي بشرة بيضاء, ونظارة رقيقة, عرفت فيما بعد أنه ( دوم منتوف) رئيس( مالطا).. تلك الجزيرة الساحرة في البحر الأبيض المتوسط ,التي عرض ( ألقذافي) في ذلك الوقت,على رئيسها إعلانها دولة ( مسلمة) ! لكي يمده بالدعم المالي, ويغنيه عن مساعدات الدول الغربية!
لم تطل وقفتي مع ( قذاف الدم ) طويلا .. إذ سرعان ماتردد صوت( معمر ألقذافي) الأجش,مناديا على ( القذاف)..
"دعه يأتي إلي.."
حوار الذات (يتغلب) على حوار(ألقذافي)!
يالله .. صحفي عراقي, من بلد يحكمه ( صدام حسين) ,غريم الرئيس الجالس على (الكنبة) ! مالذي يريد أن يفعله بي هذا الرئيس ؟ الذي أعلن جبهة للصمود والتصدي , الى جانب إيران ضد العراق , خلال سنوات (الحرب العراقية الإيرانية) والمتهم بأنه وراء العديد من حوادث اختطاف السياسيين والصحفيين العرب والأجانب! خاصة وأن رئيس المخابرات الليبية, وهو أداة ( ألقذافي) وذراعه الضاربة الطويلة, يقف قبالتي! ..
استجمعت شجاعتي التي لم أجربها من قبل في مثل هذا الموقف ,وتقدمت بضع خطوات ,لأجد (ألقذافي), وقد نهض من مقعده, مادا يده لمصافحتي ففعلت, وقد طمأنتني تلك المصافحة أيّما اطمئنان..سمعت ( القذافي).. يقول:
"وشو تعمل بالصحافة" ؟
قلت.".التحرير "
قال.. "وشو راح تكتب عني"؟
قلت.."سيادة الاخ العقيد , لم أعرف شيئا عنك بعد لكي أكتب"!
قال.."هل تريد معرفة الكثير عني وعن فلسفتي ..اقرأ الكتاب الأخضر" ! (طبعا هو لايعرف أني قد قرأت الكتاب الأخضر, ووجدت يه سفسطة )!
هنا ( تبلعمت) وقد سمعت ( قذاف الدم ), قائلا :
"سيدي القائد ..أرى أن الأخ, ينبغي أن يزورنا في ليبيا العروبة" !
نظر ( ألقذافي) لي, بعد أن اتسعت ابتسامته .."ماذا تقول..هل ترافقنا الى ( ليبيا) ؟ نذهب غدا ؟..أم تعود الى (بغداد) لأخذ موافقة( صدام) "؟
قلت له .."سيدة الأخ.. أرجو إعفائي ..لاهذه ولا تلك..نتركها للمستقبل !"
صافحني ( ألقذافي) بحرارة.. طالبا من (قذاف الدم ), إيصالي إلى خارج القاعة ..
خطونا خطوات قليلة وقلت ل(قذاف) ..شكرا لك ..
قال إلى اللقاء!
بعد أربع سنوات ..اللقاء الثاني !
ولم يحدث اللقاء في ( ليبيا) ..بل حدث في (بغداد ) بعد أربع سنوات..ولكن من دون استذكار ( العقيد) لذلك اللقاء, الذي كتبت عنه في مجلة ( الف باء) ,ضمن رسالتي عن (مؤتمر قادة دول عدم الانحياز) ..في مؤتمر ( بغداد) كنت أراقب ( ألقذافي) من وقت لأخر وعلى مدى يومين , خلال جلسات (مؤتمر القمة العربية) الاستثنائي, الذي عقد للفترة 28/29/ مايس/1990 ,وهو المؤتمر الثاني الذي يعقد في العاصمة العراقية طيلة تأريخ عقد القمم العربية , مع أن (العراق) هو العضو المؤسس الأبرز للجامعة العربية, الى جانب مصر ولبنان !
الگاردينيا: للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى النقر على الرابط التالي:
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/2619-2013-01-15-19-10-17.html
3985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع