ذكريات من داخل الجولة البنرامية بين ساحتي الشهداء وحماد شهاب في الكرخ للزميل سعد هزاع عمر التكريتي
ما أجملها من جولة تلك التي سطرها الاخ سعد هزاع عمر التكريتي في سفرة وصفية وتاريخية من ساحة الشهداء الى ساحة حماد شهاب في منطقة الكرخ ذكرتني بآخر سنوات سكني في هذه المنطقة عام 1968 حيث انتقلت الى منطقة العطيفية الاولى بعدها على القرب من رأس الجسر الحديدي من جانب الكرخ ومستشفى الرازي .
كانت هذه إنتقالة جسد و تحسين سكن لخدمات افضل مما هي إنتقالة روح وتعلق وحياة فقد بقت الكرخ من جسر الشهداء الى مقهى القبطان موطن الشوق والحنين موطن الانس والمتعة موطن العودة مهما تعددت مناطق العيش الأخرى واتسعت دائرة العمل الوظيفي في بغداد او خارجها في محافظات العراق الاخرى .
كانت العطيفية الاولى حي يمتاز بهدوء ورفاهة الاجواء وعصرية البناء وبالرغم من انها احتوت معظم سكان الكرخ الأصليين لكن الكرخيين بقوا متعلقين بالكرخ حيث يقضي الكرخيون عصرياتهم وامسياتهم في الكرخ القديمة ليعودا قبل الثانية عشر مساء في آخر باصات رقم 16 او يعودوا متأخرين مشيا عبر الكورنيش الى بيوتهم في العطيفية .
ظلت منطقة الكرخ القديم منطقة تجمع لأبنائها في السراء والضراء وقت الأنس والفرح وفي مجالس العزاء والتجمعات الاجتماعية والسياسية بل كان الكرخيون يتجمعون من كل حدب وصوب في بغداد للمشاركة في صلاة الجمع بجوامعها وأمسيات المحيبس في رمضان ليعودا محملين بسلع الكرخ الى مناطق سكناهم ..
من لحم وفحم وفاكهة وحاجيات اخرى اشتهرت بها الكرخ كالطرشي والصمون والباجه كما يجتذب الحلاقون زبائنهم ليحلقوا رؤوسهم في الكرخ من كل مكان.
حلاق بغدادي
وعلى ذكر حلاقي الكرخ فإن أسماء رشيد الحلاق وفازع وعنتر وهوبي وقبلهم عبدالوهاب السامرائي أبو جمال في سوق حماده كانت شائعة ومن ذكرياتهم إني كنت أحلق شعري في نهاية سوق حماده قرب الشيخ على عند الحلاق هوبي منذ أن كان يجلسني على خشبة الكرسي لقصري وبقى هوبي (أبو حذيفة) حلاقي لغاية آخر يوم حلق فيه شعري قبل القدوم الى عمان عام 2005 وقد توفاه الله بعدي بسبب اصابته بمضاعفات السكري على عينيه وقدميه . كما كان الحلاق فازع يحلق شعر زبونه اللواء الطبيب فاروق العزاوي في مستشفى الرشيد العسكري طيلة عمله بل وحتى بعد فتحه عيادته في الكرخ بعد التقاعد . أتذكر جيدا بعد تخرجي بسنين اني كنت بصحبة صديق في التكارته واوقفنا الحلاق رشيد يخاطب زميلي اللواء ثامر الجبوري قائلا :
ثامر تقبل دكتور عمر شعر رأسه مخربط واني موجود ما حلق بحياته يمي تعال شوف آني كنت حلاق الريس عبد السلام عارف قبل ما يصير رئيس ويلعبون طوبه بحلاقة شعره تعال شوف صورته من كنت أحلقله . وعدته بالحلاقة مرة عنده وأشوف حلاقته ومرت سنين حتى صادف يوما اني أديت صلاة الجمعة في جامع بمنطقة 14 رمضان قرب حي الأطباء فسلم علي الزميل طارق ابن الحلاق رشيد وأصر علي أن ازور والده الذي كان قد انتقل مؤخرا إلى المنطقة مع عائلته وفتح صالون حلاقة وجدت ذلك مناسبا حيث زرته وكان متقدما بالعمر وحلقت شعري عنده كما حلق شعر ابني أيمن وكانت تلك اول مرة وآخر مرة يحلق فيها أبو طارق شعري في جلسة على كرسي الحلاقة لم يسكت خلالها لحظة واحدة عن مهنته كحلاق منذ طفولته ومشاهير من حلق لهم في الكرخ من الرموز والشخصيات يضمنهم المرحوم عبد الرحمن البزاز وغيرهم . من ذكريات منطقة جامع عطا التي سكنتها في المتوسطة كانت دربونة البستان الضيقة والقصيرة والتي كانت تنتهي بدار الحلاق عبدالوهاب السامرائي وكنا جيران له في أول سكن عائلي لنا في الكرخ بعد ان كنت وأخوتي نسكن كطلاب وحدنا وكنت ادرس في متوسطة الثورة بعد انفصالها عن الكرخ في ساحة الشهداء قرب فندق ومقهى الفردوس مجاور جامع حنان ..
وحين كنت خارجا في أحد الأيام عصرا وفي رأس الدربونة شاهدت قطيعا من الجاموس العائد من النهر صيفا من بعيد وفي مقدمتهم جاموسا هائجا يحاول راعي القطيع من السيطرة عليه ولا يستطع وهو هائجا يضرب ويوقع العديد من المارة والصبيان توقفت عند عمود الكهرباء في مدخل الدربونة غير مصدق بما يحدث وإذا بالجاموس الهائج يفاجئي بالتوجه نحوي واللحاق بي وأنا اركض الى نهاية الدربونة ولما لم ينفع طرقي للباب كنت من شدة الهلع والخوف قد فقدت وعيي حين فتح أخي الباب مصدوما هو بهول المنظر أنا في الأرض والجاموس واقف على مدرج الدربونه لا يبعد عني مترين والناس تركض خلف هذا الجاموس تريد ان تعرف نهاية المشهد الذي انتهى به في قعر الدربونة التي لا يكفي عرضها لمحاولة الدوران والخروج منها .
بائع القيمر في احدى محلات بغداد
اذكر التسوق الصباحي في سوق حماده شراء المعجون والكيمر من عباس العطار وشراء الخبز من فرن غازي الفارس والكباب من جليل العطار والحيوه والكوجه (السفرجل ) من محل احمد والد الزميل ياسين الطائي والخضر من محل صادق الحاج داود وعبد شهد القصاب وقهوة سعدون المختار والعطار نجم وكثير غيرهم .
وفي هذه المرحلة كان اقرب الاصدقاء لي الاخ والزميل لاحقا الدكتور محمد شلال العاني وساجد الكحله وثامر الجبوري وحليم ورحيم حجي سعيد و وليد محمد سعيد ومؤيد محمد سعيد وهو شقيق الضابط والقانوني باسل محمد سعيد والكثير الكثير من زملاء اليوم .
لمساجد وجوامع الكرخ لي ذكريات لا تنسى فبسبب عدم توفر أماكن للقراءة في بيوتنا الصغيرة والمزدحمة كانت المساجد تشكل اماكن صلاة ودراسة ومن هذه المساجد كان مسجد المدني الواقع بين سوق حماده والتكارته حيث كانت طرمته مصدر راحة وهدوء للعديد من المصلين حيث كان الهواء الشمالي البارد في أيام الصيف الحار ملجأ للعديد من الشباب كنت واحدا منهم لقرب المسجد من سكني....
وفي هذا المسجد التقيت بإمام المسجد الشاب حارث الضاري لأول مرة وتعلمت بعضا من أصول القراءة والتجويد والحفظ على يد القارئ الضرير عبد الرحمن والزميل الحاج قدوري ابن مؤذن المسجد . وفي جامع القمرية كانت عصريات الجلوس على سياج الجامع مع الزميل أحمد الألوسي وآخرون مقابل القشلة وبجوار مسناية الدوًّب من أجمل وأبرد مناطق القراءة والدراسة ننتقل بعدها الى سياج طويل على دجلة مقابل سوق الجديد ذهابا وإيابا مع الكتاب حتى الغروب لنصلي في جامع السويدي وبعد العشاء تبدأ حلقات الدراسة في مسجد قريب من مسناية بيت رواك نهاية دربونة بيت طوبان يقع على نهر دجلة مباشرة وكانت مفاتيح المسجد مع الزميل عبد الحليم حاج سعيد وكنا نقرأ تارة داخل المسجد وفي الصيف على سطح المسجد المطل على مياه دجلة المنسابة الهادئة .
لمجمع مراقد الأئمة في الكرخ أثار تربوية تنعكس على حياة شباب الكرخ وهذا ما وجدته شخصيا في نفسي عندما سكنت الكرخ ، مقبرة الشيخ معروف كانت تجمع كثير من طلبة الثانويات والجامعة قد تكون هذه الظاهرة غريبة ولكنها حقيقة أن مقبرة الشيخ معروف كانت تعتبر منتزه لنا كونها تشكل فسحة جغرافية كبيرة فيها قبور وجثامين الأجداد تجد بين القبور عناوين لعائلة الشواف والكحيمي والعكيل وآل قدوري ودراغ والعبطة والفضلي والجبور والسوامره والتكارته وعلى رأس هذه العناوين مرقد الشيخ معروف والشيخ داود الطائي وعلى مقربة منهما ضريح الشيخ الجنيد البغدادي والسري السقطي وضريح السيدة زمرد خاتون أم الخليفة الناصر لدين الله على شكل قبة مخروطية كمنارة الشيخ عمر السهرودي في الرصافة والحسن البصري في البصرة ويسمى بمرقد السيدة زينب خطئا زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد المدفونة في مقبرة قريش في الكاظمية الآن . وبين مجمع الشيخ معروف ومجمع الجنيد البغدادي فسحة جغرافية كان يفصلهما ممر سنمتي يقع ضمن منطقة وقوف القطارات للمنطقة العالمية في جانب الكرخ كنا نستخدمه للقراءة ذهابا وأيابا وكان من بيننا في كلية الطب الاخ طارق علي العاني وأخوه عادل في الزراعة وعبد الله العاني وكثير غيرهم . في مرحلة الثانوية حدثت حادثة كانت لها ردة فعل كبيرة حيث حدث ان احد أصدقائنا وهو أبن لناظر المقبرة عبد المنعم عبدالفتاح الحيالي والعائلة التي تشرف على المقبرة وكان طالبا في المرحلة الأخيرة من الثانوية يقرأ معنا اختفى وبعد التفتيش وجد منتحرا شنقا في أحد غرف المقبرة قبل موعد امتحان البكلوريا بأيام ، وقد شكل ذلك في حينها ردة فعل قوية بتوقف الذهاب للدراسة في المقبرة .
ولإعطاء فكرة تاريخية عن جذور هذه المقبرة اقتطف هذه النبذة من كتاب المستشرق البريطاني كي لسترنج :
الشُونيزي الكبير أيضا تضم رفاة ومقامات واضرحة لعدد من اعلام ومشاهير بغداد وعلى راسهم مرقد النبي يوشع ويقال انه أحد انبياء بنو إسرائيل ويذكر الخطيب البغدادي ان النبي يوشع مدفون في بغداد في الجانب الغربي بمنطقة يقال لها الشونيزية أو الشوينزية مستندا إلى وصية عبد الله بن أحمد بن حنبل بان يدفن إلى جوار نبي احب اليه من أن يكون في جوار ابيه.وهذه الوصية تؤكد على وجود النبي يوشع في هذه المنطقة[17].وهناك تل يسمى تل اليهود دفن بقربه الشاعر المعروف أبو نؤاس [18]. زار الضريح الرحالة الدنماركي نيبهر وقال عنه(بقرب بهلول يقصد بهلول بن دانة الكوفي، يرى اليوم بناء صغير حقير فيه قبر يسمى يوشع الذي يكثر اليهود زيارته[19]. وعلى مقربة منه يرقد مشاهير أئمة التصوف في بغداد انذاك والذين كان بعضهم يقيم أو يصلي في مسجد الشونيزية ،ومنهم الشيخ الجنيد البغدادي والسري السقطي وذو النون المصري وعلى مسافة غير بعيدة تستطيع ان تشاهد مرقد الشيخ معروف الكرخي(مقبرة باب الدير-لوجود دير كان للنصارى انذاك). وبقربه تل احمر ويقال انه المكان الذي اعدم به المتصوف منصور الحلاج[20].وأيضا ترى القبة المقرنصة وترقد تحتها زمرد خاتون المتوفاة(599هجرية-1202ميلادية)،وتعرف خطأ بقبر الست زبيدة زوج الخليفة العباسي هارون الرشيد[21].وهناك مسجد الشونيزية وكذلك رباط الشونيزية الذي كان يتمتع بخزانة من الكتب الموقوفة[22]. وخلف ضريح النبي يوشع يرقد بهلول الكوفي والى جوار مرقد بهلول مباشرة وملاصق له مقام بابانانك أو الغورو ناناك المؤسس والزعيم الروحي لطائفة السيخ في الهند....مااردت قوله ان الشونيزية هي الاسم القديم لبغداد، وما كانت بغداد الا سوقا يسمى قرية سوق بغداد في مدينة السلام كما سماها الخليفة المنصور.
لمسجد الإمام الزاهد حبيب العجمي في حياتي ولع واهتمام خاص نايع من الروحانية العالية التي تنتابني في كل لحظة كنت اقضيها فيه تطورت بعد ذلك الى زيارات مستمرة كل أسبوعين لضريح هذا الإمام الجليل الذي قرأت عن زهده و صوفيته كثيرا وبقيت على هذا النهج حتى مغادرة بغداد .
تعرفت في جامع الست نفيسه على خطيبه المرحوم هاشم الخطيب وهو شقيق السيد كامل الخطيب وزير العدل سابقا ومن خلال هذه المعرفة ساعدني في نقل أخي الأكبر من محكمة الديوانية إلى مجمع المحاكم قرب سوق الجديد وقد ساعدني هذا النقل للعيش مع عائلته بعدئذ في منطقة جامع عطا بعد سفر أخي الدكتور عامر وعائلته إلى أميركا للدراسة في عام 1965.
لقد تعلمت من هذا الشيخ الأفندي وهو يرتدي عمة خضراء وجبة على بنطلون وقميص رسمي ويعيش حياة معتدلة الكثير من الحكم وسير الرجال كما كان ضليعا بالأدب والتاريخ وأهداني الكثير من الكتب القيمة التي اعتز بها حيث كنت أمرعليه وهو امام جامع الملك فيصل الثاني في محلة السراي خلف مديرية الأوقاف قبل الذهاب الى سوق السراي...
حيث أصبح لي ولع في اقتناء الكتب من مكتبات حسين فلفلي ومحمود قالبجي والخاقاني والمعارف والمثنى والحضارة وما مطروح في أرضية سوق السراي ومن ثم شارع المتنبي بل وترويج بيعها بين الشباب والمثقفين ومنها كتب الرافعي والعقاد وتفاسير القرآن وميزات كل منها وفي جانب من حديث له وكنا نتكلم عن التصوير الفني لتفسير سيد قطب قال لي موعظة لم أنساها فيما بعد أن سيد قطب وتفسيره رائع بغض النظر عن كونه سياسي الآن ، أنا أنصحك بعدم امتهان السياسية وانصرف لتكوينك المهني والديني والتاريخي فإن السياسة تفسد كل شيْ ، وقد عرفت كم كانت وصيته هذه رائعة وصحيحة في مجرى حياتي اللاحقة .
ولا أنسى أن خادم جامع الست نفيسه كان كرديا وكان له هواية ببيع الساعات القديمة والمسابح والمحابس وقد اصبح لي ولع بهذه الهواية من ذلك الحين وتركت كل ما جمعته من هذه الهواية في بغداد بعيدا لا ادري ماذا فعل بها جنود الاحتلال ومفارز التفتيش بعدي . بجانب جامع الست نفيسة كان محل الحاج أمين البزاز وهو يجلس على الأرض وقورا وأمامه القرآن الكريم يقرأ فيه وهو شقيق الرجل الصوفي الزاهد سعيد والد الزاهد الاستاذ عبد المجيد (مجودي) ورحومي وحلومي و زوجات المرحوم عبد القادر الجنابي وعبد السميع وزميلنا الدكتور الجنابي رحمهم الله.
من خطباء الجمعة الذين كان لهم رواد كرخيين كان السيد كاظم خطيب جامع حنان وعبد الوهاب الهيتي خطيب جامع القمريه والسيد هاشم الخطيب في جامع ست نفيسة وعزيز البدري خطيب جامع سوق حماده والحاج محمود الحمادي خطيب جامع ثريا والحاج نوري ملا حويش امام جامع الشيخ موسى في المشاهده وغازي السامرائي خطيب جامع عطا وشاكر البدري خطيب جامع اللاصفية وفؤاد الالوسي خطيب جامع مرجان والشيخ عبد القادر الخطيب في الإمام الأعظم والشيخ عايش الكبيسي خطيب جامع الحيدرخانه يستقطبون الشباب في جوامعهم ويجالسوهم ويحسبون كمرشدين لهم ومصادر نصح وإرشاد وكلهم كانوا يدينون في حينها بالإجماع على علمية وتقوى الشيخ امجد الزهاوي والشيخ نجم الدين الواعظ وكأن كلمتهم واحدة .
من مساجد المنطقة مسجد الشيخ بشار وهو مسجد الشيخ سليمان الغنام من آل عكيل والذي قتل ايام نجيب باشا في 1259 هجرية من شيوخ بني عكيل ورثاه الشاعر عبد الغفار الأخرس وحدث ان استولى عليه البهائيون في بغداد قبل هزيمتهم ولا ادري ما مصيره اليوم وهو دلالة على الشارع الرئيسي السجَّة على منطقة الشيخ بشار...
ومن معالم هذه المنطقة حمام شامي والذي استحممت فيه مرات عديدة يقع في الممر الرابط بين السجِّة وعلاوي الشيخ صندل وحمام أيوب وهما حمامان قديمة لأكثر من قرنين من الزمان إضافة الى حمام الشيخ معروف متأخر التأسيس الذي استحممت به برفقة الزملاء احمد طه العزوز والدكتورحبيب الدوري والدكتور خليل الهيتي قبل الاحتلال بفترة قصيرة بعد ان تناولنا وجبة غداء من سمك الجري في شارع الشيخ معروف .
من درابين الكرخ التي لا أنساها هو شارع مقابل دربونة بيت طوبان سكنت في بدايته عوائل سلمان الجبوري(حاج داود ومحمود ومحمد سعيد) كانت تسكن في بدية جهته اليسري عائلة الحاج محمود سلمان الجبوري رئيس كادر الموظفين الصحيين في حينها في مستشفى الشعب وأحد رموز شخصيات الكرخ واولاده مزاحم وحرب وشامل وثامر وفي الدار التاليه كانت دار سكن أخيه الحاج محمد سعيد سلمان الجبوري واولاده مثنى الاديب والصحفي الاستاذ نضال محمد سعيد الخبير الاقتصادي و زميلي وليد.
تقابلهم دور محمد وسعدي وبيت نوفان والسهيل ثم تأتي دربونة العجم التي تحيط بدار سكني من الخلف وتنتهي ببيت منخفض عدد من العوائل ويبدو في خارطته كأنه بيت كبير او كراج قبل ان تسكن المنطقة وقد سكن الدار بعدئذ الأخوان محي ومدحت محمد المطبعي بعد وفاة والدهم و والدتهم . ثم يأتي بالواجهة بيت الآلوسي وبيت التيلجي ويمر بدار غفوري والدلال احمد السامرائي وزوجته بدرية داود رواك وينتهي بعدها امتدادا بتعرجات الى منتصف سوق حماده وقد كان من نصيبنا ان أسكن احد البيوت التي تعود لبيت القاضي كان يشكل زاوية الدربونة وعلى مدخله دكة وأمام الدار عمود كهربائي (تيل) في الزاوية فيه مصباح ينير زاوية الدربونة وينير غرفتي الصغيرة في السطح (بيتونة ) ذات الشباك المطل على الشارع . كانت دكة المدخل والبيتونه وفوقها مصباح إضاءة الدربونة واحدة من أكثر الأمكنة في الكرخ التي جلست عليها ايام وليالي بعد منتصف الليل قبل الهروع الى البالكونة للنوم أقرأ للبكلوريا في مرحلة الثانوية في الكرخ وبعدها في مرحلة السنتين الأولى والثانية في كلية الطب وهي من أكثر الأمكنة التي زرتها بعد فراقي للكرخ وكانت آثار (شخابيط كتابتي على جدران الدار لازالت قائمة) حتى بعد عودتي من رحلة الاختصاص عام 1977 من لندن وظلت حتى تم تهديم المنطقة . ومن تلك البالكونه تعرفت على رفيقة حياتي الدكتورة ساهرة العبطة بعدئذ (رحمها الله) .في ركن وبداية هذه الدربونة كان محل الحاج داود سلمان الجبوري وأولاده منعم وصادق وسعدي ونوري يسكنون الطلبق العلوي. كان الحاج داود من اكثر الذين يستقطبون هواة الكيمر صباحا حيث تجد عشرات الزبائن يصطفون وهو يزن الكيمر بكرم وبمص اصابعه بعد كل كيله يبادلهم الحديث تارة بمزاح وتارة بغض الكلام .في الجهة المقابلة في المنطقة تعرفت على الأستاذ سالم الألوسي الآثاري والإعلامي المعروف خلال زياراته لبيت اخوه ابو عادل الألوسي الباحث والكاتب والعميد احمد الالوسي .
حدث في أحد أيام رمضان عام 1964 أن حدثت مواجهة بين شباب من البعثيين والقوميين تطورت الى استخدام السلاح وانقطع المرور على الطريق الرئيسي وهرعت الناس الى البيوت ، قام حينها السيد محمود سلمان الجبوري ابو مزاحم بالاتصال شخصيا بالرئيس المرحوم عبد السلام عارف الذي وصل بسيارته الخاصة وملابسه الشعبية الدشداشة والعباءة و وقف بين المتنازعين وطلب منهم الانسحاب والكف عن المقابلة وكان يسمي بعض المتقابلين بأسمائهم وفعلا تفرق الجميع وانسحبوا وسار الرئيس متخطيا الى جامع ثريا حيث أفطر وصلى المغرب ثم عاد الى داره وكأن شيئا لم يحدث !.
قبل مقهى ابراهيم اليتيم والد زميلنا خليل كانت هناك زقاق مهم يسكنه الحاج أمين وعائلة عبد كحله وعائلة الحاج امين وبيت مصطاف ومحل للأقمشة صاحبه عبد الواحد الكبيسي وفي رأس العقد على الشارع الرئيسي يقع محل مهدي قوميه وهو اخ السيد علي ماما( الشقاوه المعروف) ولي مع مهدي قوميه قصة كادت ان تسري بمستقبلي الى نحو آخر في عام 1963 حيث كنت قد تخرجت من ثانوية الكرخ وقبلت في كلية الطب في بغداد ثم تقدمت مع عدد كبير من مجموعتنا في الكلية للدراسة على نفقة وزارة الدفاع وبعد ان تجاوز عقبات الفحص الطبي بصعوبة بسبب قصري و وزني واكملت المعاملة بانتظار الموافقات الأمنية تم قبول معظم المتقدمين باستثناء اسمي وقد صادف ان كان ذلك مترافق مع عطلة نصف السنة في الصف الاول من الكلية وبعد مراجعات بين النائب ضابط علوان في وزارة الدفاع ومديرية أمن الكرخ في العطيفية عرفت ان سبب عدم قبولي هو لكوني بعثي كبير في المنطقة وفق تقرير معتمد الأمن مهدي قوميه مما زادني عجبا وكنت اعرف مهدي كزبون في محله ومعروف لديه عدت اليه غاضبا فضحك أشد الضحك واستوعب غضبي وصياحي واخذته الى دائرة الأمن وأقسم انه وقع في خطا كبير بيني وبين شخص آخر اسمه عمر التكريتي وكان معلما في حينه المنطقة وكتب مذكرة تصحيح موقف يعتذر فيها عن أسفه ويصحح المعلومة بجواب ايجابي رافقني فيه بعدها الى دائرة الامن العامة وكان مدير الآمن في حينها أنور ثامر وترك الكتاب عند واردة المديرية وتركني لمتابعة الموضوع في الأمن العامة والتي بالرغم من مراجعاتي العديدة لأيام عديدة لسكرتير المدير لم أفلح في الدخول اليه وفي ذات يوم من الايام التي قضيتها في مديرية الامن العامة ودائرة مدير الامن دخل ضابط برتبة رائد وقال للسكرتير المدير موجود قال له نعم منو حضرتك قال انا الرائد المهندس اسماعيل الكبيسي وقبل ان يفتح باب الدخول له نهضت اليه وقلت له أنا طالب في كلية الطب اسمي عمر الكبيسي ولدي مشكله لا يحلها الا المدير ؟ ضحك الضابط وأدخلني قبله الى المدير وبعد السلام عليه بميانه قال له هذا الشاب اقاربي لديه مشكلة يمك انتبه الى وقال شنو المشكلة؟ شرحت له القصة كما حدثت حينها قام الضابط اسماعيل الكبيسي من كرسيه وقال له : (خالي شبيكم انتم القوميين خايفين هذا الشاب الزغير ما يطلع وزنه اربعين كيلو تخافون منه يصير طبيب عسكري بعد ست سنين ؟ ) .
ضحك المرحوم أنور ثامر الذي شاء الحظ أن أكون احد أطبائه قبل وفاته في داره بحي الجمعة وقال : صار باجر تعال خذ كتاب تعديل موقف وتنتهي القصة..
قلت له :أنا قضيت العطله كلها ولم استطع أن أراك كيف أضمن ذلك؟؟ .
ضغط على الجرس و نادى بجلب المعاملة وبعد أكثر من ساعة وأنا في غرفة المدير على جانب جاء الموظف وقال :
لم نجدها سنبحث عنها بعد الدوام الرسمي في أرشيفك وتكون عندك سيدي..
قلت له أنا سأبقى هنا الى الدوام المسائي للبحث عنها فقال الرائد إسماعيل : خوش حل ابقى انته فتشها في الارشيف وتركني الاثنان ابحث في أرشيف دائرة المدير الملحقة في غرفته ولكني لم أجدها فتشجعت للبحث عنها بين أضابير عديدة على منضدة المدير وفعلا كانت معاملة طلاب وزارة الدفاع واحدة من رزمة أضابير عليها وعندما فتحتها وجدت الإجابة برفض قبولي لكوني مسئول بعثي في محلة التكارته وفق تقرير الوكيل الأمني في المنطقة ، يا إلهي مصيري يتحكم فيه مهدي ولم يكن حاصل على شهادة متوسطة ؟ ثم لماذا لا يقبل القوميون في زمانهم البعثيون على سبيل المثال أليسوا جميعا كانوا ضد الشيوعيين في فترة المد الشيوعي ؟ لقد حرمت على نفسي الانتماءات الحزبية الضيقة منذ ذلك الحين وصدق القول : لكل ضارة نافعة ..
فتحت الباب فلم أجد في غرفة السكرتير أحد وبقيت انتظر لحين قدوم السكرتير وبعده وصل المدير الذي ضحك وقال :( وجدتها ! والله انته تفدينا هنا شتكول ؟ ) ..
ضحكت معه وفعلا انجز الرجل المعاملة وأعطاني الكتاب الى وزارة الدفاع شؤون الطلبة بعد أن اتصل بالرائد إسماعيل الكبيسي وفي الصباح فرح النائب ضابط علوان وقال :(انتهت المشكله روح داوم بالكلية وراجعنا في القسم الداخلي رأس الشهر لإستلام راتبك والمخصصات) .
اصبح بعد تخرجي العقيد المهندس اسماعيل وهم من عائلة كبيسية تسكن الرمادي تلقب ببيت (إيواز) من أقرب الأصدقاء وأفخر بروحه الفكهة ونكاته الجميلة في كل مجلس يشارك فيه كما كان من هواة السيارات المكشوفة والفارهة .
تثير جولة الزميل سعد البنورامية في النفس ذكرياتي عن مقاهي الكرخ وجولاتي ولقاءاتي بها على أمل أن اكمل هذه الذكريات في حلقة أخرى ما دمنا نعيش في أجواء الكرخ و رمضان المبارك إنشاء الله .وشكرا ثانية للزميل سعد هزاع التكريتي ولمجلة الگاردينيا والأستاذ جلال چرمگا فائق التقدير .
1240 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع